[ ص: 209 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=28983_31895_28901إذ قال يوسف لأبيه ياأبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5قال يابني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم .
هذه الآيات الثلاث في بيان ما وقع بين
يوسف في طفولته ، وأبيه
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام - فاستدل أبوه برؤياه ، على أنه سيكون له شأن عند الله وعند الناس ، فتعلق به أمله ، وشغف به قلبه ، فكان مبدأ لكل ما حدث له من الوقائع المحرقة ، ومن العاقبة المشرقة ، فهذه الرؤيا لا يظهر تأويلها إلا في آخر هذه الرواية ، وأصحاب القصص المنتحلة في عصرنا يحتذون أسلوب قصة
يوسف في سورته هذه بوضع خبر مشكل خفي يشغل فكر القارئ في أولها ، ويظل ينتظر وقوع ما يحل إشكاله ، ويفسر مآله ، فلا يصيبه إلا في آخر القصة ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920537إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ) ) رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري وغيرهما ، وفي رواية ( ( الكريم ابن الكريم ) ) إلخ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إذ قال يوسف لأبيه يا أبت ) هذا شروع في بيان أحسن القصص فهو بدل منه يشتمل عليه . والأكثرون يعدونه بدء كلام جديد يقدرون له متعلقا : اذكر أيها الرسول إذ قال
يوسف لأبيه يا أبت إلخ . والتاء هنا بدل من ياء المتكلم وهو مسموع من العرب في نداء الأب والأم ، والفصيح كسرها وسمع فتحها وضمها أيضا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ) في المنام بدليل ما يأتي بعد ، ثم بين الصفة التي رأي عليها هذه الجماعة
[ ص: 210 ] السماوية بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4رأيتهم لي ساجدين ) والسجود : التطامن والانحناء الذي سببه الانقياد والخضوع أو المبالغة في التعظيم ، وأصله قولهم : سجد البعير ؛ إذا خفض رأسه لراكبه عند ركوبه ، وكان من عادات الناس في تحية التعظيم في بلاد
فلسطين ومصر وغيرهما واستعمل في القرآن بمعنى انقياد تعالى - وتسخيره وهذا سجود طبيعي غير إرادي ، ولا يكون السجود عبادة إلا بالقصد والنية من الساجد للتقريب إلى من يعتقد أن له عليه سلطانا ذاتيا غيبيا فوق سلطان الأسباب المعهودة . وكان الأصل في التعبير عن سجود هذه الكواكب التي ليس لها إرادة أن يقول : رأيت كذا وكذا ساجدة لي ، ولكنه أراد أن يخبر والده أنه رآها ساجدة سجودا ، كأنه عن إرادة واختيار كسجود العقلاء المكلفين ، فأعاد فعل ( ( رأيت ) ) وجعل مفعوله ضمير العقلاء وجمع صفة هذا السجود جمع المذكر السالم ، فعلم أبوه أن هذه رؤيا إلهام ، لا يمكن أن تعد من أضغاث الأحلام ، التي تثيرها في النوم الخواطر والأفكار ، ولا سيما خواطر غلام صغير
كيوسف يخاف أبوه أن يأكله الذئب ، وفي سفر التكوين أنه كان قد بلغ السادسة عشرة ، وهو بعيد .
قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك يا بني : تصغير لكلمة ( ( ابن ) ) في نداء العطف والتحبب ، وقص الرؤيا على فلان كقص القصة معناه أخبره بها على وجه الدقة والإحاطة كما تقدم آنفا ، وقد يفهم منه المعبر البصير المعنى المناسب للرائي القاص ، أو المعنى الذي تؤول إليه في المستقبل ، إذا كانت رؤيا حق كما يقع للأنبياء - عليهم السلام - قبل وحي التكليم ومقدماته ، وقد فهم هذا
يعقوب واعتقد أن
يوسف سيكون نبيا عظيما ذا ظهور وسلطان يسود به أهله حتى أباه وأمه وإخوته ، وخاف أن يسمع إخوته ما سمعه ويفهموا ما فهمه فيحسدوه ويكيدوا لإهلاكه ، فنهاه أن يقص رؤياه عليهم ، وعلله بقوله : فيكيدوا لك كيدا أي : إن تقصصها عليهم يحسدوك فيدبروا ويحتالوا للإيقاع بك تدبيرا شيطانيا يحكمونه بالتفكير والروية ، كما يفعل الأعداء في المكايد الحربية ، يقال : كاده إذا وجه إليه الكيد مباشرة ، وكاد له إذا دبر الكيد لأجله سواء كان لمضرته وهو المراد هنا ، أو لمنفعته ومنه قوله - تعالى - في تدبير
يوسف لإبقاء أخيه بعده : كذلك كدنا ليوسف 76 وسيأتي بيان هذه المقابلة
nindex.php?page=treesubj&link=28983_28798 ( nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) ظاهر العداوة بينها ، لا تفوته فرصة لها فيضيعها . هذا بيان مستأنف للسبب النفسي لهذا الكيد ، وهو أنه من وسوسة الشيطان في النزغ بين الناس عندما تعرض له داعية من هوى النفس ، وشرها الحسد الغريزي في الإنسان ، كما عبر عنه
يوسف بعد وقوعه وسوء تأثيره وحسن عاقبته بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ) 100 وفي قصته من سفر التكوين أن
يوسف قص رؤياه على أبيه وإخوته جميعا من أول وهلة . وما قصه الله هو الحق الذي روي بالتواتر القطعي ،
[ ص: 211 ] وسفر التكوين غير مروي بالأسانيد المتصلة المتواترة ، ولا دليل على أن أصله وحي من الله - تعالى - ، ولكنه كتاب قديم التاريخ له قيمة لا تعصمه من الخطأ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وكذلك يجتبيك ربك ) أي ومثل ذلك الشأن الرفيع والمجد البديع الذي تمثل لك في رؤياك يجتبيك ربك ) ) لنفسه ويصطفيك على آلك وغيرهم فتكون من عباده المخلصين ( بفتح اللام كما وصفه الله فيما يأتي قريبا ) فالاجتباء افتعال من جبيت الشيء إذا خلصته لنفسك ، والجباية جمع الشيء النافع كالماء في الحوض والمال للسلطان ولي الأمر ( ويعلمك من تأويل الأحاديث أي يعلمك من علمه اللدني تأويل الرؤى وتعبيرها ، أي تفسيرها بالعبارة والإخبار بما تئول إليه في الوجود ، وهو تأويلها كما سيأتي حكاية لقول
يوسف لأبيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ) 12 : 100 أو ما هو أعم من ذلك من معاني الكلام ، وسميت الرؤى أحاديث باعتبار حكايتها والتحديث بها ، وقال بعض المفسرين وتبعه غيره : إن الرؤيا حديث الملك إن كانت صادقة ، وحديث الشيطان إن كانت كاذبة ، وهذا القول يخالف الواقع فإن رؤيا
يوسف ليس فيها حديث ، وكذا رؤيا صاحبيه في السجن ورؤيا ملك
مصر ، وإنما سميت رؤيا لأنها عبارة عما يرى في النوم ، كما أن الرؤية اسم لما يرى في اليقظة ، فهما كالقربة والقربى وفرق بينهما للتمييز ، وقد يسمع رائيها أحاديث رجل يحدثه ، ولكن تأويل رؤياه يكون لجملة ما رآه وسمعه لا لما سمعه فيها فحسب ، كما يقصه بحديثه على من يعبره له ، أي يعبر به من مدلول حديثه اللفظي إلى ما يؤول إليه ، وقد يكون قريبا كرؤيا صاحبي السجن ورؤيا الملك ، وقد يكون بعيدا كتأويل رؤيا
يوسف نفسه ، ولفظ الأحاديث اسم جمع سماعي كالأباطيل . والرؤيا الصادقة ضرب من إدراك نفس الإنسان أحيانا لبعض الأشياء قبل وقوعها باستعدادها الفطري ، إما بعينها وهو قليل ، وإما بمثال عليها وهو المحتاج إلى التأويل ، وسنبين
nindex.php?page=treesubj&link=24396_29810_29797الفرق بين الرؤيا الصادقة وبين أضغاث الأحلام ، ورأي علماء الإفرنج ومقلديهم فيها في خلاصة السورة الإجمالية إن شاء الله - تعالى - وتعليم الله التأويل
ليوسف إيتاؤه إلهاما وكشفا للمراد منها أو فراسة خاصة فيها ، أو علما أعم منها ، كما يدل عليه قوله الآتي لصاحبي السجن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=37لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي ) 37 روي عن
ابن زيد أنه قال في تأويل الأحاديث : تأويل العلم والحلم وكان
يوسف من أعبر الناس ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، تأويل أحاديث الأمم السالفة والكتب المنزلة .
زعم
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وتبعه مقلدوه أن هذه الجملة كلام مبتدأ غير داخل في حكم التشبيه ، كأنه قيل : وهو يعلمك ويتم نعمته عليك ، وبنى هذا على ما فهمه من دلالة الرؤيا على الاجتباء فقط ، وما هذا الفهم إلا من تأثير قواعد النحو ، والذي نجزم به أن
يعقوب - عليه
[ ص: 212 ] السلام - فهم من هذه الرؤيا فهما مجملا كل ما بشر به ابنه رائيها ، وأما كيد إخوته له إذا قصها عليهم فقد استنبطه استنباطا من طبع الإنسان ، وعداوة الشيطان . فلما حذره من الاستهداف لذلك بإثارة حسدهم ، قفى عليه ببشارته بما تدل عليه الرؤيا من اجتباء ربه الخاص به ، ومن تأويل الأحاديث ، وهو الذي سيكون وسيلة بينه وبين الناس إلى رفعه قدره وعلو مقامه ، فهو معطوف على الاجتباء معه في البشارة .
ثم عطف عليه ويتم نعمته عليك بالنبوة والرسالة والملك والرياسة وعلى
آل يعقوب وهم أبواه وإخوته وذريتهم ( وأصل الآل أهل بدليل تصغيره على أهيل ، وهو خاص في الاستعمال بمن لهم شرف وخطر في الناس كآل النبي - صلى الله عليه وسلم - وآل الملك ، ويقال لغيرهم : أهل ) بإخراجهم من البدو ، وتبوئهم المقام الكريم
بمصر ، ثم بتسلسل النبوة في أسباطهم إلى أجل معلوم (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6كما أتمها على أبويك من قبل ) أي من قبل هذا العهد أو من قبلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6إبراهيم وإسحاق ) هذا بيان لكلمة ( ( أبويك ) ) وهما جده وجد أبيه ، وقدم الأشرف منهما ، وهذا الاستعمال مألوف عند العرب وغيرهم ، وكانوا يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يابن
عبد المطلب ، بل قالها هو أيضا . وهذا التشبيه مبني على ما كان يعلمه يعقوب من وعد الله
لإبراهيم باصطفاء آله ، وجعل النبوة والكتاب في ذريته ، وإنما علم من رؤيا
يوسف أنه هو حلقة السلسلة النبوية الاصطفائية بعده من أبنائه ، فلهذا علل البشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6إن ربك عليم حكيم ) أي عليم بمن يصطفيه حكيم باصطفائه ، وبإعداد الأسباب وتسخيرها له ، وكان هذا العلم من
يعقوب بما بشر الله به أبويه لهما ولذريتهما ، وبدلالة رؤيا
يوسف على أنه هو حلقة السلسلة الذهبية لهم ، هو السبب كما قلنا لزيادة حبه له وعطفه وحرصه عليه ، الذي هاج ما كان يحذره إخوته وكيدهم له ، ولكونه لم يصدق ما زعموه من أكل الذئب له ، ولم ينقطع أمله منه ، بل لم ينقص إيمانه بما أعده الله له ولهم به ، ولكن علمه بذلك كان إجماليا لا تفصيليا ، وقد جاءت قصته من أولها إلى آخرها مفصلة لهذا الإجمال ، تفصيلا هو من أبدع بلاغة القرآن ، وزاد بعض المفسرين في التشبيه إنجاء
إبراهيم من النار وإنجاء
إسحاق من الذبح ، ولكن التحقيق أن الذبيح
إسماعيل لا
إسحاق كما يدل عليه قوله - تعالى - بعد قصته من سورة الصافات : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=112وبشرناه بإسحاق ) 37 : 112 وكون القصة كانت في
الحجاز وهي الأصل في أضاحي منى هناك ، وإنما الذي نشأ في الحجاز
إسماعيل لا
إسحاق كما هو معلوم بالتواتر .
[ ص: 209 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=28983_31895_28901إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي بَيَانِ مَا وَقَعَ بَيْنَ
يُوسُفَ فِي طُفُولَتِهِ ، وَأَبِيهِ
يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَاسْتَدَلَّ أَبُوهُ بِرُؤْيَاهُ ، عَلَى أَنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شَأْنٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ النَّاسِ ، فَتَعَلَّقَ بِهِ أَمَلُهُ ، وَشَغَفَ بِهِ قَلْبُهُ ، فَكَانَ مَبْدَأً لِكُلِّ مَا حَدَثَ لَهُ مِنَ الْوَقَائِعِ الْمُحْرِقَةِ ، وَمِنَ الْعَاقِبَةِ الْمُشْرِقَةِ ، فَهَذِهِ الرُّؤْيَا لَا يَظْهَرُ تَأْوِيلُهَا إِلَّا فِي آخِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَأَصْحَابُ الْقَصَصِ الْمُنْتَحَلَةِ فِي عَصْرِنَا يَحْتَذُونَ أُسْلُوبَ قِصَّةِ
يُوسُفَ فِي سُورَتِهِ هَذِهِ بِوَضْعِ خَبَرٍ مُشْكَلٍ خَفِيٍّ يَشْغَلُ فِكْرَ الْقَارِئِ فِي أَوَّلِهَا ، وَيَظَلُّ يَنْتَظِرُ وُقُوعَ مَا يَحِلُّ إِشْكَالَهُ ، وَيُفَسِّرُ مَآلَهُ ، فَلَا يُصِيبُهُ إِلَّا فِي آخِرِ الْقِصَّةِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920537إِنَّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ) ) رَوَاهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَفِي رِوَايَةٍ ( ( الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ) ) إِلَخْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ أَحْسَنِ الْقَصَصِ فَهُوَ بَدَلٌ مِنْهُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ . وَالْأَكْثَرُونَ يُعِدُّونَهُ بَدْءَ كَلَامٍ جَدِيدٍ يُقَدِّرُونَ لَهُ مُتَعَلِّقًا : اذْكُرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ إِذْ قَالَ
يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِلَخْ . وَالتَّاءُ هُنَا بَدَلٌ مِنْ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ مَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ فِي نِدَاءِ الْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَالْفَصِيحُ كَسَرُهَا وَسَمِعَ فَتَحَهَا وَضَمَّهَا أَيْضًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) فِي الْمَنَامِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي بَعْدُ ، ثُمَّ بَيْنَ الصِّفَةِ الَّتِي رَأْي عَلَيْهَا هَذِهِ الْجَمَاعَةَ
[ ص: 210 ] السَّمَاوِيَّةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) وَالسُّجُودُ : التَّطَامُنُ وَالِانْحِنَاءُ الَّذِي سَبَبُهُ الِانْقِيَادُ وَالْخُضُوعُ أَوِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعْظِيمِ ، وَأَصْلُهُ قَوْلُهُمْ : سَجَدَ الْبَعِيرُ ؛ إِذَا خَفَضَ رَأْسَهُ لِرَاكِبِهِ عِنْدَ رُكُوبِهِ ، وَكَانَ مِنْ عَادَاتِ النَّاسِ فِي تَحِيَّةِ التَّعْظِيمِ فِي بِلَادِ
فِلَسْطِينَ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا وَاسْتُعْمِلَ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى انْقِيَادِ تَعَالَى - وَتَسْخِيرِهِ وَهَذَا سُجُودٌ طَبِيعِيٌّ غَيْرُ إِرَادِيٍّ ، وَلَا يَكُونُ السُّجُودُ عِبَادَةً إِلَّا بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ مِنَ السَّاجِدِ لِلتَّقْرِيبِ إِلَى مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ سُلْطَانًا ذَاتِيًّا غَيْبِيًّا فَوْقَ سُلْطَانِ الْأَسْبَابِ الْمَعْهُودَةِ . وَكَانَ الْأَصْلُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ سُجُودِ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا إِرَادَةٌ أَنْ يَقُولَ : رَأَيْتُ كَذَا وَكَذَا سَاجِدَةً لِي ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُخْبِرَ وَالِدَهُ أَنَّهُ رَآهَا سَاجِدَةً سُجُودًا ، كَأَنَّهُ عَنْ إِرَادَةٍ وَاخْتِيَارٍ كَسُجُودِ الْعُقَلَاءِ الْمُكَلَّفِينَ ، فَأَعَادَ فِعْلَ ( ( رَأَيْتُ ) ) وَجَعَلَ مَفْعُولَهُ ضَمِيرَ الْعُقَلَاءِ وَجَمَعَ صِفَةَ هَذَا السُّجُودِ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ ، فَعَلِمَ أَبُوهُ أَنَّ هَذِهِ رُؤْيَا إِلْهَامٍ ، لَا يُمْكِنُ أَنْ تُعَدَّ مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ ، الَّتِي تُثِيرُهَا فِي النَّوْمِ الْخَوَاطِرُ وَالْأَفْكَارُ ، وَلَا سِيَّمَا خَوَاطِرُ غُلَامٍ صَغِيرٍ
كَيُوسُفَ يَخَافُ أَبُوهُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ ، وَفِي سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ بَلَغَ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ ، وَهُوَ بَعِيدٌ .
قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ يَا بُنَيَّ : تَصْغِيرٌ لِكَلِمَةِ ( ( ابْنٍ ) ) فِي نِدَاءِ الْعَطْفِ وَالتَّحَبُّبِ ، وَقَصَّ الرُّؤْيَا عَلَى فُلَانٍ كَقَصَّ الْقِصَّةَ مَعْنَاهُ أَخْبَرَهُ بِهَا عَلَى وَجْهِ الدِّقَّةِ وَالْإِحَاطَةِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا ، وَقَدْ يَفْهَمُ مِنْهُ الْمُعَبِّرُ الْبَصِيرُ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبَ لِلرَّائِي الْقَاصِّ ، أَوِ الْمَعْنَى الَّذِي تُؤَوِّلُ إِلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، إِذَا كَانَتْ رُؤْيَا حَقٍّ كَمَا يَقَعُ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - قَبْلَ وَحْيِ التَّكْلِيمِ وَمُقَدِّمَاتِهِ ، وَقَدْ فَهِمَ هَذَا
يَعْقُوبُ وَاعْتَقَدَ أَنَّ
يُوسُفَ سَيَكُونُ نَبِيًّا عَظِيمًا ذَا ظُهُورٍ وَسُلْطَانٍ يَسُودُ بِهِ أَهْلَهُ حَتَّى أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَإِخْوَتَهُ ، وَخَافَ أَنْ يَسْمَعَ إِخْوَتُهُ مَا سَمِعَهُ وَيَفْهَمُوا مَا فَهِمَهُ فَيَحْسُدُوهُ وَيَكِيدُوا لِإِهْلَاكِهِ ، فَنَهَاهُ أَنْ يَقُصَّ رُؤْيَاهُ عَلَيْهِمْ ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ : فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا أَيْ : إِنْ تَقْصُصْهَا عَلَيْهِمْ يَحْسُدُوكَ فَيُدَبِّرُوا وَيَحْتَالُوا لِلْإِيقَاعِ بِكَ تَدْبِيرًا شَيْطَانِيًّا يُحَكِّمُونَهُ بِالتَّفْكِيرِ وَالرَّوِيَّةِ ، كَمَا يَفْعَلُ الْأَعْدَاءُ فِي الْمَكَايِدِ الْحَرْبِيَّةِ ، يُقَالُ : كَادَهُ إِذَا وَجَّهَ إِلَيْهِ الْكَيْدَ مُبَاشَرَةً ، وَكَادَ لَهُ إِذَا دَبَّرَ الْكَيْدَ لِأَجْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِمَضَرَّتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ، أَوْ لِمَنْفَعَتِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي تَدْبِيرِ
يُوسُفَ لِإِبْقَاءِ أَخِيهِ بَعْدَهُ : كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ 76 وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28983_28798 ( nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) ظَاهِرُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا ، لَا تَفُوتُهُ فُرْصَةٌ لَهَا فَيُضَيِّعُهَا . هَذَا بَيَانٌ مُسْتَأْنِفٍ لِلسَّبَبِ النَّفْسِيِّ لِهَذَا الْكَيْدِ ، وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ فِي النَّزْغِ بَيْنَ النَّاسِ عِنْدَمَا تَعَرَّضَ لَهُ دَاعِيَةٌ مِنْ هَوَى النَّفْسِ ، وَشَرِّهَا الْحَسَدُ الْغَرِيزِيُّ فِي الْإِنْسَانِ ، كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ
يُوسُفُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَسُوءِ تَأْثِيرِهِ وَحُسْنِ عَاقِبَتِهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ) 100 وَفِي قِصَّتِهِ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّ
يُوسُفَ قَصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ جَمِيعًا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ . وَمَا قَصَّهُ اللَّهُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي رُوِيَ بِالتَّوَاتُرِ الْقَطْعِيِّ ،
[ ص: 211 ] وَسِفْرُ التَّكْوِينِ غَيْرُ مَرْوِيٍّ بِالْأَسَانِيدِ الْمُتَّصِلَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - ، وَلَكِنَّهُ كِتَابٌ قَدِيمُ التَّارِيخِ لَهُ قِيمَةٌ لَا تَعْصِمُهُ مِنَ الْخَطَأِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ) أَيْ وَمِثْلُ ذَلِكَ الشَّأْنِ الرَّفِيعِ وَالْمَجْدِ الْبَدِيعِ الَّذِي تَمَثَّلَ لَكَ فِي رُؤْيَاكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ) ) لِنَفْسِهِ وَيَصْطَفِيكَ عَلَى آلِكَ وَغَيْرِهِمْ فَتَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلَصِينَ ( بِفَتْحِ اللَّامِ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا ) فَالِاجْتِبَاءُ افْتِعَالٌ مِنْ جَبَيْتَ الشَّيْءَ إِذَا خَلَّصْتَهُ لِنَفْسِكَ ، وَالْجِبَايَةُ جَمْعُ الشَّيْءِ النَّافِعِ كَالْمَاءِ فِي الْحَوْضِ وَالْمَالِ لِلسُّلْطَانِ وَلِيِّ الْأَمْرِ ( وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ أَيْ يُعَلِّمُكَ مِنْ عِلْمِهِ اللَّدُنِّيِّ تَأْوِيلَ الرُّؤَى وَتَعْبِيرَهَا ، أَيْ تَفْسِيرَهَا بِالْعِبَارَةِ وَالْإِخْبَارِ بِمَا تَئُولُ إِلَيْهِ فِي الْوُجُودِ ، وَهُوَ تَأْوِيلُهَا كَمَا سَيَأْتِي حِكَايَةً لِقَوْلِ
يُوسُفَ لِأَبِيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ) 12 : 100 أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْكَلَامِ ، وَسُمِّيَتِ الرُّؤَى أَحَادِيثَ بِاعْتِبَارِ حِكَايَتِهَا وَالتَّحْدِيثِ بِهَا ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ : إِنَّ الرُّؤْيَا حَدِيثُ الْمَلَكِ إِنْ كَانَتْ صَادِقَةً ، وَحَدِيثُ الشَّيْطَانِ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُ الْوَاقِعَ فَإِنَّ رُؤْيَا
يُوسُفَ لَيْسَ فِيهَا حَدِيثٌ ، وَكَذَا رُؤْيَا صَاحِبَيْهِ فِي السِّجْنِ وَرُؤْيَا مَلِكِ
مِصْرَ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ رُؤْيَا لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا يُرَى فِي النَّوْمِ ، كَمَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ اسْمٌ لِمَا يُرَى فِي الْيَقَظَةِ ، فَهُمَا كَالْقُرْبَةِ وَالْقُرْبَى وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِلتَّمْيِيزِ ، وَقَدْ يَسْمَعُ رَائِيهَا أَحَادِيثَ رَجُلٍ يُحَدِّثُهُ ، وَلَكِنَّ تَأْوِيلَ رُؤْيَاهُ يَكُونُ لِجُمْلَةِ مَا رَآهُ وَسَمِعَهُ لَا لِمَا سَمِعَهُ فِيهَا فَحَسْبٌ ، كَمَا يَقُصُّهُ بِحَدِيثِهِ عَلَى مَنْ يَعْبُرُهُ لَهُ ، أَيْ يُعَبِّرُ بِهِ مِنْ مَدْلُولِ حَدِيثِهِ اللَّفْظِيِّ إِلَى مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ ، وَقَدْ يَكُونُ قَرِيبًا كَرُؤْيَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ وَرُؤْيَا الْمَلِكِ ، وَقَدْ يَكُونُ بَعِيدًا كَتَأْوِيلِ رُؤْيَا
