(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28983_31895_28901فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=16وجاءوا أباهم عشاء يبكون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17قالوا ياأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) .
هذه الآيات الأربع في بيان ما نفذوا به عزمهم بالفعل ، وما اعتذروا به لأبيهم من كذب ، وما قابلهم من تكذيب وصبر ، واستعانة بالله عز وجل ، قال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15فلما ذهبوا به ) في الغد من ليلتهم التي استنزلوا فيها أباه عن إمساكه عنده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب ) أي أزمعوه وعزموا عليه عزما إجماعيا لا تردد فيه بعد ما كان من اختلافهم قبل في قتله أو تغريبه ، وجواب ( لما ) محذوف للعلم به مما قبله ومما بعده ، وتقديره : نفذوه بأن ألقوه في غيابة ذلك الجب بالفعل وأوحينا إليه عند إلقائه فيه وحيا إلهاميا علم أنه منا ، مضمونه : وربك لتنبئنهم بأمرهم هذا معك ، إذ يظهرك الله عليهم
[ ص: 220 ] ويذلهم لك ويجعل رؤياك حقا وهم لا يشعرون يومئذ بما آتاك الله ، أو الآن بما يؤتيك في عاقبة هذه الفعلة التي فعلوها بك ، أو بهذا الوحي في الجب وهو المرتبة الأولى من مراتب التكليم الإلهي للأنبياء بعد التمهيد له بالرؤيا الصادقة . وقد هون الله - تعالى - على
يوسف مصيبته به فعلم أنها مصيبة في الظاهر نعمة في الباطن ، وقد نقلوا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أن إخوة
يوسف طغوا في القسوة عليه والتنكيل به ، فقالوا وفعلوا ما لا يصدر مثله إلا عن رعاع الناس وأراذل المجرمين الظالمين ، وما هي إلا الإسرائيليات المنفرة من الإسلام والمسلمين .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=16nindex.php?page=treesubj&link=31895_28983_28901_31896وجاءوا أباهم عشاء يبكون أي جاءوه في وقت العشاء إذ خالط سواد الليل بقية بياض النهار فمحاه ، حال كونهم يبكون ليقنعوه بما يبغون وقد بينه - تعالى - بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق ) أي ذهبنا من مكان اجتماعنا إلى السباق يتكلف كل منا أن يسبق غيره ، فالاستباق تكلف السبق وهو الغرض من المسابقة ، والتسابق بصيغتي المشاركة التي يقصد بها الغلب ، وقد يقصد لذاته أو لغرض آخر في السبق . ومنه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148فاستبقوا الخيرات ) فهذا يقصد به السبق لذاته لا للغلب ، وقوله الآتي في هذه السورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=25واستبقا الباب ) 25 كان يقصد به
يوسف الخروج من الدار هربا من حيث تقصد امرأة العزيز باتباعه إرجاعه ، وصيغة المشاركة لا تؤدي هذا المعنى . ولم يفطن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري - علامة اللغة - ومن تبعه لهذا الفرق الدقيق .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وتركنا يوسف عند متاعنا ) من فضل الثياب وماعون الطعام والشراب مثلا يحفظه ، إذ لا يستطيع مجاراتنا في استباقنا الذي ترهق به قوانا (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17فأكله الذئب ) إذ أوغلنا في البعد عنه فلم نسمع صراخه واستغاثته (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وما أنت بمؤمن لنا ) أي بمصدق لنا في قولنا هذا ، لاتهامك إيانا بكراهة
يوسف وحسدنا له على تفضيلك إياه علينا في الحب والعطف ولو كنا صادقين في الأمر الواقع أو نفس الأمر ، أو ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا في هذا الخبر لشدة وجدك
بيوسف .
nindex.php?page=treesubj&link=28983_31895_31896 ( nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وجاءوا على قميصه بدم كذب ) المراد من هذه الجملة الفذة في بلاغتها ، أنهم جاءوا بقميصه ملطخا ظاهره بدم غير دم
يوسف ، يدعون أنه دمه ليشهد لهم بصدقهم فكان دليلا على كذبهم ، فنكر الدم ووصفه باسم الكذب مبالغة في ظهور كذبهم في دعوى أنه دمه حتى كأنه هو الكذب بعينه ، فالعرب تضع المصدر موضع الصفة للمبالغة كما يقولون : شاهد عدل ، ومنه ، فهن به جود وأنتم به بخل ، وقال : ( على قميصه ) ليصور للقارئ والسامع أنه موضوع على ظاهره وضعا متكلفا ، ولو كان من أثر افتراس الذئب له لكان القميص ممزقا والدم متغلغلا في كل قطعة منه ، ولهذا كله لم يصدقهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا ) هذا إضراب عن تكذيب صريح تقديره : إن الذئب لم يأكله ، بل سولت لكم أنفسكم
[ ص: 221 ] الأمارة بالسوء أمرا إمرا ، وكيدا نكرا ، وزينته في قلوبكم فطوعته لكم حتى اقترفتموه ، أي هذا أمركم . وأما أمري معكم ومع ربي (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18فصبر جميل ) أو فصبري صبر جميل لا يشوه جماله جزع اليائسين من روح الله ، القانطين من رحمة الله ، ولا الشكوى إلى غير الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18والله المستعان على ما تصفون ) من هذه المصيبة ، لا أستعين على احتمالها غيره أحدا منكم ولا من غيركم .
هذا هو الفصل الأول من قصة
يوسف ، وهو صفوة الحق من أحسن القصص بما فيه من الدقة والعبرة ، وقد شوهه رواة الأساطير والمفتريات الإسرائيلية بما ظنوا أنه من أخبار التوراة وما هو منها ، ومن شاء فليقرأ هذا الفصل من قصة
يوسف في سفر التكوين ليرى الفرق البعيد بين كلام الله وكلام البشر ، وليعلم المغرور بما نقله المفسرون من الإسرائيليات فيها
nindex.php?page=showalam&ids=14468كالسدي الكبير الذي هو أقل كذبا وأكثر إتقانا لأساطيره من
السدي الصغير ، أن كل ما فيها من الزيادة لا أصل له عند أهل الكتاب ، ولا هو مروي عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - فهو كذب صراح .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28983_31895_28901فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=16وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) .
هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ فِي بَيَانِ مَا نَفَّذُوا بِهِ عَزْمَهُمْ بِالْفِعْلِ ، وَمَا اعْتَذَرُوا بِهِ لِأَبِيهِمْ مِنْ كَذِبٍ ، وَمَا قَابَلَهُمْ مِنْ تَكْذِيبٍ وَصَبْرٍ ، وَاسْتِعَانَةٍ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ ) فِي الْغَدِ مِنْ لَيْلَتِهِمُ الَّتِي اسْتَنْزَلُوا فِيهَا أَبَاهُ عَنْ إِمْسَاكِهِ عِنْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ) أَيْ أَزْمَعُوهُ وَعَزَمُوا عَلَيْهِ عَزْمًا إِجْمَاعِيًّا لَا تَرَدُّدَ فِيهِ بَعْدَ مَا كَانَ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ قَبْلُ فِي قَتْلِهِ أَوْ تَغْرِيبِهِ ، وَجَوَابُ ( لَمَّا ) مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَمِمَّا بَعْدَهُ ، وَتَقْدِيرُهُ : نَفَّذُوهُ بِأَنْ أَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ ذَلِكَ الْجُبِّ بِالْفِعْلِ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ عِنْدَ إِلْقَائِهِ فِيهِ وَحْيًا إِلْهَامِيًّا عَلِمَ أَنَّهُ مِنَّا ، مَضْمُونُهُ : وَرَبِّكَ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا مَعَكَ ، إِذْ يُظْهِرُكَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
