[ ص: 265 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=52ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ) .
(
nindex.php?page=treesubj&link=31895طلب الملك ليوسف وتمكثه في الإجابة لأجل التحقيق في مسألة النسوة ) :
من المعلوم بالبداهة أن الرسول بلغ الملك وملأه ما قاله له
يوسف - عليه السلام - وإنهم فهموا منه أن الخطب جلل ، وأن هذا الرجل ذو علم واسع ، وتدبير لا يستغنى عنه فيما يصفه من حالي : السعة والشدة ، وقد طوي ذلك إيجازا لأنه يعلم من قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50وقال الملك ائتوني به ) لأسمع كلامه بأذني ، وأختبر تفصيل رأيه ودرجة عقله بنفسي فلما جاءه الرسول وبلغه أمر الملك (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50قال ارجع إلى ربك فاسأله ) قبل شخوصي إليه ووقوفي بين يديه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) أي ما حقيقة أمرهن معي ، فالبال : الأمر الذي يهتم به ويبحث عنه ، فهو يقول : سله عن حالهن ليبحث عنه ويعرف حقيقته ، فلا أحب أن آتيه وأنا متهم بقضية عوقبت عليها أو عقبها بالسجن ، وطال مكثي فيه وأنا غير مذنب فأقبل منه العفو (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50إن ربي بكيدهن عليم ) وقد صرفه عني فلم يمسني منه سوء معهن ، وربك لا يعلم ما علم ربي منه .
وفي هذا التريث والسؤال فوائد جليلة في
nindex.php?page=treesubj&link=31902_31897أخلاق يوسف - عليه السلام - وعقله وأدبه في سؤاله ( منها ) دلالته على صبره وأناته ، وجدير بمن لقي ما لقي من الشدائد أن يكون صبورا حليما ، فكيف إذا كان نبيا وارثا
لإبراهيم الذي وصفه الله ( ( بالأواه الحليم ) ) ؟ وفي حديث
[ ص: 266 ] nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في المسند والصحيحين مرفوعا : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920545ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ) ) وفي لفظ
لأحمد : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920546لو كنت أنا لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العذر ) ) وأما ما رواه
عبد الرزاق عن
عكرمة في تعجب النبي من صبره وكرمه ، وكونه لو كان مكانه لما أول لهم الرؤيا حتى يشترط عليهم أن يخرجوه من السجن ، ولو أتاه الرسول لبادرهم الباب . فهو مرسل لا يحتج به .
( ومنها ) عزة نفسه وحفظ كرامتها ؛ إذ لم يرض أن يكون متهما بالباطل حتى يظهر براءته ونزاهته . ( ومنها ) وجوب الدفاع عن النفس وإبطال التهم التي تخل بالشرف كوجوب اجتناب موافقتها . ( ومنها ) مراعاته النزاهة بعد التصريح بشيء من الطعن على النسوة ، وترك أمر التحقيق إلى الملك يسألهن ما بالهن قطعن أيديهن وينظر ما يجبن به . ( ومنها ) أنه لم يذكر سيدته معهن وهي أصل الفتنة وفاء لزوجها ورحمة بها ؛ لأن أمر شغفها به كان وجدانا قاهرا لها ، وإنما اتهمها أولا عند وقوفه موقف التهمة لدى سيدها وطعنها فيه دفاعا عن نفسه ، فهو لم يكن به بد منه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ) الخطب : الشأن العظيم الذي يقع فيه التخاطب والبحث لغرابته أو إنكاره ، ومنه قول
إبراهيم للملائكة (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57فما خطبكم أيها المرسلون ) 15 : 57 وقول
موسى في قصة العجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=95فما خطبك ياسامري ) 20 : 95 ؟ وقوله للمرأتين اللتين كانتا تذودان ماشيتهما عن مورد السقيا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23ما خطبكما ) 28 : 23 وهذه الجملة بيان لجواب سؤال مقدر دل عليه السياق كأمثاله ، والمعنى : أن الرسول بلغ الملك قول
يوسف ، وأنه لا يخرج من السجن استجابة لدعوته حتى يحقق مسألة النسوة ، فجمعهن وسألهن : ما خطبكن الذي حملكن على مراودته عن نفسه ، هل كان عن ميل منه إليكن ، ومغازلة لكن قبلها ؟ . هل رأيتن منه مواتاة واستجابة بعدها ؟ أم ماذا كان سبب إلقائه في السجن مع المجرمين ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء ) أي معاذ الله ، ما علمنا عليه أدنى شيء يشينه ويسوءه لا كبير ولا صغير ، ولا كثير ولا قليل ، هذا ما يدل عليه نفي العلم مع تنكير سوء ودخول من عليها وهو أبلغ من نفي رؤية السوء عنه قالت
امرأة العزيز (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51الآن حصحص الحق ) أي ظهر بعد خفائه وانحسرت رغوة الباطل عن محضه ، وهو تكرار من حصة إذا قطع منه حصة بعد حصة ( بالكسر ) وهي النصيب لكل شريك في شيء ، مثل كبكب وكفكف الشيء إذا كبه وكفه مرة بعد أخرى ، فهي تقول : إن الحق في هذه القضية كان في رأي الذين بلغهم موزع التبعة بيننا معشر النسوة وبين
يوسف ؛ لكل منا حصة ، بقدر ما عرض فيها من شبهة ، والآن قد ظهر الحق في جانب واحد لا خفاء فيه ولا شبهة عليه ، فإن كان عواذلي شهدن بنفي السوء عنه وهي شهادة نفي ، فشهادتي له على نفسي شهادة إثبات ؟
[ ص: 267 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51أنا راودته عن نفسه ) وهو لم يراودني ، بل استعصم وأعرض عني (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51وإنه لمن الصادقين ) فيما اتهمني به من قبل ، وحمله أدبه الأعلى ووفاؤه الأسمى لمن أكرم مثواه وأحسن إليه - على السكوت عنه إلى الآن ، ونحن جزيناه بالسيئة على الإحسان ، وقد أقر الخصم وارتفع النزاع .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=52ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) أي ذلك الإقرار بالحق له ، والشهادة بالصدق الذي علمته منه ، ليعلم الآن - إذ يبلغه عني - أني لم أخنه بالغيب عنه منذ سجن إلى الآن بالنيل من أمانته ، أو الطعن في شرفه وعفته ، بل صرحت لجماعة النسوة بأنني راودته فاستعصم وهو شاهد ، وهأنذا أقر بهذا أمام الملك وملئه وهو غائب ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=52وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ) من النساء والرجال بل تكون عاقبة كيدهن الفضيحة والنكال ، ولقد كدنا له فصرف ربه عنه كيدنا وسجناه فبرأه وفضح مكرنا ، حتى شهدنا له في هذا المقام السامي على أنفسنا .
وهذا تعليل آخر لإقرارها على تبرئة نفسها من خيانته بالغيب ، اعترفت في الآية التالية بأنها لا تبرئ نفسها من الكيد له بالسجن ، وأن ذلك كان من هوى النفس الأمارة بالسوء ، لأن المراد منه تذليله لها ، وحمله على طاعتها ، وفيهما وجه آخر وهو أنها تقول : ذلك الذي حصل أقررت به ليعلم زوجي أني لم أخنه بالفعل فيما كان من خلواتي
بيوسف في غيبته عنا ، وأن كل ما وقع أنني راودت هذا الشاب الفاتن الذي وضعه في بيتي ، وخلى بينه وبيني ، فاستعصم وامتنع ، فبقي عرضه - أي الزوج - مصونا ، وشرفه محفوظا ، ولئن برأت
يوسف من الإثم فما أبرئ منه نفسي فـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=53إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) 53 وسيأتي أن من رحمته - تعالى - ببعض الأنفس صرفها عن الأمر السوء وهو أعلى الدرجات ، ومنها حفظه إياها من طاعة الأمر بوازع منها ، وهي دون ما قبلها ، ومنها عدم تيسر عمل السوء ، لها بامتناع من يتوقف عليه ذلك العمل على حد ( أن من العصمة ألا تجد ) .
هذا هو المتبادر من نظم الآيتين المناسب للمقام بغير تكلف ، ولكن ذهب الجمهور اتباعا للروايات الخادعة إلى أنهما حكاية عن
يوسف - عليه السلام - يقول : ذلك الذي كان مني إذ امتنعت من إجابة الملك واقترحت عليه التحقيق في قضية النسوة ليعلم العزيز من التحقيق أني لم أخنه في زوجه بالغيب إلخ ، وأنه صرح بعد ذلك بأنه لا يبرئ نفسه من باب التواضع وهضم النفس ! وهذا المعنى يتبرأ منه السياق والنظم ومرجع الضمير . ومن العجب أن
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير اقتصر عليه ، ولكن قال
العماد ابن كثير على كثرة اعتماده عليه مرجحا للقول الأول :
[ ص: 268 ] وهذا هو القول الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام وقد حكاه
الماوردي في تفسيره وانتدب لنصره الإمام
أبو العباس بن تيمية - رحمه الله - فأفرده بتصنيف على حدة . انتهى ، وشيخ الإسلام
ابن تيمية من أعلم المحدثين بنقد الروايات فهو ما نصر هذا القول إلا وقد فند روايات القول الآخر .
وقد علم من جملة الكلام أن
يوسف - عليه السلام - كان مثل الكمال الإنساني الأعلى للاقتداء به في العفة والصيانة ، لم يمسه أدنى سوء من فتنة النسوة ،
nindex.php?page=treesubj&link=31899وأن امرأة العزيز التي اشتهرت في نساء مصر بل نساء العالم بسوء القدوة في التاريخ القديم والحديث كان أكبر إثمها على زوجها ، وكانت هي ذات مزايا في عشقها الذي كان اضطراريا لا علاج له إلا الحيلولة بينها وبين هذا الشاب الذي بلغ منتهى الكمال في الحسن والجمال ، فمن مزاياها أنها لم تتطلع إلى غيره من الرجال إجابة لداعية الجنسية للتسلي عنه بعد اليأس منه ، وأنها لم تتهمه بالجنوح للفاحشة قط ، وكل ما قالته لزوجها إذ فاجأهما لدى الباب (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=25ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ) 25 تعني به همه بضربها ، وأنها في خاتمة الأمر أقرت بذنبها في مجلس الملك الرسمي إيثارا للحق وإثباتا لبراءة المحق ، فأية مزايا أظهر من هذه لمن ابتليت بمثل هذا العشق ؟ وفي تاريخ الفردوسي أديب الفرس أنه صنف قصة غرامية في
زليخا ويوسف صور فيها العفة بأجمل صورها ،
وزليخا ( بالفتح ) اسم امرأة العزيز في أشهر تواريخنا ، وقيل : إن اسمها
راعيل ، وسنفصل العبر في القصة ، في التفسير الإجمالي للسورة إن شاء الله تعالى .
تم تفسير الجزء الثاني عشر في العشر الأخير من المحرم سنة 1354 هـ ، وكان البدء به في صفر 1353 هـ والله نسأل توفيقنا لإتمام ثائر هذا التفسير بما يرضاه ، وله الحمد والمنة .
[ ص: 265 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=52ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) .
(
nindex.php?page=treesubj&link=31895طَلَبُ الْمَلِكِ لِيُوسُفَ وَتَمَكُّثُهُ فِي الْإِجَابَةِ لِأَجْلِ التَّحْقِيقِ فِي مَسْأَلَةِ النِّسْوَةِ ) :
مِنَ الْمَعْلُومِ بِالْبَدَاهَةِ أَنَّ الرَّسُولَ بَلَّغَ الْمَلِكَ وَمَلَأَهُ مَا قَالَهُ لَهُ
يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْهُ أَنَّ الْخَطْبَ جَلَلٌ ، وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ ذُو عِلْمٍ وَاسِعٍ ، وَتَدْبِيرٍ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِيمَا يَصِفُهُ مِنْ حَالَيِ : السِّعَةِ وَالشِّدَّةِ ، وَقَدْ طُوِيَ ذَلِكَ إِيجَازًا لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ) لِأَسْمَعَ كَلَامَهُ بِأُذُنِي ، وَأَخْتَبِرَ تَفْصِيلَ رَأْيِهِ وَدَرَجَةَ عَقْلِهِ بِنَفْسِي فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ وَبَلَّغَهُ أَمْرَ الْمَلِكِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ ) قَبْلَ شُخُوصِي إِلَيْهِ وَوُقُوفِي بَيْنَ يَدَيْهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) أَيْ مَا حَقِيقَةُ أَمْرِهِنَّ مَعِي ، فَالْبَالُ : الْأَمْرُ الَّذِي يُهْتَمُّ بِهِ وَيُبْحَثُ عَنْهُ ، فَهُوَ يَقُولُ : سَلْهُ عَنْ حَالِهِنَّ لِيَبْحَثَ عَنْهُ وَيَعْرِفَ حَقِيقَتَهُ ، فَلَا أُحِبُّ أَنْ آتِيَهُ وَأَنَا مُتَّهَمٌ بِقَضِيَّةٍ عُوقِبْتُ عَلَيْهَا أَوْ عَقِبُهَا بِالسِّجْنِ ، وَطَالَ مُكْثِي فِيهِ وَأَنَا غَيْرُ مُذْنِبٍ فَأَقْبَلُ مِنْهُ الْعَفْوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ) وَقَدْ صَرَفَهُ عَنِّي فَلَمْ يَمَسَّنِي مِنْهُ سُوءٌ مَعَهُنَّ ، وَرَبُّكَ لَا يَعْلَمُ مَا عَلِمَ رَبِّي مِنْهُ .
وَفِي هَذَا التَّرَيُّثِ وَالسُّؤَالِ فَوَائِدُ جَلِيلَةٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31902_31897أَخْلَاقِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَعَقْلِهِ وَأَدَبِهِ فِي سُؤَالِهِ ( مِنْهَا ) دَلَالَتُهُ عَلَى صَبْرِهِ وَأَنَاتِهِ ، وَجَدِيرٌ بِمَنْ لَقِيَ مَا لَقِيَ مِنَ الشَّدَائِدِ أَنْ يَكُونَ صَبُورًا حَلِيمًا ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ نَبِيًّا وَارِثًا
لِإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ ( ( بِالْأَوَّاهِ الْحَلِيمِ ) ) ؟ وَفِي حَدِيثِ
[ ص: 266 ] nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُسْنَدِ وَالصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920545وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ ) ) وَفِي لَفْظٍ
لِأَحْمَدَ : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920546لَوْ كُنْتُ أَنَا لَأَسْرَعْتُ الْإِجَابَةَ وَمَا ابْتَغَيْتُ الْعُذْرَ ) ) وَأَمَّا مَا رَوَاهُ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
عِكْرِمَةَ فِي تَعَجُّبِ النَّبِيِّ مِنْ صَبْرِهِ وَكَرَمِهِ ، وَكَوْنِهِ لَوْ كَانَ مَكَانَهُ لَمَا أَوَّلَ لَهُمُ الرُّؤْيَا حَتَّى يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنَ السِّجْنِ ، وَلَوْ أَتَاهُ الرَّسُولُ لَبَادَرَهُمُ الْبَابَ . فَهُوَ مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ .
( وَمِنْهَا ) عِزَّةُ نَفْسِهِ وَحِفْظُ كَرَامَتِهَا ؛ إِذْ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا بِالْبَاطِلِ حَتَّى يُظْهِرَ بَرَاءَتَهُ وَنَزَاهَتَهُ . ( وَمِنْهَا ) وُجُوبُ الدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ وَإِبْطَالُ التُّهَمِ الَّتِي تُخِلُّ بِالشَّرَفِ كَوُجُوبِ اجْتِنَابِ مُوَافَقَتِهَا . ( وَمِنْهَا ) مُرَاعَاتُهُ النَّزَاهَةَ بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّعْنِ عَلَى النِّسْوَةِ ، وَتَرْكُ أَمْرِ التَّحْقِيقِ إِلَى الْمَلِكِ يَسْأَلُهُنَّ مَا بَالُهُنَّ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَيَنْظُرُ مَا يُجِبْنَ بِهِ . ( وَمِنْهَا ) أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ سَيِّدَتَهُ مَعَهُنَّ وَهِيَ أَصْلُ الْفِتْنَةِ وَفَاءً لِزَوْجِهَا وَرَحْمَةً بِهَا ؛ لِأَنَّ أَمْرَ شَغَفِهَا بِهِ كَانَ وِجْدَانًا قَاهِرًا لَهَا ، وَإِنَّمَا اتَّهَمَهَا أَوَّلًا عِنْدَ وُقُوفِهِ مَوْقِفَ التُّهْمَةِ لَدَى سَيِّدِهَا وَطَعْنِهَا فِيهِ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهِ ، فَهُوَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بُدٌّ مِنْهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ) الْخَطْبُ : الشَّأْنُ الْعَظِيمُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ التَّخَاطُبُ وَالْبَحْثُ لِغَرَابَتِهِ أَوْ إِنْكَارِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
إِبْرَاهِيمَ لِلْمَلَائِكَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ) 15 : 57 وَقَوْلُ
مُوسَى فِي قِصَّةِ الْعِجْلِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=95فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ ) 20 : 95 ؟ وَقَوْلُهُ لِلْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا تَذُودَانِ مَاشِيَتَهُمَا عَنْ مَوْرِدِ السُّقْيَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23مَا خَطْبُكُمَا ) 28 : 23 وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِجَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ كَأَمْثَالِهِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ الرَّسُولَ بَلَّغَ الْمَلِكَ قَوْلَ
يُوسُفَ ، وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ السِّجْنِ اسْتِجَابَةً لِدَعْوَتِهِ حَتَّى يُحَقِّقَ مَسْأَلَةَ النِّسْوَةِ ، فَجَمَعَهُنَّ وَسَأَلَهُنَّ : مَا خَطْبُكُنَّ الَّذِي حَمَلَكُنَّ عَلَى مُرَاوَدَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ ، هَلْ كَانَ عَنْ مَيْلٍ مِنْهُ إِلَيْكُنَّ ، وَمُغَازَلَةٍ لَكُنَّ قَبْلَهَا ؟ . هَلْ رَأَيْتُنَّ مِنْهُ مُوَاتَاةً وَاسْتِجَابَةً بَعْدَهَا ؟ أَمْ مَاذَا كَانَ سَبَبُ إِلْقَائِهِ فِي السِّجْنِ مَعَ الْمُجْرِمِينَ ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ) أَيْ مَعَاذَ اللَّهِ ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ أَدْنَى شَيْءٍ يُشِينُهُ وَيَسُوءُهُ لَا كَبِيرَ وَلَا صَغِيرَ ، وَلَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ ، هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَفْيُ الْعِلْمِ مَعَ تَنْكِيرِ سُوءٍ وَدُخُولُ مِنْ عَلَيْهَا وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ نَفْيِ رُؤْيَةِ السُّوءِ عَنْهُ قَالَتِ
امْرَأَةُ الْعَزِيزِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ) أَيْ ظَهَرَ بَعْدَ خَفَائِهِ وَانْحَسَرَتْ رَغْوَةُ الْبَاطِلِ عَنْ مَحْضِهِ ، وَهُوَ تَكْرَارٌ مِنْ حِصَّةٍ إِذَا قُطِعَ مِنْهُ حِصَّةٌ بَعْدَ حِصَّةٍ ( بِالْكَسْرِ ) وَهِيَ النَّصِيبُ لِكُلِّ شَرِيكٍ فِي شَيْءٍ ، مِثْلُ كَبْكَبَ وَكَفْكَفَ الشَّيْءَ إِذَا كَبَّهُ وَكَفَّهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، فَهِيَ تَقُولُ : إِنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ كَانَ فِي رَأْيِ الَّذِينَ بَلَغَهُمْ مُوَزِّعُ التَّبِعَةِ بَيْنَنَا مَعْشَرَ النِّسْوَةِ وَبَيْنَ
يُوسُفَ ؛ لِكُلٍّ مِنَّا حِصَّةٌ ، بِقَدْرِ مَا عَرَضَ فِيهَا مِنْ شُبْهَةٍ ، وَالْآنَ قَدْ ظَهَرَ الْحَقُّ فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ عَوَاذِلِي شَهِدْنَ بِنَفْيِ السُّوءِ عَنْهُ وَهِيَ شَهَادَةُ نَفْيٍ ، فَشَهَادَتِي لَهُ عَلَى نَفْسِي شَهَادَةُ إِثْبَاتٍ ؟
[ ص: 267 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ ) وَهُوَ لَمْ يُرَاوِدْنِي ، بَلِ اسْتَعْصَمَ وَأَعْرَضَ عَنِّي (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) فِيمَا اتَّهَمَنِي بِهِ مِنْ قَبْلُ ، وَحَمَلَهُ أَدَبُهُ الْأَعْلَى وَوَفَاؤُهُ الْأَسْمَى لِمَنْ أَكْرَمَ مَثْوَاهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ - عَلَى السُّكُوتِ عَنْهُ إِلَى الْآنِ ، وَنَحْنُ جَزَيْنَاهُ بِالسَّيِّئَةِ عَلَى الْإِحْسَانِ ، وَقَدْ أَقَرَّ الْخَصْمُ وَارْتَفَعَ النِّزَاعُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=52ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ) أَيْ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالْحَقِّ لَهُ ، وَالشَّهَادَةُ بِالصِّدْقِ الَّذِي عَلِمْتُهُ مِنْهُ ، لِيَعْلَمَ الْآنَ - إِذْ يَبْلُغُهُ عَنِّي - أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ عَنْهُ مُنْذُ سُجِنَ إِلَى الْآنِ بِالنَّيْلِ مِنْ أَمَانَتِهِ ، أَوِ الطَّعْنِ فِي شَرَفِهِ وَعِفَّتِهِ ، بَلْ صَرَّحْتُ لِجَمَاعَةِ النِّسْوَةِ بِأَنَّنِي رَاوَدْتُهُ فَاسْتَعْصَمَ وَهُوَ شَاهِدٌ ، وَهَأَنَذَا أُقِرُّ بِهَذَا أَمَامَ الْمَلِكِ وَمَلَئِهِ وَهُوَ غَائِبٌ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=52وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ بَلْ تَكُونُ عَاقِبَةُ كَيْدِهِنَّ الْفَضِيحَةَ وَالنَّكَالَ ، وَلَقَدْ كِدْنَا لَهُ فَصَرَفَ رَبُّهُ عَنْهُ كَيْدَنَا وَسَجَنَّاهُ فَبَرَّأَهُ وَفَضَحَ مَكْرَنَا ، حَتَّى شَهِدْنَا لَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ السَّامِي عَلَى أَنْفُسِنَا .
وَهَذَا تَعْلِيلٌ آخَرُ لِإِقْرَارِهَا عَلَى تَبْرِئَةِ نَفْسِهَا مِنْ خِيَانَتِهِ بِالْغَيْبِ ، اعْتَرَفَتْ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ بِأَنَّهَا لَا تُبَرِّئُ نَفْسَهَا مِنَ الْكَيْدِ لَهُ بِالسِّجْنِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ هَوَى النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ تَذْلِيلُهُ لَهَا ، وَحَمْلُهُ عَلَى طَاعَتِهَا ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهَا تَقُولُ : ذَلِكَ الَّذِي حَصَلَ أَقْرَرْتُ بِهِ لِيَعْلَمَ زَوْجِي أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْفِعْلِ فِيمَا كَانَ مِنْ خَلْوَاتِي
بِيُوسُفَ فِي غَيْبَتِهِ عَنَّا ، وَأَنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ أَنَّنِي رَاوَدْتُ هَذَا الشَّابَّ الْفَاتِنَ الَّذِي وَضَعَهُ فِي بَيْتِي ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنِي ، فَاسْتَعْصَمَ وَامْتَنَعَ ، فَبَقِيَ عِرْضُهُ - أَيِ الزَّوْجِ - مَصُونًا ، وَشَرَفُهُ مَحْفُوظًا ، وَلَئِنْ بَرَّأْتُ
يُوسُفَ مِنَ الْإِثْمِ فَمَا أُبَرِّئُ مِنْهُ نَفْسِي فَـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=53إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ) 53 وَسَيَأْتِي أَنَّ مِنْ رَحْمَتِهِ - تَعَالَى - بِبَعْضِ الْأَنْفُسِ صَرْفَهَا عَنِ الْأَمْرِ السُّوءِ وَهُوَ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ ، وَمِنْهَا حِفْظُهُ إِيَّاهَا مِنْ طَاعَةِ الْأَمْرِ بِوَازِعٍ مِنْهَا ، وَهِيَ دُونَ مَا قَبْلَهَا ، وَمِنْهَا عَدَمُ تَيَسُّرِ عَمَلِ السُّوءِ ، لَهَا بِامْتِنَاعِ مَنْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعَمَلُ عَلَى حَدِّ ( أَنَّ مِنَ الْعِصْمَةِ أَلَّا تَجِدَ ) .
هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ نَظْمِ الْآيَتَيْنِ الْمُنَاسِبُ لِلْمَقَامِ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ ، وَلَكِنْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ اتِّبَاعًا لِلرِّوَايَاتِ الْخَادِعَةِ إِلَى أَنَّهُمَا حِكَايَةٌ عَنْ
يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ : ذَلِكَ الَّذِي كَانَ مِنِّي إِذِ امْتَنَعْتُ مِنْ إِجَابَةِ الْمَلِكِ وَاقْتَرَحْتُ عَلَيْهِ التَّحْقِيقَ فِي قَضِيَّةِ النِّسْوَةِ لِيَعْلَمَ الْعَزِيزُ مِنَ التَّحْقِيقِ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ فِي زَوْجِهِ بِالْغَيْبِ إِلَخْ ، وَأَنَّهُ صَرَّحَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يُبَرِّئُ نَفْسَهُ مِنْ بَابِ التَّوَاضُعِ وَهَضْمِ النَّفْسِ ! وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَبَرَّأُ مِنْهُ السِّيَاقُ وَالنَّظْمُ وَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ . وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنَ جَرِيرٍ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ قَالَ
الْعِمَادُ ابْنُ كَثِيرٍ عَلَى كَثْرَةِ اعْتِمَادِهِ عَلَيْهِ مُرَجِّحًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ :
[ ص: 268 ] وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَشْهَرُ وَالْأَلْيَقُ وَالْأَنْسَبُ بِسِيَاقِ الْقِصَّةِ وَمَعَانِي الْكَلَامِ وَقَدْ حَكَاهُ
الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَانْتَدَبَ لِنَصْرِهِ الْإِمَامُ
أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَفْرَدَهُ بِتَصْنِيفٍ عَلَى حِدَةٍ . انْتَهَى ، وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ
ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ أَعْلَمِ الْمُحَدِّثِينَ بِنَقْدِ الرِّوَايَاتِ فَهُوَ مَا نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ إِلَّا وَقَدْ فَنَّدَ رِوَايَاتِ الْقَوْلِ الْآخَرِ .
وَقَدْ عُلِمَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ أَنَّ
يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مَثَلَ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ الْأَعْلَى لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ ، لَمْ يَمَسَّهُ أَدْنَى سُوءٍ مِنْ فِتْنَةِ النِّسْوَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31899وَأَنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ الَّتِي اشْتَهَرَتْ فِي نِسَاءِ مِصْرَ بَلْ نِسَاءِ الْعَالَمِ بِسُوءِ الْقُدْوَةِ فِي التَّارِيخِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ كَانَ أَكْبَرُ إِثْمِهَا عَلَى زَوْجِهَا ، وَكَانَتْ هِيَ ذَاتَ مَزَايَا فِي عِشْقِهَا الَّذِي كَانَ اضْطِرَارِيًّا لَا عِلَاجَ لَهُ إِلَّا الْحَيْلُولَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذَا الشَّابِّ الَّذِي بَلَغَ مُنْتَهَى الْكَمَالِ فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ ، فَمِنْ مَزَايَاهَا أَنَّهَا لَمْ تَتَطَلَّعْ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الرِّجَالِ إِجَابَةً لِدَاعِيَةِ الْجِنْسِيَّةِ لِلتَّسَلِّي عَنْهُ بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْهُ ، وَأَنَّهَا لَمْ تَتَّهِمْهُ بِالْجُنُوحِ لِلْفَاحِشَةِ قَطُّ ، وَكُلُّ مَا قَالَتْهُ لِزَوْجِهَا إِذْ فَاجَأَهُمَا لَدَى الْبَابِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=25مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا ) 25 تَعْنِي بِهِ هَمَّهُ بِضَرْبِهَا ، وَأَنَّهَا فِي خَاتِمَةِ الْأَمْرِ أَقَرَّتْ بِذَنْبِهَا فِي مَجْلِسِ الْمَلِكِ الرَّسْمِيِّ إِيثَارًا لِلْحَقِّ وَإِثْبَاتًا لِبَرَاءَةِ الْمُحِقِّ ، فَأَيَّةُ مَزَايَا أَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ لِمَنِ ابْتُلِيَتْ بِمِثْلِ هَذَا الْعِشْقِ ؟ وَفِي تَارِيخِ الْفِرْدَوْسِيِّ أَدِيبِ الْفُرْسِ أَنَّهُ صَنَّفَ قِصَّةً غَرَامِيَّةً فِي
زَلِيخَا وَيُوسُفَ صَوَّرَ فِيهَا الْعِفَّةَ بِأَجْمَلِ صُوَرِهَا ،
وَزَلِيخَا ( بِالْفَتْحِ ) اسْمُ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فِي أَشْهَرِ تَوَارِيخِنَا ، وَقِيلَ : إِنَّ اسْمَهَا
رَاعِيلُ ، وَسَنُفَصِّلُ الْعِبَرَ فِي الْقِصَّةِ ، فِي التَّفْسِيرِ الْإِجْمَالِيِّ لِلسُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
تَمَّ تَفْسِيرُ الْجُزِءِ الثَّانِي عَشَرَ فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ 1354 هـ ، وَكَانَ الْبَدْءُ بِهِ فِي صَفَرٍ 1353 هـ وَاللَّهَ نَسْأَلُ تَوْفِيقَنَا لِإِتْمَامِ ثَائِرِ هَذَا التَّفْسِيرِ بِمَا يَرْضَاهُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةِ .