[ ص: 261 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43nindex.php?page=treesubj&link=28983_31901وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=44قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلوني nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=48ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) .
nindex.php?page=treesubj&link=31895_31901رؤيا ملك مصر وتأويل يوسف لها بالقول والفعل :
كان ملك
مصر في عهد
يوسف من ملوك العرب المعروفين بالرعاة (
الهكسوس ) كما يأتي في التفسير الإجمالي ، وقد رأى رؤيا عجز رجال دولته من الوزراء والكهنة والعلماء عن تأويلها ، فكان عجزهم سببا للجوء إلى
يوسف - عليه السلام - واتصاله بالملك وتوليه منصب الوزير المفوض عنده ، كما بين في الآيات مبدأ وغاية . قال - تعالى - :
( وقال الملك ) هذا السياق عطف على سياق ( ( صاحبي السجن ) ) وما قالاه في قص رؤاهما على
يوسف : ( إني أرى ) أي رأيت فيما يرى النائم رؤيا جلية ماثلة أمامي كأني أراها
[ ص: 262 ] الآن (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43سبع بقرات سمان ) جمع سمينة وكذا سمين كما يقال : رجال ونساء كرام وحسان (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43يأكلهن سبع عجاف ) أي سبع بقرات مهازيل في غاية الضعف والهزال ، وهو جمع عجفاء سماعا لا قياسا فإن جمع أفعل وفعلاء وزان فعل بالضم كحمر وخضر ، وحسنه هنا مناسبته لـ ( ( سمان ) ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43وسبع سنبلات خضر ) عطف على (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43سبع بقرات ) وهي جمع سنبلة كقنفدة : ما يخرجه الزرع كالقمح والشعير فيكون فيه الحب (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43وأخر يابسات ) عطف على ما قبله واليابس من السنبل ما آن حصاده ، واستغنى عن إعادة ( ( سبع ) ) هنا بدلالة مقابله في البقرات عليه يا أيها الملأ يخاطب رجال دولته وأشراف قومه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43أفتوني في رؤياي ) ما معناها وما تدل عليه فيكون مآلا لها (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43إن كنتم للرؤيا تعبرون ) أي تعبرونها ببيان المعنى الحقيقي المراد من المعنى الخيالي ، كمن يعبر النهر بالانتقال من ضفة إلى أخرى ، فاللام فيها للبيان والتقوية ، فعبرها وعبورها بمعنى . . . تأويلها ، وهو الإخبار بمآلها الذي يقع بعد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=44قالوا أضغاث أحلام ) أي هي ، أو هذه الرؤيا من جنس أضغاث الأحلام ، أي الأحلام المختلطة من الخواطر والأخيلة التي يتصورها الدماغ في النوم فلا ترمي إلى معنى مقصود ، وأصل الأضغاث جمع ضغث بالكسر وهو الحزمة من النبات أو العيدان ، والأحلام جمع حلم بضمتين ويسكن للتخفيف وهو ما يرى في النوم . يقال : حلم كنصر واحتلم ، ومنه بلوغ الحلم ، والحلم قد يكون واضح المعنى كالأفكار التي تكون في اليقظة ، وقد يكون - وهو الأكثر - مشوشا مضطربا لا يفهم له معنى وهو الذي يشبه بالتضاغيث ، كأنه مؤلف من حزم مختلفة من العيدان والحشائش التي لا تناسب بينها ، وهو ما تبادر إلى أفهامهم من نوعي البقر والسنابل (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=44وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين يحتمل قولهم هذا أنهم ليسوا بأولي علم بتأويل هذه الأحلام المختلطة المضطربة ، وإنما يعلمون تأويل غيرها من المنامات المعقولة المفهومة ، ويحتمل نفي العلم بجنس الأحلام لأنها مما لا يعلم ، أو مما لا يكون له معنى بعيد تدل عليه الصور المتخيلة في النوم تنتهي إليه ، كما ينكر أهل العلم المادي الآن أن يكون لشيء من هذه الرؤى والأحلام تأويل صحيح ، ولكن قدماء المصريين كانوا يعنون بها . وسنبين الحق في ذلك في الخلاصة الكلية لتفسير السورة كما تقدم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45وقال الذي نجا منهما ) أي من صاحبي السجن ، وهو الساقي أحد أركان القصة (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45وادكر بعد أمة ) أي والحال أنه تذكر بعد طائفة طويلة من الزمن وصية
يوسف إياه بأن يذكره عند سيده الملك ، فأنساه الشيطان ذلك ( وأصل ادكر اذتكر ) افتعال من الذكر أبدلت تاؤه دالا مهملة لقرب مخرجهما وأدغمت فيها الذال المعجمة ، وهو الفصيح ، وقرئ في الشواذ بالذال المعجمة وهي لغة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45أنا أنبئكم بتأويله ) أي أخبركم به أو بمن عنده علم تأويله فأرسلون إليه أو إلى السجن فهو فيه ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن السجن كان خارج
[ ص: 263 ] البلد . وفي خطط
المقريزي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15007القضاعي سجن
يوسف ببوصير من عمل
الجيزة ، أجمع أهل المعرفة من أهل
مصر على صحة هذا المكان ، وفيه أثر نبيين : أحدهما
يوسف سجن فيه المدة التي ذكر أن مبلغها سبع سنين ، والآخر
موسى ، وقد بني على أثره مسجد يعرف بمسجد
موسى إلخ . وأمثال هذه الأخبار لا يوثق بها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يوسف أيها الصديق ) أي قال فأرسلوني إليه فأرسلوه إليه ، فجاءه فاستفتاه فيما عجز عنه الملأ من تأويل رؤيا الملك ، مناديا له باسمه وما ثبت عنده من لقبه الصديق وهو الذي بلغ غاية الكمال بالصدق في الأقوال والأفعال وتأويل الأحاديث وتعبير الأحلام ، شارحا له رؤيا الملك بنصها - وهو بسط في محله بعد إيجاز في محله - قائلا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ) وعلل هذا الاستفتاء بما يرجو أن يحقق
ليوسف أمله بالخروج من السجن وانتفاع الملك وملئه بعلمه فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46لعلي أرجع إلى الناس ) أولي الأمر ، وأهل الحل والعقد ، بما تلقيه إلي من التأويل والرأي لعلهم يعلمون مكانتك من العلم فينتفعون به ، أو يعلمون ما جهلوا من تأويل رؤيا الملك وما يجب أن يعلموا بعد العلم به ، فلعل الأولى تعليل لرجوعه إليهم بإفتائه ، ولعل الثانية تعليل لما يرجوه من علمهم بها ، والرجاء توقع خير بوقوع أسبابه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47قال تزرعون سبع سنين دأبا ) أي قال
يوسف مبينا للملأ ما يجب عليهم عمله ، لتلافي ما تدل عليه هذه الرؤيا من الخطر على البلاد والعباد ، قبل وقوع تأويلها الذي بينه في سياق هذا التدبير العملي ، وهذا ضرب من بلاغة الأسلوب والإيجاز ، ولا تجد له ضريبا في غير القرآن ، خاطب أولي الأمر بما لقنه للساقي خطاب الآمر للمأمور الحاضر ، فأوجب عليهم الشروع في زراعة القمح دائبين عليه دأبا مستمرا ، كما قال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=33وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ) 14 : 33 سبع سنين بلا انقطاع . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : تزرعون خبر في معنى الأمر ، كقوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون ) 61 : 11 وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إيجاد المأمور به ، فيجعل كأنه يوجد فهو يخبر عنه .
والدليل على كونه في معنى الأمر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47فما حصدتم فذروه في سنبله ) أي فكل ما حصدتم منه في كل زرعة فاتركوه - أي ادخروه - في سنبله بطريقة تحفظه من السوس بعدم سريان الرطوبة إليه : الحب لغذاء الناس والتبن لغذاء البهائم والدواب (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47إلا قليلا مما تأكلون ) في كل سنة من هذه السنين ، مع مراعاة القصد والاكتفاء بما يسد حاجة الجوع ، فإن الناس يقنعون في سني الخصب والرخاء بالقليل ، فهذه السنين السبع تأويل للبقرات السبع السمان ، والسنبلات السبع الخضر على ظاهرها في كون كل سنبلة تأويلا لزرع سنة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=48ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد ) أي سبع سنين شداد في محلهن وجلبهن
[ ص: 264 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=48يأكلن ما قدمتم لهن ) أي يأكل أهلهن كل ما قدمتم لهم ، وهو من إسنادهم إلى الزمان والدهر ما يقع فيه ، ويكثر إسناد العسر والجوع إلى سني الجدب ، يقال : أكلت لنا هذه السنة كل شيء ولم تبق لنا خفيا ولا حافرا ، ولا سبدا ولا لبدا ، أي لا شعرا ولا صوفا . وهذا تأويل للبقرات السبع العجاف وأكلهن للسبع السمان ، وللسنبلات اليابسات (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=48إلا قليلا مما تحصنون ) أي تحرزون وتدخرون للبذر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=49ثم يأتي من بعد ذلك ) الذي ذكر وهو السبع الشداد (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=49عام فيه يغاث الناس ) أي فيه يغيثهم الله - تعالى - من الشدة أتم الإغاثة وأوسعها ، وهي تشمل جميع أنواع المعونة بعد الشدة ، يقال : غاثه يغوثه وغواثا ( بالفتح ) وأغاثه إغاثة إذا أعانه ونجاه ، وغوث الرجل ، قال : ( واغوثاه ) واستغاث ربه استنصره وسأله الغوث ، ويجوز أن يكون من الغيث وهو المطر ، إذ يقال : غاث الله البلاد غيثا إذا أنزل فيها المطر ، والأول أعم وهو المتبادر هنا ، ولا يقال إن الثاني لا يصح ، لأن خصب
مصر يكون بفيضان النيل لا بالمطر ، فإن فيضانه لا يكون إلا من المطر الذي يمده في مجاريه من بلاد
السودان ، فاعتراض بعض المستشرقين من الإفرنج وزعمه أن الكلمة من الغيث وأنها غير جائزة ، جهل زينه لهم الشيطان تلذذا بالاعتراض على لغة القرآن ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=49وفيه يعصرون ) ما شأنه أن يعصر من الأدهان التي يأتدمون بها ويستصبحون كالزيت من الزيتون والقرطم وغيره ، والشيرج من السمسم وغير ذلك ، والأشربة من القصب والنخيل والعنب . والمراد : أن هذا العام عظيم الخصب والإقبال ، ويكون للناس فيه كل ما يبغون من النعمة والإتراف ، والإنباء بهذا زائد على تأويل الرؤيا لجواز أن يكون العام الأول بعد سني الشدة والجدب دون ذلك ، فهذا التخصيص والتفصيل لم يعرفه
يوسف إلا بوحي من الله - عز وجل - لا مقابل له في رؤيا الملك ولا هو لازم من لوازم تأويلها بهذا التفصيل ، وقرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( ( تعصرون ) ) بالخطاب كـ ( ( تزرعون ) ) و ( ( تحصنون ) ) . وقراءة الجمهور عطف على (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=49يغاث الناس ) وفائدة القرائتين : بيان المنة على الفريقين من غائب محكي عنه ، وحاضر مخاطب بما يكون منه .
[ ص: 261 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43nindex.php?page=treesubj&link=28983_31901وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=44قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=48ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ) .
nindex.php?page=treesubj&link=31895_31901رُؤْيَا مَلِكِ مِصْرَ وَتَأْوِيلِ يُوسُفَ لَهَا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ :
كَانَ مَلِكُ
مِصْرَ فِي عَهْدِ
يُوسُفَ مِنْ مُلُوكِ الْعَرَبِ الْمَعْرُوفِينَ بِالرُّعَاةِ (
الْهِكْسُوسِ ) كَمَا يَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ الْإِجْمَالِيِّ ، وَقَدْ رَأَى رُؤْيَا عَجَزَ رِجَالُ دَوْلَتِهِ مِنَ الْوُزَرَاءِ وَالْكَهَنَةِ وَالْعُلَمَاءِ عَنْ تَأْوِيلِهَا ، فَكَانَ عَجْزُهُمْ سَبَبًا لِلُّجُوءِ إِلَى
يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاتِّصَالِهِ بِالْمَلِكِ وَتَوَلِّيهِ مَنْصِبَ الْوَزِيرِ الْمُفَوَّضِ عِنْدَهُ ، كَمَا بُيِّنَ فِي الْآيَاتِ مَبْدَأً وَغَايَةً . قَالَ - تَعَالَى - :
( وَقَالَ الْمَلِكُ ) هَذَا السِّيَاقُ عَطْفٌ عَلَى سِيَاقِ ( ( صَاحِبَيِ السِّجْنِ ) ) وَمَا قَالَاهُ فِي قَصِّ رُؤَاهُمَا عَلَى
يُوسُفَ : ( إِنِّي أَرَى ) أَيْ رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ رُؤْيَا جَلِيَّةً مَاثِلَةً أَمَامِي كَأَنِّي أَرَاهَا
[ ص: 262 ] الْآنَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ) جَمْعُ سَمِينَةٍ وَكَذَا سَمِينٌ كَمَا يُقَالُ : رِجَالٌ وَنِسَاءٌ كِرَامٌ وَحِسَانٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ) أَيْ سَبْعُ بَقَرَاتٍ مَهَازِيلَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالْهُزَالِ ، وَهُوَ جَمْعُ عَجْفَاءَ سَمَاعًا لَا قِيَاسًا فَإِنَّ جَمْعَ أَفْعَلِ وَفَعْلَاءِ وِزَانُ فُعْلِ بِالضَّمِّ كَحُمْرِ وَخُضْرِ ، وَحُسْنُهُ هُنَا مُنَاسَبَتُهُ لِـ ( ( سِمَانٍ ) ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ ) عَطْفٌ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43سَبْعَ بَقَرَاتٍ ) وَهِيَ جَمْعُ سُنْبُلَةٍ كَقُنْفُدَةٍ : مَا يُخْرِجُهُ الزَّرْعُ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فَيَكُونُ فِيهِ الْحَبُّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ) عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَالْيَابِسُ مِنَ السُّنْبُلِ مَا آنَ حَصَادُهُ ، وَاسْتَغْنَى عَنْ إِعَادَةِ ( ( سَبْعِ ) ) هُنَا بِدَلَالَةِ مُقَابِلِهِ فِي الْبَقَرَاتِ عَلَيْهِ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ يُخَاطِبُ رِجَالَ دَوْلَتِهِ وَأَشْرَافَ قَوْمِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ ) مَا مَعْنَاهَا وَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَآلًا لَهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=43إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) أَيْ تَعْبُرُونَهَا بِبَيَانِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الْمُرَادِ مِنَ الْمَعْنَى الْخَيَالِيِّ ، كَمَنْ يَعْبُرُ النَّهْرَ بِالِانْتِقَالِ مِنْ ضَفَّةٍ إِلَى أُخْرَى ، فَاللَّامُ فِيهَا لِلْبَيَانِ وَالتَّقْوِيَةِ ، فَعَبْرُهَا وَعُبُورُهَا بِمَعْنَى . . . تَأْوِيلِهَا ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِمَآلِهَا الَّذِي يَقَعُ بَعْدُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=44قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ) أَيْ هِيَ ، أَوْ هَذِهِ الرُّؤْيَا مِنْ جِنْسِ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ ، أَيِ الْأَحْلَامِ الْمُخْتَلَطَةِ مِنَ الْخَوَاطِرِ وَالْأَخْيِلَةِ الَّتِي يَتَصَوَّرُهَا الدِّمَاغُ فِي النَّوْمِ فَلَا تَرْمِي إِلَى مَعْنًى مَقْصُودٍ ، وَأَصْلُ الْأَضْغَاثِ جَمْعُ ضِغْثٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْحُزْمَةُ مِنَ النَّبَاتِ أَوِ الْعِيدَانِ ، وَالْأَحْلَامُ جَمْعُ حُلُمٍ بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ وَهُوَ مَا يُرَى فِي النَّوْمِ . يُقَالُ : حَلَمَ كَنَصَرَ وَاحْتَلَمَ ، وَمِنْهُ بُلُوغُ الْحُلُمِ ، وَالْحُلُمُ قَدْ يَكُونُ وَاضِحَ الْمَعْنَى كَالْأَفْكَارِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْيَقَظَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ - وَهُوَ الْأَكْثَرُ - مُشَوَّشًا مُضْطَرِبًا لَا يُفْهَمُ لَهُ مَعْنًى وَهُوَ الَّذِي يُشَبَّهُ بِالتَّضَاغِيثِ ، كَأَنَّهُ مُؤَلَّفٌ مِنْ حُزَمٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الْعِيدَانِ وَالْحَشَائِشِ الَّتِي لَا تَنَاسُبَ بَيْنَهَا ، وَهُوَ مَا تَبَادَرَ إِلَى أَفْهَامِهِمْ مِنْ نَوْعَيِ الْبَقَرِ وَالسَّنَابِلِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=44وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُمْ هَذَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأُولِي عِلْمٍ بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَحْلَامِ الْمُخْتَلِطَةِ الْمُضْطَرِبَةِ ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ غَيْرِهَا مِنَ الْمَنَامَاتِ الْمَعْقُولَةِ الْمَفْهُومَةِ ، وَيُحْتَمَلُ نَفْيُ الْعِلْمِ بِجِنْسِ الْأَحْلَامِ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا يُعْلَمُ ، أَوْ مِمَّا لَا يَكُونُ لَهُ مَعْنًى بَعِيدٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ الصُّوَرُ الْمُتَخَيَّلَةُ فِي النَّوْمِ تَنْتَهِي إِلَيْهِ ، كَمَا يُنْكِرُ أَهْلُ الْعِلْمِ الْمَادِّيِّ الْآنَ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الرُّؤَى وَالْأَحْلَامِ تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ ، وَلَكِنَّ قُدَمَاءَ الْمِصْرِيِّينَ كَانُوا يَعْنُونَ بِهَا . وَسَنُبَيِّنُ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ الْكُلِّيَّةِ لِتَفْسِيرِ السُّورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ صَاحِبَيِ السِّجْنِ ، وَهُوَ السَّاقِي أَحَدُ أَرْكَانِ الْقِصَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ تَذَكَّرَ بَعْدَ طَائِفَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ الزَّمَنِ وَصِيَّةَ
يُوسُفَ إِيَّاهُ بِأَنْ يَذْكُرَهُ عِنْدَ سَيِّدِهِ الْمَلِكِ ، فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ ( وَأَصْلُ ادَّكَرَ اذْتَكَرَ ) افْتِعَالٌ مِنَ الذِّكْرِ أُبْدِلَتْ تَاؤُهُ دَالًا مُهْمَلَةً لِقُرْبِ مَخْرَجِهِمَا وَأُدْغِمَتْ فِيهَا الذَّالُ الْمُعْجَمَةُ ، وَهُوَ الْفَصِيحُ ، وَقُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ لُغَةٌ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ ) أَيْ أُخْبِرُكُمْ بِهِ أَوْ بِمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ تَأْوِيلِهِ فَأَرْسَلُونِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى السِّجْنِ فَهُوَ فِيهِ ، وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السِّجْنَ كَانَ خَارِجَ
[ ص: 263 ] الْبَلَدِ . وَفِي خُطَطِ
الْمَقْرِيزِيِّ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15007الْقُضَاعِيُّ سِجْنُ
يُوسُفَ بِبُوصِيرَ مِنْ عَمَلِ
الْجِيزَةِ ، أَجْمَعَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ مِنْ أَهْلِ
مِصْرَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْمَكَانِ ، وَفِيهِ أَثَرُ نَبِيَّيْنِ : أَحَدُهُمَا
يُوسُفُ سُجِنَ فِيهِ الْمُدَّةَ الَّتِي ذُكِرَ أَنَّ مَبْلَغَهَا سَبْعُ سِنِينَ ، وَالْآخِرُ
مُوسَى ، وَقَدْ بُنِيَ عَلَى أَثَرِهِ مَسْجِدٌ يُعْرَفُ بِمَسْجِدِ
مُوسَى إِلَخْ . وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ لَا يُوثَقُ بِهَا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ) أَيْ قَالَ فَأَرْسَلُونِي إِلَيْهِ فَأَرْسَلُوهُ إِلَيْهِ ، فَجَاءَهُ فَاسْتَفْتَاهُ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ الْمَلَأُ مِنْ تَأْوِيلِ رُؤْيَا الْمَلِكِ ، مُنَادِيًا لَهُ بِاسْمِهِ وَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ لَقَبِهِ الصِّدِّيقُ وَهُوَ الَّذِي بَلَغَ غَايَةَ الْكَمَالِ بِالصِّدْقِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَتَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَتَعْبِيرِ الْأَحْلَامِ ، شَارِحًا لَهُ رُؤْيَا الْمَلِكِ بِنَصِّهَا - وَهُوَ بَسْطٌ فِي مَحَلِّهِ بَعْدَ إِيجَازٍ فِي مَحَلِّهِ - قَائِلًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ) وَعَلَّلَ هَذَا الِاسْتِفْتَاءَ بِمَا يَرْجُو أَنْ يُحَقِّقَ
لِيُوسُفَ أَمَلَهُ بِالْخُرُوجِ مِنَ السِّجْنِ وَانْتِفَاعِ الْمَلِكِ وَمَلَئِهِ بِعِلْمِهِ فَقَالَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ ) أُولِي الْأَمْرِ ، وَأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ ، بِمَا تُلْقِيهِ إِلَيَّ مِنَ التَّأْوِيلِ وَالرَّأْيِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَكَانَتَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ ، أَوْ يَعْلَمُونَ مَا جَهِلُوا مِنْ تَأْوِيلِ رُؤْيَا الْمَلِكِ وَمَا يَجِبُ أَنْ يَعْلَمُوا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ ، فَلَعَلَّ الْأَوْلَى تَعْلِيلٌ لِرُجُوعِهِ إِلَيْهِمْ بِإِفْتَائِهِ ، وَلَعَلَّ الثَّانِيَةَ تَعْلِيلٌ لِمَا يَرْجُوهُ مِنْ عِلْمِهِمْ بِهَا ، وَالرَّجَاءُ تَوَقُّعُ خَيْرٍ بِوُقُوعِ أَسْبَابِهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا ) أَيْ قَالَ