[ ص: 220 ] وَيُذِلُّهُمْ لَكَ وَيَجْعَلُ رُؤْيَاكَ حَقًّا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ يَوْمَئِذٍ بِمَا آتَاكَ اللَّهُ ، أَوِ الْآنَ بِمَا يُؤْتِيكَ فِي عَاقِبَةِ هَذِهِ الْفِعْلَةِ الَّتِي فَعَلُوهَا بِكَ ، أَوْ بِهَذَا الْوَحْيِ فِي الْجُبِّ وَهُوَ الْمَرْتَبَةُ الْأَوْلَى مِنْ مَرَاتِبِ التَّكْلِيمِ الْإِلَهِيِّ لِلْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ التَّمْهِيدِ لَهُ بِالرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ . وَقَدْ هَوَّنَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى
يُوسُفَ مُصِيبَتَهُ بِهِ فَعَلِمَ أَنَّهَا مُصِيبَةٌ فِي الظَّاهِرِ نِعْمَةٌ فِي الْبَاطِنِ ، وَقَدْ نَقَلُوا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ أَنَّ إِخْوَةَ
يُوسُفَ طَغَوْا فِي الْقَسْوَةِ عَلَيْهِ وَالتَّنْكِيلِ بِهِ ، فَقَالُوا وَفَعَلُوا مَا لَا يَصْدُرُ مِثْلُهُ إِلَّا عَنْ رِعَاعِ النَّاسِ وَأَرَاذِلِ الْمُجْرِمِينَ الظَّالِمِينَ ، وَمَا هِيَ إِلَّا الْإِسْرَائِيلِيَّاتُ الْمُنَفِّرَةُ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=16nindex.php?page=treesubj&link=31895_28983_28901_31896وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ أَيْ جَاءُوهُ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ إِذْ خَالَطَ سَوَادُ اللَّيْلِ بَقِيَّةَ بَيَاضِ النَّهَارِ فَمَحَاهُ ، حَالَ كَوْنِهِمْ يَبْكُونَ لِيُقْنِعُوهُ بِمَا يَبْغُونَ وَقَدْ بَيَّنَهُ - تَعَالَى - بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ) أَيْ ذَهَبْنَا مِنْ مَكَانِ اجْتِمَاعِنَا إِلَى السِّبَاقِ يَتَكَلَّفُ كُلٌّ مِنَّا أَنْ يَسْبِقَ غَيْرَهُ ، فَالِاسْتِبَاقُ تَكَلُّفُ السَّبْقِ وَهُوَ الْغَرَضُ مِنَ الْمُسَابَقَة ، وَالتَّسَابُقُ بِصِيغَتَيِ الْمُشَارَكَةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْغَلَبُ ، وَقَدْ يُقْصَدُ لِذَاتِهِ أَوَ لِغَرَضٍ آخَرَ فِي السَّبْقِ . وَمِنْهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) فَهَذَا يُقْصَدُ بِهِ السَّبْقُ لِذَاتِهِ لَا لِلْغَلَبِ ، وَقَوْلُهُ الْآتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=25وَاسْتَبَقَا الْبَابَ ) 25 كَانَ يَقْصِدُ بِهِ
يُوسُفُ الْخُرُوجَ مِنَ الدَّارِ هَرَبًا مِنْ حَيْثُ تَقْصِدُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ بِاتِّبَاعِهِ إِرْجَاعَهُ ، وَصِيغَةُ الْمُشَارَكَةِ لَا تُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى . وَلَمْ يَفْطَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ - عَلَّامَةُ اللُّغَةِ - وَمَنْ تَبِعَهُ لِهَذَا الْفَرْقِ الدَّقِيقِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا ) مِنْ فَضْلِ الثِّيَابِ وَمَاعُونِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَثَلًا يَحْفَظُهُ ، إِذْ لَا يَسْتَطِيعُ مُجَارَاتَنَا فِي اسْتِبَاقِنَا الَّذِي تُرْهَقُ بِهِ قُوَانَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ) إِذْ أَوْغَلْنَا فِي الْبُعْدِ عَنْهُ فَلَمْ نَسْمَعْ صُرَاخَهُ وَاسْتِغَاثَتَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ) أَيْ بِمُصَدِّقٍ لَنَا فِي قَوْلِنَا هَذَا ، لِاتِّهَامِكَ إِيَّانَا بِكَرَاهَةِ
يُوسُفَ وَحَسَدِنَا لَهُ عَلَى تَفْضِيلِكَ إِيَّاهُ عَلَيْنَا فِي الْحُبِّ وَالْعَطْفِ وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ فِي الْأَمْرِ الْوَاقِعِ أَوْ نَفْسِ الْأَمْرِ ، أَوْ وَلَوْ كُنَّا عِنْدَكَ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالصِّدْقِ مَا صَدَّقْتَنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ لِشِدَّةِ وَجْدِكَ
بِيُوسُفَ .