يُوسُفَ نَفْسَهُ ، وَلَفْظُ الْأَحَادِيثِ اسْمُ جَمْعٍ سَمَاعِيٍّ كَالْأَبَاطِيلِ . وَالرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ ضَرْبٌ مِنْ إِدْرَاكِ نَفْسِ الْإِنْسَانِ أَحْيَانًا لِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُقُوعِهَا بِاسْتِعْدَادِهَا الْفِطْرِيِّ ، إِمَّا بِعَيْنِهَا وَهُوَ قَلِيلٌ ، وَإِمَّا بِمِثَالٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَى التَّأْوِيلِ ، وَسَنُبَيِّنُ
nindex.php?page=treesubj&link=24396_29810_29797الْفَرْقَ بَيْنَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ وَبَيْنَ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ ، وَرَأْيُ عُلَمَاءِ الْإِفْرِنْجِ وَمُقَلِّدِيهِمْ فِيهَا فِي خُلَاصَةِ السُّورَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَتَعْلِيمُ اللَّهِ التَّأْوِيلَ
لِيُوسُفَ إِيتَاؤُهُ إِلْهَامًا وَكَشْفًا لِلْمُرَادِ مِنْهَا أَوْ فِرَاسَةً خَاصَّةً فِيهَا ، أَوْ عِلْمًا أَعَمَّ مِنْهَا ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي لِصَاحِبَيِ السِّجْنِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=37لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ) 37 رُوِيَ عَنِ
ابْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ : تَأْوِيلُ الْعِلْمِ وَالْحُلْمِ وَكَانَ
يُوسُفُ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ ، تَأْوِيلُ أَحَادِيثِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ .
زَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَتَبِعَهُ مُقَلِّدُوهُ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي حُكْمِ التَّشْبِيهِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : وَهُوَ يُعَلِّمُكَ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ، وَبَنَى هَذَا عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ دَلَالَةِ الرُّؤْيَا عَلَى الِاجْتِبَاءِ فَقَطْ ، وَمَا هَذَا الْفَهْمُ إِلَّا مِنْ تَأْثِيرِ قَوَاعِدِ النَّحْوِ ، وَالَّذِي نَجْزِمُ بِهِ أَنَّ
يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ
[ ص: 212 ] السَّلَامُ - فَهِمَ مِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَا فَهْمًا مُجْمَلًا كُلَّ مَا بُشِّرَ بِهِ ابْنُهُ رَائِيهَا ، وَأَمَّا كَيْدُ إِخْوَتِهِ لَهُ إِذَا قَصَّهَا عَلَيْهِمْ فَقَدِ اسْتَنْبَطَهُ اسْتِنْبَاطًا مِنْ طَبْعِ الْإِنْسَانِ ، وَعَدَاوَةَ الشَّيْطَانِ . فَلَمَّا حَذَّرَهُ مِنَ الِاسْتِهْدَافِ لِذَلِكَ بِإِثَارَةِ حَسَدِهِمْ ، قَفَّى عَلَيْهِ بِبِشَارَتِهِ بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا مِنِ اجْتِبَاءِ رَبِّهِ الْخَاصِّ بِهِ ، وَمِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ، وَهُوَ الَّذِي سَيَكُونُ وَسِيلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ إِلَى رَفْعِهِ قَدْرَهُ وَعُلُوِّ مَقَامِهِ ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الِاجْتِبَاءِ مَعَهُ فِي الْبِشَارَةِ .
ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْمُلْكِ وَالرِّيَاسَةِ وَعَلَى
آلِ يَعْقُوبَ وَهُمْ أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ وَذُرِّيَّتُهُمْ ( وَأَصْلُ الْآلِ أَهْلٌ بِدَلِيلِ تَصْغِيرِهِ عَلَى أُهَيْلٍ ، وَهُوَ خَاصٌّ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِمَنْ لَهُمْ شَرَفٌ وَخَطَرٌ فِي النَّاسِ كَآلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِ الْمَلِكِ ، وَيُقَالُ لِغَيْرِهِمْ : أَهْلٌ ) بِإِخْرَاجِهِمْ مِنَ الْبَدْوِ ، وَتَبَوُّئِهِمُ الْمَقَامَ الْكَرِيمَ
بِمِصْرَ ، ثُمَّ بِتَسَلْسُلِ النُّبُوَّةِ فِي أَسْبَاطِهِمْ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ ) أَيْ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْعَهْدِ أَوْ مِنْ قَبْلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ) هَذَا بَيَانٌ لِكَلِمَةِ ( ( أَبَوَيْكَ ) ) وَهُمَا جَدُّهُ وَجَدُّ أَبِيهِ ، وَقِدَمُ الْأَشْرَفِ مِنْهُمَا ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ مَأْلُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ ، وَكَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : يَابْنَ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، بَلْ قَالَهَا هُوَ أَيْضًا . وَهَذَا التَّشْبِيهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ يَعْلَمُهُ يَعْقُوبُ مِنْ وَعْدِ اللَّهِ
لِإِبْرَاهِيمَ بِاصْطِفَاءِ آلِهِ ، وَجَعْلِ النُّبُوَّةِ وَالْكِتَابِ فِي ذُرِّيَّتِهِ ، وَإِنَّمَا عَلِمَ مِنْ رُؤْيَا
يُوسُفَ أَنَّهُ هُوَ حَلْقَةُ السِّلْسِلَةِ النَّبَوِيَّةِ الِاصْطِفَائِيَّةِ بَعْدَهُ مِنْ أَبْنَائِهِ ، فَلِهَذَا عَلَّلَ الْبِشَارَةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) أَيْ عَلِيمٌ بِمَنْ يَصْطَفِيهِ حَكِيمٌ بِاصْطِفَائِهِ ، وَبِإِعْدَادِ الْأَسْبَابِ وَتَسْخِيرِهَا لَهُ ، وَكَانَ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ
يَعْقُوبَ بِمَا بَشَّرَ اللَّهُ بِهِ أَبَوَيْهِ لَهُمَا وَلِذَرِّيَّتِهِمَا ، وَبِدَلَالَةِ رُؤْيَا
يُوسُفَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ حَلْقَةُ السِّلْسِلَةِ الذَّهَبِيَّةِ لَهُمْ ، هُوَ السَّبَبُ كَمَا قُلْنَا لِزِيَادَةِ حُبِّهِ لَهُ وَعَطْفِهِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهِ ، الَّذِي هَاجَ مَا كَانَ يَحْذَرُهُ إِخْوَتُهُ وَكَيْدُهُمْ لَهُ ، وَلِكَوْنِهِ لَمْ يُصَدِّقْ مَا زَعَمُوهُ مِنْ أَكْلِ الذِّئْبِ لَهُ ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ أَمَلُهُ مِنْهُ ، بَلْ لَمْ يَنْقُصْ إِيمَانُهُ بِمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُ وَلَهُمْ بِهِ ، وَلَكِنَّ عِلْمَهُ بِذَلِكَ كَانَ إِجْمَالِيًّا لَا تَفْصِيلِيًّا ، وَقَدْ جَاءَتْ قِصَّتُهُ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا مُفَصِّلَةٌ لِهَذَا الْإِجْمَالِ ، تَفْصِيلًا هُوَ مِنْ أَبْدَعِ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ ، وَزَادَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي التَّشْبِيهِ إِنْجَاءُ
إِبْرَاهِيمَ مِنَ النَّارِ وَإِنْجَاءُ
إِسْحَاقَ مِنَ الذَّبْحِ ، وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الذَّبِيحَ
إِسْمَاعِيلُ لَا
إِسْحَاقُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - بَعْدَ قِصَّتِهِ مِنْ سُورَةِ الصَّافَّاتِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=112وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ ) 37 : 112 وَكَوْنُ الْقِصَّةِ كَانَتْ فِي
الْحِجَازِ وَهِيَ الْأَصْلُ فِي أَضَاحِي مِنًى هُنَاكَ ، وَإِنَّمَا الَّذِي نَشَأَ فِي الْحِجَازِ
إِسْمَاعِيلُ لَا
إِسْحَاقُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ .