(
nindex.php?page=treesubj&link=25988_25987_28263الطغيان والركون إلى الظالمين سبب الحرمان من النصر ) :
( الشاهد التاسع ) قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=112فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا 112 وقوله بعدها :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=113ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار 113 فيهما من سنن الله - تعالى - في الاجتماع أن الطغيان والركون إلى الظالمين من أسباب هلاك الأمم وحرمانهم من النصر على أعدائهم ، وهذا يشترك مع الظلم في شواهده الآتية :
( الشواهد : العاشر - الخامس عشر على
nindex.php?page=treesubj&link=25987إهلاك الأمم بالظلم ) :
( في الآيات 100 - 102 و 112 و 113 و 116 و 117 ) :
أولها في هذا السياق قوله - عز وجل - لرسوله خاتم النبيين :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=100nindex.php?page=treesubj&link=28982_25987_32626ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد 100 والثانية : وما ظلمناهم 101 أي بإهلاكهم ،
[ ص: 203 ] بل أنذرناهم عاقبة ظلمهم ولكن ظلموا أنفسهم ظلما عاما فكان هلاكهم عاما ، وكان أكبر ظلمهم الشرك ، فكانوا يدعون آلهتهم أن تدفع عنهم العذاب ، فاتكلوا عليها في دفع ما أنذرهم الرسل فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء 101 الآية .
هذا معنى لا يكابر فيه أحد يدعي التوحيد والإيمان بالقرآن ، ولكن كثيرا من الجاهلين بعقائد القرآن إذا بينت لهم ما يخالف تقاليدهم منها أنكروه ، وأول ما ينكرونه أساسها الأعظم وهو توحيد الله ومعنى الشرك به منها ، إذ هم يظنون أن شرك أولئك الأقوام عبارة عن عبادة أصنام وأوثان من الجماد يتكلون عليها لذاتها . فإذا قيل لهم : إن أصله الغلو في الصالحين ولا سيما الميتين منهم ، واعتقاد تصرفهم في الكون ، ودعاؤهم في طلب النفع ودفع الضر ، وأن مثله أو منه ما كان يحكى عن مسلمي
بخارى أن
شاه نقشبند هو الحامي لها ، فلن تستطيع الدولة الروسية الاستيلاء عليها ، وما كان يحكى عن مسلمي
المغرب الأقصى من حماية
مولاي إدريس لفاس وسائر
المغرب أن تستولي عليها فرنسة ، أنكروا على القائل : إن هذا كذاك ، وقالوا : إنما هو توسل بجاه الأولياء عند الله ، وليس من المنكر أن يدفعوها بكرامتهم . فكرامة الأموات ثابتة كالأحياء ، وقد بينا لهم جهلهم هذا بتبدل الأسماء ، ومخالفته لكتاب الله - تعالى - وسنة رسوله ، وسيرة السلف الصالح من الأمة في فتوحاتهم وتأسيس ملكهم وحفظه ، وخصصنا إخواننا أهل
المغرب الأقصى بالإنذار منذ أنشئ المنار ، وأرشدناهم إلى تنظيم قواتهم الدفاعية العسكرية ، وطلب الضباط له من الدولة العثمانية ، وإلى العلوم والفنون المرشدة إلى القوة والثروة والنظام ، وإلا ذهبت بلادهم من أيديهم قطعا . فقال المغوون لهم من أهل الطرائق القدد بلسان حالهم أو مقالهم : إن صاحب المنار معتزلي منكر لكرامات الأولياء ، وما هو بمعتزلي ولا أشعري ، بل هو قرآني سني ، وها هي ذي
فرنسة استولت على بلادهم كما أنذرهم ، وظهر أن أكبر مشايخ الطريق نفوذا ودعوى للكرامات بالباطل
كالتيجانية ، كانوا وما زالوا من خدمة
فرنسة ومساعديها على فتح البلاد ، واستعباد أهلها أو إخراجهم من دين الإسلام إلى الإلحاد أو النصرانية من حيث يدرون أو لا يدرون .
يجهل أمثال هؤلاء وغيرهم من الذين يظنون أن الشرك بالله - تعالى - خاص بعبادة الأصنام والأوثان ، أن أصل هذا الشرك هو
nindex.php?page=treesubj&link=28808الغلو في تعظيم الصالحين ، والتبرك أو التوسل بأشخاصهم لإبطال سنن الله - تعالى - وأولهم قوم
نوح ، فقد كانت آلهتهم ( ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ) رجالا صالحين غلوا في تعظيمهم بعد موتهم ، ووضعوا لهم الصور والتماثيل
[ ص: 204 ] للتذكير بهم كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن ترجمان القرآن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - فكانوا يعتقدون أن أولئك الصالحين هم الذين ينفعون ويضرون ، ويدفعون العذاب بكراماتهم أو بشفاعتهم عند الله لا تماثيلهم .
بل نرى هؤلاء وأمثالهم من الذين يلجئون إلى قبورهم الصالحين ؛ لدعائهم أو ما يسمونه التوسل بهم في مثل ذلك ، يجهلون جميع عقائد القرآن وسنن الله - تعالى - فيه التي أجملناها في خلاصة هذه السورة ، من التوحيد ووظائف الرسل ، إلى هذه السنن في إهلاك الظالمين ، وأمثالها في غير هذه السورة .
وأكبر مصائب الإسلام أن افتتان المسلمين بالصالحين الذي اتبعوا فيه سنن من قبلهم ( ( شبرا بشبر وذراعا بذراع ) ) كما أخبر الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - قد كان سببا لإلحاد فريق كبير من الذين يتعلمون علوم العصر ومنها سنن الخلق والاجتماع ، ومروقهم من الدين باعتقادهم أن الإسلام دين خرافي هو الذي أضاع ملك المسلمين ، حتى إن حكومة الترك الحاضرة تركت الإسلام الحق المنزه عن الخرافات ، وعادى رئيسها ومؤسسها القرآن والسنة ولغتهما وحروفهما بما لم يسبق له نظير في عهد الجاهلية والصليبيين فظلت أعناقهم لها خاضعين 26 : 4 .
وخلاصة معنى الآية الثانية ( 102 ) أن أخذ الله القرى الظالمة عند استحقاقهم له في المستقبل سيكون على نحو أخذه لها في الماضي ، أليما شديدا لا هوادة ولا رحمة ولا محاباة .
وخلاصة الثالثة والرابعة ( 112 و 113 ) أمر الله لرسوله بالاستقامة هو ومن تاب معه كما أمر ، ونهيهم عن الطغيان والإفراط فيه ، وعن الركون إلى الظالمين من المشركين المشبهة حالهم في قريتهم (
مكة ) لحال أولئك الظالمين من أهل القرى المهلكة ؛ لأجل أن ينجيهم من العذاب إذا وقع عليهم أتباع أولئك الرسل قبيل إهلاك قومهم ؛ لأن سنته - تعالى - في عباده واحدة .
وخلاصة الخامسة ( 166 ) أن
nindex.php?page=treesubj&link=32516_24661الوسيلة لمنع وقوع العذاب بالأمم الظالمة ، هو وجود أولي بقية فيها ينهون عن الفساد في الأرض فيطاعون ، إذ بفقدهم يتبع الظالمون ما أترفوا فيه فيكونون مجرمين فيهلكون ، إن لم يكن باستئصالهم فبذهاب استقلالهم .
وخلاصة السادسة ( 117 ) أنه لم يكن من شأن الله - تعالى - ولا من سنته في عباده أن يهلك القرى بظلم منه وأهلها مصلحون في أعمالهم وأحكامهم ، وهذا هو الأساس الأعظم لعلم الاجتماع في حياة الأمم وموتها وعزتها وذلها ، فراجع تفسيرها .
إن علماء الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين وأئمة الأمصار الذين ورثوا لغة القرآن بالسليقة وسنة النبي وبيانه له بالاتباع ، كانوا يفهمون هذه السنن الإلهية في الخلق ويهتدون بها ، وإن لم يضعوا لها قواعد علمية وفنية لتفقيه من بعدهم فيها ، ثم زالت سليقة اللغة من
[ ص: 205 ] علماء المولدين ، فصاروا يفسرون القرآن بقواعد الفنون التي وضعوها للغة وللدين بقدر معارفهم الممزوجة بما ورثوا وما كسبوا من الشعوب التي اهتدت بالإسلام ، ولم يكن علم الاجتماع مما دونه أحد ، فلهذا لا نرى في تفاسيرهم شيئا من هذه السنن الخاصة بسياسة الأمم ، بل تنكبوا هداية القرآن فيها فكانت عاقبة أمرهم ما نشكو منه ونحاول تلافيه .
(
nindex.php?page=treesubj&link=25988_25987_28263الطُّغْيَانُ وَالرُّكُونُ إِلَى الظَّالِمِينَ سَبَبُ الْحِرْمَانِ مِنَ النَّصْرِ ) :
( الشَّاهِدُ التَّاسِعُ ) قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=112فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا 112 وَقَوْلُهُ بَعْدَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=113وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ 113 فِيهِمَا مِنْ سُنَنِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الِاجْتِمَاعِ أَنَّ الطُّغْيَانَ وَالرُّكُونَ إِلَى الظَّالِمِينَ مِنْ أَسْبَابِ هَلَاكِ الْأُمَمِ وَحِرْمَانِهِمْ مِنَ النَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ ، وَهَذَا يَشْتَرِكُ مَعَ الظُّلْمِ فِي شَوَاهِدِهِ الْآتِيَةِ :
( الشَّوَاهِدُ : الْعَاشِرُ - الْخَامِسَ عَشَرَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=25987إِهْلَاكِ الْأُمَمِ بِالظُّلْمِ ) :
( فِي الْآيَاتِ 100 - 102 و 112 و 113 و 116 و 117 ) :
أَوَّلُهَا فِي هَذَا السِّيَاقِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِرَسُولِهِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=100nindex.php?page=treesubj&link=28982_25987_32626ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ 100 وَالثَّانِيَةُ : وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ 101 أَيْ بِإِهْلَاكِهِمْ ،
[ ص: 203 ] بَلْ أَنْذَرْنَاهُمْ عَاقِبَةَ ظُلْمِهِمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ظُلْمًا عَامًّا فَكَانَ هَلَاكُهُمْ عَامًّا ، وَكَانَ أَكْبَرَ ظُلْمِهِمُ الشِّرْكُ ، فَكَانُوا يَدْعُونَ آلِهَتَهُمْ أَنْ تَدْفَعَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ ، فَاتَّكَلُوا عَلَيْهَا فِي دَفْعِ مَا أَنْذَرَهُمُ الرُّسُلُ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ 101 الْآيَةَ .
هَذَا مَعْنًى لَا يُكَابِرُ فِيهِ أَحَدٌ يَدَّعِي التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ بِالْقُرْآنِ ، وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْجَاهِلِينَ بِعَقَائِدِ الْقُرْآنِ إِذَا بَيَّنْتَ لَهُمْ مَا يُخَالِفُ تَقَالِيدَهُمْ مِنْهَا أَنْكَرُوهُ ، وَأَوَّلُ مَا يُنْكِرُونَهُ أَسَاسُهَا الْأَعْظَمُ وَهُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ وَمَعْنَى الشِّرْكِ بِهِ مِنْهَا ، إِذْ هُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ شِرْكَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ عِبَارَةٌ عَنْ عِبَادَةِ أَصْنَامٍ وَأَوْثَانٍ مِنَ الْجَمَادِ يَتَّكِلُونَ عَلَيْهَا لِذَاتِهَا . فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ : إِنَّ أَصْلَهُ الْغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ وَلَا سِيَّمَا الْمَيِّتِينَ مِنْهُمْ ، وَاعْتِقَادُ تَصَرُّفِهِمْ فِي الْكَوْنِ ، وَدُعَاؤُهُمْ فِي طَلَبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ ، وَأَنَّ مِثْلَهُ أَوْ مِنْهُ مَا كَانَ يُحْكَى عَنْ مُسْلِمِي
بُخَارَى أَنَّ
شَاهْ نَقْشَبَنْدَ هُوَ الْحَامِي لَهَا ، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ الدَّوْلَةُ الرُّوسِيَّةُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهَا ، وَمَا كَانَ يُحْكَى عَنْ مُسْلِمِي
الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى مِنْ حِمَايَةِ
مَوْلَايَ إِدْرِيسَ لِفَاسَ وَسَائِرِ
الْمَغْرِبِ أَنْ تَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا فَرَنْسَةُ ، أَنْكَرُوا عَلَى الْقَائِلِ : إِنَّ هَذَا كَذَاكَ ، وَقَالُوا : إِنَّمَا هُوَ تَوَسُّلٌ بِجَاهِ الْأَوْلِيَاءِ عِنْدَ اللَّهِ ، وَلَيْسَ مِنَ الْمُنْكَرِ أَنْ يَدْفَعُوهَا بِكَرَامَتِهِمْ . فَكَرَامَةُ الْأَمْوَاتِ ثَابِتَةٌ كَالْأَحْيَاءِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا لَهُمْ جَهْلَهُمْ هَذَا بِتَبَدُّلِ الْأَسْمَاءِ ، وَمُخَالَفَتِهِ لِكِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، وَسِيرَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الْأُمَّةِ فِي فُتُوحَاتِهِمْ وَتَأْسِيسِ مُلْكِهِمْ وَحِفْظِهِ ، وَخَصَّصْنَا إِخْوَانَنَا أَهْلَ
الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى بِالْإِنْذَارِ مُنْذُ أُنْشِئَ الْمَنَارُ ، وَأَرْشَدْنَاهُمْ إِلَى تَنْظِيمِ قُوَّاتِهِمُ الدِّفَاعِيَّةِ الْعَسْكَرِيَّةِ ، وَطَلَبِ الضُّبَّاطِ لَهُ مِنَ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ ، وَإِلَى الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْمُرْشِدَةِ إِلَى الْقُوَّةِ وَالثَّرْوَةِ وَالنِّظَامِ ، وَإِلَّا ذَهَبَتْ بِلَادُهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ قَطْعًا . فَقَالَ الْمُغْوُونَ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الطَّرَائِقِ الْقِدَدِ بِلِسَانِ حَالِهِمْ أَوْ مَقَالِهِمْ : إِنَّ صَاحِبَ الْمَنَارِ مُعْتَزِلِيٌّ مُنْكِرٌ لِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَمَا هُوَ بِمُعْتَزِلِيٍّ وَلَا أَشْعَرِيٍّ ، بَلْ هُوَ قُرْآنِيٌّ سُنِّيٌّ ، وَهَا هِيَ ذِي
فَرَنْسَةُ اسْتَوْلَتْ عَلَى بِلَادِهِمْ كَمَا أَنْذَرَهُمْ ، وَظَهَرَ أَنَّ أَكْبَرَ مَشَايِخِ الطَّرِيقِ نُفُوذًا وَدَعْوَى لِلْكَرَامَاتِ بِالْبَاطِلِ
كَالتِّيجَانِيَّةِ ، كَانُوا وَمَا زَالُوا مِنْ خِدْمَةِ
فَرَنْسَةَ وَمُسَاعِدِيهَا عَلَى فَتْحِ الْبِلَادِ ، وَاسْتِعْبَادِ أَهْلِهَا أَوْ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْإِلْحَادِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ حَيْثُ يَدْرُونَ أَوْ لَا يَدْرُونَ .