nindex.php?page=treesubj&link=28983_31895_31896 ( nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ) الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْفَذَّةِ فِي بَلَاغَتِهَا ، أَنَّهُمْ جَاءُوا بِقَمِيصِهِ مُلَطَّخًا ظَاهِرُهُ بِدَمٍ غَيْرِ دَمِ
يُوسُفَ ، يَدَّعُونَ أَنَّهُ دَمُهُ لِيَشْهَدَ لَهُمْ بِصِدْقِهِمْ فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى كَذِبِهِمْ ، فَنَكَّرَ الدَّمَ وَوَصَفَهُ بِاسْمِ الْكَذِبِ مُبَالَغَةً فِي ظُهُورِ كَذِبِهِمْ فِي دَعْوَى أَنَّهُ دَمُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ الْكَذِبُ بِعَيْنِهِ ، فَالْعَرَبُ تَضَعُ الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الصِّفَةِ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا يَقُولُونَ : شَاهِدٌ عَدْلٌ ، وَمِنْهُ ، فَهُنَّ بِهِ جُودٌ وَأَنْتُمْ بِهِ بُخْلٌ ، وَقَالَ : ( عَلَى قَمِيصِهِ ) لِيُصَوِّرَ لِلْقَارِئِ وَالسَّامِعِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَضْعًا مُتَكَلَّفًا ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَثَرِ افْتِرَاسِ الذِّئْبِ لَهُ لَكَانَ الْقَمِيصُ مُمَزَّقًا وَالدَّمُ مُتَغَلْغِلًا فِي كُلِّ قِطْعَةٍ مِنْهُ ، وَلِهَذَا كُلِّهِ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ) هَذَا إِضْرَابٌ عَنْ تَكْذِيبٍ صَرِيحٍ تَقْدِيرُهُ : إِنَّ الذِّئْبَ لَمْ يَأْكُلْهُ ، بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ
[ ص: 221 ] الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ أَمْرًا إِمْرًا ، وَكَيْدًا نُكْرًا ، وَزَيَّنَتْهُ فِي قُلُوبِكُمْ فَطَوَّعَتْهُ لَكُمْ حَتَّى اقْتَرَفْتُمُوهُ ، أَيْ هَذَا أَمْرُكُمْ . وَأَمَّا أَمْرِي مَعَكُمْ وَمَعَ رَبِّي (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ) أَوْ فَصَبْرِي صَبْرٌ جَمِيلٌ لَا يُشَوِّهُ جَمَالَهُ جَزَعُ الْيَائِسِينَ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ، الْقَانِطِينَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَلَا الشَّكْوَى إِلَى غَيْرِ اللَّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) مِنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ ، لَا أَسْتَعِينُ عَلَى احْتِمَالِهَا غَيْرَهُ أَحَدًا مِنْكُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِكُمْ .
هَذَا هُوَ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ مِنْ قِصَّةِ
يُوسُفَ ، وَهُوَ صَفْوَةُ الْحَقِّ مِنْ أَحْسَنِ الْقَصَصِ بِمَا فِيهِ مِنَ الدِّقَّةِ وَالْعِبْرَةِ ، وَقَدْ شَوَّهَهُ رُوَاةُ الْأَسَاطِيرِ وَالْمُفْتَرِيَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ بِمَا ظَنُّوا أَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ التَّوْرَاةِ وَمَا هُوَ مِنْهَا ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْرَأْ هَذَا الْفَصْلَ مِنْ قِصَّةِ
يُوسُفَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ لِيَرَى الْفَرْقَ الْبَعِيدَ بَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ الْبَشَرِ ، وَلِيَعْلَمَ الْمَغْرُورُ بِمَا نَقَلَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ فِيهَا
nindex.php?page=showalam&ids=14468كَالسُّدِّيِّ الْكَبِيرِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ كَذِبًا وَأَكْثَرُ إِتْقَانًا لِأَسَاطِيرِهِ مِنَ
السُّدِّيِّ الصَّغِيرِ ، أَنَّ كُلَّ مَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ لَا أَصْلَ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَلَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَذِبٌ صُرَاحٌ .