( الثامنة والتاسعة :
nindex.php?page=treesubj&link=24661النهي عن الفساد في الأرض ، ويلزمه الأمر بالصلاح فيها ) :
( وهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) :
بعد أن بين الله - تعالى - لعباده في آخر كتبه على لسان رسوله خاتم النبيين ما يكفر سيئاتهم أفرادا ، وهو فعل الحسنات التي تمحو أثرها السيئ من أنفسهم ، بين لهم ما هو منجاة للأمة والشعب من الهلاك في الدنيا قبل الآخرة ، وهو وجود طائفة عظيمة التأثير فيها تنهاها عن الفساد في الأرض بالظلم والفساد والفسوق بارتكاب الفواحش والمنكرات ، وهو قوله : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض - 116 وبين لنا عقب هذا في الآية أن القرون التي أهلكها لم يكن فيها إلا قليل من أمثال هؤلاء هم الذين أنجاهم
[ ص: 191 ] مع رسلهم ، وأن الجمهور الذين أهلكهم كانوا متبعين للإتراف بالفسوق والإسراف ، وهو غاية الفساد والإفساد ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سياج الدين والأخلاق والآداب .
وصرح في الآية التي بعدها ( 117 ) بأن سنته في الأمم أنه لا يهلك القرى "
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=117بظلم وأهلها مصلحون " في الأرض ، وعبر عن الأمم بـ القرى وهي عواصم ملكها ; لأنها مأوى الزعماء والرؤساء الحاكمين الذين تفسد الأمم بفسادهم ، وتصلح بصلاحهم ، وهي حقائق فسرها علم الاجتماع الحديث ، وإننا لنرى مصداقها بأعيننا . والذين يتعبدون بألفاظ القرآن دون معانيه لا يعتبرون بها لأنهم لا يفقهون ما فيه ، وسنعود إلى ذكرها في بيان سنن الاجتماع من الباب السادس ، ولابد من التكرار في هذه الأبواب .
فهذه التسع من أمهات الفضائل تكفي من تدبرها علما وعرفانا ، وهداية وإرشادا لجميع الأعمال الصالحات التي هي الركن الثالث من أركان الدين ، وفي السورة من الفضائل التي تستمد فيها من سيرة الرسل - عليهم السلام - ويقتدى بهم فيها ، وجميع المكلفين مطالبون معهم بها فنشير إليها تتمة للعدد .
( الثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=24661النَّهْيُ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ، وَيَلْزَمُهُ الْأَمْرُ بِالصَّلَاحِ فِيهَا ) :
( وَهُمَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ) :
بَعْدَ أَنْ بَيْنَ اللَّهُ - تَعَالَى - لِعِبَادِهِ فِي آخِرِ كُتُبِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ مَا يُكَفِّرُ سَيِّئَاتِهِمْ أَفْرَادًا ، وَهُوَ فِعْلُ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو أَثَرَهَا السَّيِّئَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، بَيَّنَ لَهُمْ مَا هُوَ مَنْجَاةٌ لِلْأُمَّةِ وَالشَّعْبِ مِنَ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ ، وَهُوَ وُجُودُ طَائِفَةٍ عَظِيمَةِ التَّأْثِيرِ فِيهَا تَنْهَاهَا عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ وَالْفُسُوقِ بِارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ - 116 وَبَيَّنَ لَنَا عَقِبَ هَذَا فِي الْآيَةِ أَنَّ الْقُرُونَ الَّتِي أَهْلَكَهَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا قَلِيلٌ مِنْ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أَنْجَاهُمْ
[ ص: 191 ] مَعَ رُسُلِهِمْ ، وَأَنَّ الْجُمْهُورَ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ كَانُوا مُتَّبِعِينَ لِلْإِتْرَافِ بِالْفُسُوقِ وَالْإِسْرَافِ ، وَهُوَ غَايَةُ الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ ، فَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ سِيَاجُ الدِّينِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ .
وَصَرَّحَ فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا ( 117 ) بِأَنَّ سُنَّتَهُ فِي الْأُمَمِ أَنَّهُ لَا يُهْلِكُ الْقُرَى "
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=117بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ " فِي الْأَرْضِ ، وَعَبَّرَ عَنِ الْأُمَمِ بـ الْقُرَى وَهِيَ عَوَاصِمُ مُلْكِهَا ; لِأَنَّهَا مَأْوَى الزُّعَمَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ الْحَاكِمِينَ الَّذِينَ تَفْسُدُ الْأُمَمُ بِفَسَادِهِمْ ، وَتَصْلُحُ بِصَلَاحِهِمْ ، وَهِيَ حَقَائِقُ فَسَّرَهَا عِلْمُ الِاجْتِمَاعِ الْحَدِيثِ ، وَإِنَّنَا لَنَرَى مِصْدَاقَهَا بِأَعْيُنِنَا . وَالَّذِينَ يَتَعَبَّدُونَ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ دُونَ مَعَانِيهِ لَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا لِأَنَّهُمْ لَا يُفَقِّهُونَ مَا فِيهِ ، وَسَنَعُودُ إِلَى ذِكْرِهَا فِي بَيَانِ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ مِنَ الْبَابِ السَّادِسِ ، وَلَابُدَّ مِنَ التَّكْرَارِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ .
فَهَذِهِ التِّسْعُ مِنْ أُمَّهَاتِ الْفَضَائِلِ تَكْفِي مَنْ تَدَبَّرَهَا عِلْمًا وَعِرْفَانًا ، وَهِدَايَةً وَإِرْشَادًا لِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ الَّتِي هِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ ، وَفِي السُّورَةِ مِنَ الْفَضَائِلِ الَّتِي تُسْتَمَدُّ فِيهَا مِنْ سِيرَةِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَيُقْتَدَى بِهِمْ فِيهَا ، وَجَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ مُطَالَبُونَ مَعَهُمْ بِهَا فَنُشِيرُ إِلَيْهَا تَتِمَّةً لِلْعَدَدِ .