يَجْهَلُ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ الشِّرْكَ بِاللَّهِ - تَعَالَى - خَاصٌّ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ ، أَنَّ أَصْلَ هَذَا الشِّرْكِ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28808الْغُلُوُّ فِي تَعْظِيمِ الصَّالِحِينَ ، وَالتَّبَرُّكِ أَوِ التَّوَسُّلِ بِأَشْخَاصِهِمْ لِإِبْطَالِ سُنَنِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَوَّلُهُمْ قَوْمُ
نُوحٍ ، فَقَدْ كَانَتْ آلِهَتُهُمْ ( وَدٌّ وَسُوَاعٌ وَيَغُوثُ وَيَعُوقُ وَنَسْرٌ ) رِجَالًا صَالِحِينَ غَلَوْا فِي تَعْظِيمِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ ، وَوَضَعُوا لَهُمُ الصُّوَرَ وَالتَّمَاثِيلَ
[ ص: 204 ] لِلتَّذْكِيرِ بِهِمْ كَمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ أُولَئِكَ الصَّالِحِينَ هُمُ الَّذِينَ يَنْفَعُونَ وَيَضُرُّونَ ، وَيَدْفَعُونَ الْعَذَابَ بِكَرَامَاتِهِمْ أَوْ بِشَفَاعَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ لَا تَمَاثِيلُهُمْ .
بَلْ نَرَى هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالَهُمْ مِنَ الَّذِينَ يَلْجَئُونَ إِلَى قُبُورِهِمُ الصَّالِحِينَ ؛ لِدُعَائِهِمْ أَوْ مَا يُسَمُّونَهُ التَّوَسُّلَ بِهِمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ، يَجْهَلُونَ جَمِيعَ عَقَائِدِ الْقُرْآنِ وَسُنَنِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِيهِ الَّتِي أَجْمَلْنَاهَا فِي خُلَاصَةِ هَذِهِ السُّورَةِ ، مِنَ التَّوْحِيدِ وَوَظَائِفِ الرُّسُلِ ، إِلَى هَذِهِ السُّنَنِ فِي إِهْلَاكِ الظَّالِمِينَ ، وَأَمْثَالِهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ .
وَأَكْبَرُ مَصَائِبِ الْإِسْلَامِ أَنَّ افْتِتَانَ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّالِحِينَ الَّذِي اتَّبَعُوا فِيهِ سَنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ ( ( شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ) ) كَمَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ سَبَبًا لِإِلْحَادِ فَرِيقٍ كَبِيرٍ مِنَ الَّذِينَ يَتَعَلَّمُونَ عُلُومَ الْعَصْرِ وَمِنْهَا سُنَنُ الْخَلْقِ وَالِاجْتِمَاعِ ، وَمُرُوقِهِمْ مِنَ الدِّينِ بِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ خُرَافِيٌّ هُوَ الَّذِي أَضَاعَ مُلْكَ الْمُسْلِمِينَ ، حَتَّى إِنَّ حُكُومَةَ التُّرْكِ الْحَاضِرَةِ تَرَكَتِ الْإِسْلَامَ الْحَقَّ الْمُنَزَّهَ عَنِ الْخُرَافَاتِ ، وَعَادَى رَئِيسُهَا وَمُؤَسِّسُهَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ وَلُغَتَهُمَا وَحُرُوفَهُمَا بِمَا لَمْ يُسْبَقْ لَهُ نَظِيرٌ فِي عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالصَّلِيبِيِّينَ فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ 26 : 4 .
وَخُلَاصَةُ مَعْنَى الْآيَةِ الثَّانِيَةِ ( 102 ) أَنَّ أَخْذَ اللَّهِ الْقُرَى الظَّالِمَةَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِمْ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَيَكُونُ عَلَى نَحْوِ أَخْذِهِ لَهَا فِي الْمَاضِي ، أَلِيمًا شَدِيدًا لَا هَوَادَةَ وَلَا رَحْمَةَ وَلَا مُحَابَاةَ .
وَخُلَاصَةُ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ( 112 و 113 ) أَمْرُ اللَّهِ لِرَسُولِهِ بِالِاسْتِقَامَةِ هُوَ وَمَنْ تَابَ مَعَهُ كَمَا أَمَرَ ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ الطُّغْيَانِ وَالْإِفْرَاطِ فِيهِ ، وَعَنِ الرُّكُونِ إِلَى الظَّالِمِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْمُشَبَّهَةِ حَالُهُمْ فِي قَرْيَتِهِمْ (
مَكَّةَ ) لِحَالِ أُولَئِكَ الظَّالِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الْمُهْلَكَةِ ؛ لِأَجْلِ أَنْ يُنَجَّيَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ إِذَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ أَتْبَاعُ أُولَئِكَ الرُّسُلِ قُبَيْلَ إِهْلَاكِ قَوْمِهِمْ ؛ لِأَنَّ سُنَّتَهُ - تَعَالَى - فِي عِبَادِهِ وَاحِدَةٌ .
وَخُلَاصَةُ الْخَامِسَةِ ( 166 ) أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32516_24661الْوَسِيلَةَ لِمَنْعِ وُقُوعِ الْعَذَابِ بِالْأُمَمِ الظَّالِمَةِ ، هُوَ وُجُودُ أُولِي بَقِيَّةٍ فِيهَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ فَيُطَاعُونَ ، إِذْ بِفَقْدِهِمْ يَتَّبِعُ الظَّالِمُونَ مَا أُتْرِفُوا فِيهِ فَيَكُونُونَ مُجْرِمِينَ فَيَهْلِكُونَ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِاسْتِئْصَالِهِمْ فَبِذَهَابِ اسْتِقْلَالِهِمْ .
وَخُلَاصَةُ السَّادِسَةِ ( 117 ) أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا مَنْ سُنَّتِهِ فِي عِبَادِهِ أَنْ يُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ مِنْهُ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ فِي أَعْمَالِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ ، وَهَذَا هُوَ الْأَسَاسُ الْأَعْظَمُ لِعِلْمِ الِاجْتِمَاعِ فِي حَيَاةِ الْأُمَمِ وَمَوْتِهَا وَعِزَّتِهَا وَذُلِّهَا ، فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا .
إِنَّ عُلَمَاءَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةَ الْأَمْصَارِ الَّذِينَ وَرِثُوا لُغَةَ الْقُرْآنِ بِالسَّلِيقَةِ وَسُنَّةَ النَّبِيِّ وَبَيَانَهُ لَهُ بِالِاتِّبَاعِ ، كَانُوا يَفْهَمُونَ هَذِهِ السُّنَنَ الْإِلَهِيَّةَ فِي الْخَلْقِ وَيَهْتَدُونَ بِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَضَعُوا لَهَا قَوَاعِدَ عِلْمِيَّةً وَفَنِّيَّةً لِتَفْقِيهِ مَنْ بَعْدِهِمْ فِيهَا ، ثُمَّ زَالَتْ سَلِيقَةُ اللُّغَةِ مِنْ
[ ص: 205 ] عُلَمَاءِ الْمُوَلِّدِينَ ، فَصَارُوا يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِقَوَاعِدِ الْفُنُونِ الَّتِي وَضَعُوهَا لِلُّغَةِ وَلِلدِّينِ بِقَدْرِ مَعَارِفِهِمُ الْمَمْزُوجَةِ بِمَا وَرِثُوا وَمَا كَسَبُوا مِنَ الشُّعُوبِ الَّتِي اهْتَدَتْ بِالْإِسْلَامِ ، وَلَمْ يَكُنْ عِلْمُ الِاجْتِمَاعِ مِمَّا دَوَّنَهُ أَحَدٌ ، فَلِهَذَا لَا نَرَى فِي تَفَاسِيرِهِمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ السُّنَنِ الْخَاصَّةِ بِسِيَاسَةِ الْأُمَمِ ، بَلْ تَنَكَّبُوا هِدَايَةَ الْقُرْآنِ فِيهَا فَكَانَتْ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ مَا نَشْكُو مِنْهُ وَنُحَاوِلُ تَلَافِيَهُ .