يُوسُفُ مُبَيِّنًا لِلْمَلَأِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ عَمَلُهُ ، لِتَلَافِي مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الرُّؤْيَا مِنَ الْخَطَرِ عَلَى الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ ، قَبْلَ وُقُوعِ تَأْوِيلِهَا الَّذِي بَيَّنَهُ فِي سِيَاقِ هَذَا التَّدْبِيرِ الْعَمَلِيِّ ، وَهَذَا ضَرْبٌ مِنْ بَلَاغَةِ الْأُسْلُوبِ وَالْإِيجَازِ ، وَلَا تَجِدُ لَهُ ضَرِيبًا فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ ، خَاطَبَ أُولِي الْأَمْرِ بِمَا لَقَّنَهُ لِلسَّاقِي خِطَابَ الْآمْرِ لِلْمَأْمُورِ الْحَاضِرِ ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الشُّرُوعَ فِي زِرَاعَةِ الْقَمْحِ دَائِبِينَ عَلَيْهِ دَأَبًا مُسْتَمِرًّا ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=33وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ) 14 : 33 سَبْعَ سِنِينَ بِلَا انْقِطَاعٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : تَزْرَعُونَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ ) 61 : 11 وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي إِيجَابِ إِيجَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ يُوجَدُ فَهُوَ يُخْبِرُ عَنْهُ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ ) أَيْ فَكُلُّ مَا حَصَدْتُمْ مِنْهُ فِي كُلِّ زَرْعَةٍ فَاتْرُكُوهُ - أَيِ ادَّخِرُوهُ - فِي سُنْبُلِهِ بِطَرِيقَةٍ تَحْفَظُهُ مِنَ السُّوسِ بِعَدَمِ سَرَيَانِ الرُّطُوبَةِ إِلَيْهِ : الْحَبُّ لِغِذَاءِ النَّاسِ وَالتِّبْنُ لِغِذَاءِ الْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ) فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذِهِ السِّنِينَ ، مَعَ مُرَاعَاةِ الْقَصْدِ وَالِاكْتِفَاءِ بِمَا يَسُدُّ حَاجَةَ الْجُوعِ ، فَإِنَّ النَّاسَ يَقْنَعُونَ فِي سِنِيِّ الْخِصْبِ وَالرَّخَاءِ بِالْقَلِيلِ ، فَهَذِهِ السِّنِينُ السَّبْعُ تَأْوِيلٌ لِلْبَقَرَاتِ السَّبْعِ السِّمَانِ ، وَالسُّنْبُلَاتُ السَّبْعُ الْخُضْرُ عَلَى ظَاهِرِهَا فِي كَوْنِ كُلِّ سُنْبُلَةٍ تَأْوِيلًا لِزَرْعِ سَنَةٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=48ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ ) أَيْ سَبْعِ سِنِينَ شِدَادٍ فِي مَحَلِّهِنَّ وَجَلْبِهِنَّ
[ ص: 264 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=48يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ) أَيْ يَأْكُلُ أَهْلُهُنَّ كُلَّ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُمْ ، وَهُوَ مِنْ إِسْنَادِهِمْ إِلَى الزَّمَانِ وَالدَّهْرِ مَا يَقَعُ فِيهِ ، وَيَكْثُرُ إِسْنَادُ الْعُسْرِ وَالْجُوعِ إِلَى سِنِيِّ الْجَدْبِ ، يُقَالُ : أَكَلَتْ لَنَا هَذِهِ السَّنَةُ كُلَّ شَيْءٍ وَلَمْ تُبْقِ لَنَا خَفِيًّا وَلَا حَافِرًا ، وَلَا سَبَدًا وَلَا لَبَدًا ، أَيْ لَا شَعْرًا وَلَا صُوفًا . وَهَذَا تَأْوِيلٌ لِلْبَقَرَاتِ السَّبْعِ الْعِجَافِ وَأَكْلِهِنَّ لِلسَّبْعِ السِّمَانِ ، وَلِلسُّنْبُلَاتِ الْيَابِسَاتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=48إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ) أَيْ تُحْرِزُونَ وَتَدَّخِرُونَ لِلْبَذْرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=49ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ) الَّذِي ذُكِرَ وَهُوَ السَّبْعُ الشِّدَادُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=49عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ ) أَيْ فِيهِ يُغِيثُهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنَ الشِّدَّةِ أَتَمَّ الْإِغَاثَةِ وَأَوْسَعَهَا ، وَهِيَ تَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْمَعُونَةِ بَعْدَ الشِّدَّةِ ، يُقَالُ : غَاثَهُ يَغُوثُهُ وَغَوَاثًا ( بِالْفَتْحِ ) وَأَغَاثَهُ إِغَاثَةً إِذَا أَعَانَهُ وَنَجَّاهُ ، وَغَوَّثَ الرَّجُلُ ، قَالَ : ( وَاغَوْثَاهُ ) وَاسْتَغَاثَ رَبَّهُ اسْتَنْصَرَهُ وَسَأَلَهُ الْغَوْثَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْغَيْثِ وَهُوَ الْمَطَرُ ، إِذْ يُقَالُ : غَاثَ اللَّهُ الْبِلَادَ غَيْثًا إِذَا أَنْزَلَ فِيهَا الْمَطَرَ ، وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ هُنَا ، وَلَا يُقَالُ إِنَّ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ ، لِأَنَّ خِصْبَ
مِصْرَ يَكُونُ بِفَيَضَانِ النِّيلِ لَا بِالْمَطَرِ ، فَإِنَّ فَيَضَانَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْمَطَرِ الَّذِي يَمُدُّهُ فِي مَجَارِيهِ مِنْ بِلَادِ
السُّودَانِ ، فَاعْتِرَاضُ بَعْضِ الْمُسْتَشْرِقِينَ مِنَ الْإِفْرِنْجِ وَزَعْمُهُ أَنَّ الْكَلِمَةَ مِنَ الْغَيْثِ وَأَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ ، جَهْلٌ زَيَّنَهُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ تَلَذُّذًا بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى لُغَةِ الْقُرْآنِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=49وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ) مَا شَأْنُهُ أَنْ يُعْصَرَ مِنَ الْأَدْهَانِ الَّتِي يَأْتَدِمُونَ بِهَا وَيَسْتَصْبِحُونَ كَالزَّيْتِ مِنَ الزَّيْتُونِ وَالْقُرْطُمِ وَغَيْرِهِ ، وَالشَّيْرَجِ مِنَ السِّمْسِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَالْأَشْرِبَةِ مِنَ الْقَصَبِ وَالنَّخِيلِ وَالْعِنَبِ . وَالْمُرَادُ : أَنَّ هَذَا الْعَامَ عَظِيمُ الْخِصْبِ وَالْإِقْبَالِ ، وَيَكُونُ لِلنَّاسِ فِيهِ كُلُّ مَا يَبْغُونَ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْإِتْرَافِ ، وَالْإِنْبَاءُ بِهَذَا زَائِدٌ عَلَى تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعَامُ الْأَوَّلُ بَعْدَ سِنِيِّ الشِّدَّةِ وَالْجَدْبِ دُونَ ذَلِكَ ، فَهَذَا التَّخْصِيصُ وَالتَّفْصِيلُ لَمْ يَعْرِفْهُ
يُوسُفُ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا مُقَابِلَ لَهُ فِي رُؤْيَا الْمَلِكِ وَلَا هُوَ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِ تَأْوِيلِهَا بِهَذَا التَّفْصِيلِ ، وَقَرَأَ
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ( ( تَعْصِرُونَ ) ) بِالْخِطَابِ كَـ ( ( تَزْرَعُونَ ) ) وَ ( ( تُحْصِنُونَ ) ) . وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ عَطْفٌ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=49يُغَاثُ النَّاسُ ) وَفَائِدَةُ الْقِرَائَتَيْنِ : بَيَانُ الْمِنَّةِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ مِنْ غَائِبٍ مَحْكِيٍّ عَنْهُ ، وَحَاضِرٍ مُخَاطَبٍ بِمَا يَكُونُ مِنْهُ .