ويقولون طاعة   أي : يقول المسلمون كافة وأولئك الذين ذكروا في الآيات الأخيرة ، قال  ابن جرير    : يعني الفريق الذين أخبر الله عنهم أنهم لما كتب عليهم القتال خشوا الناس كخشية الله أو أشد خشية ، يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمرهم بأمر : أمرك طاعة ، لك منا طاعة فيما تأمرنا به وتنهانا عنه ، انتهى . 
وقال غيره : التقدير " أمرنا طاعة " أي : شأننا معك الطاعة لك ، والأقرب ما قاله  ابن جرير  ، ومعنى أمرك طاعة أنه مطاع ، فجعل المصدر في مكان اسم المفعول للمبالغة ، فهو يدل بإيجازه على أنهم كانوا في حضرة الرسول يدعون كمال الطاعة ويظهرون منتهى الانقياد فإذا برزوا من عندك  ، أي : فإذا خرجوا من عندك ، وكلمة برز من مادة البراز - بفتح الباء - وهو الفضاء من الأرض ، أي : خرجوا من المكان يكونون معك فيه إلى البراز منصرفين إلى بيوتهم بيت طائفة منهم غير الذي تقول  دبرت في أنفسها ليلا غير الذي تقول لها وتظهر الطاعة لك فيه نهارا ، أو بيتت غير الذي تقوله هي لك وتؤكده من طاعتك ، والتبييت ما يدبر في الليل من رأي ونية وعزم على عمل ، ومنه قصد العدو ليلا للإيقاع به ، ومنه تبييت نية الصيام أي القصد إليه ليلا ، واشتقاقه من البيتوتة ، فإن وقتها هو الذي يجتمع فيه الفكر ويصفو فيه الذهن ، وقيل : إنه مشتق من أبيات الشعر ، أي : زوروا ورتبوا في سرائرهم غير ما تأمرهم به كما يزورون الأبيات من الشعر ، أي : يعزمون على المخالفة مع التفكر في كيفيتها واتقاء غوائلها كما يرتبون أبيات الشعر ويزنونها ، قال الأستاذ الإمام : ليس خاصا هذا بالمنافقين ، بل يكون من ضعفاء الإيمان ومرضى القلوب ، وهذا الرأي هو الموافق لما قاله في الآيات السابقة ، وروى  ابن جرير  عن  ابن عباس  أنه قال : هم ناس يقولون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : آمنا بالله ورسوله ليأمنوا على دمائهم وأموالهم ، وإذا برزوا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالفوا إلى غير ما قالوا عنده فعاتبهم الله   . 
والله يكتب ما يبيتون  ، أي يبينه لك في كتابه ويفضحهم به بمثل هذه الآية ، أو يكتبه في صحائف أعمالهم ويجازيهم عليه فأعرض عنهم  أيها الرسول ولا تبال بما يبيتون ، ولا تؤاخذهم بما أسروا ولم يظهروا ، أو المراد : لا تقبل عليهم بالبشاشة كما تقبل على الصادقين وتوكل على الله  في شأنهم ، أي اتخذه وكيلا تكل إليه جزاءهم وتفوض إليه أمرهم وكفى بالله وكيلا  ، يحيط علمه بالأعمال ظاهرها وباطنها ، وبما يستحق العاملون من الجزاء عليها ، ويقدر على إيقاع هذا الجزاء لا يعجزه منه شيء ، وإنما عليك البلاغ ، وعليه الحساب والجزاء ، وهذا يؤيد ما تقدم بيانه في تفسيرنا للآية التي قبل هذه الآية . 
 [ ص: 233 ] وقد زعم بعض المفسرين أن الأمر بالإعراض عن المنافقين هنا منسوخ بقوله - تعالى - : جاهد الكفار والمنافقين  ورده  الفخر الرازي  ، وقالوا مثله في الآية السابقة ، وقال الأستاذ الإمام : إنهم لا يكادون يتركون آية من آيات العفو والصفح والحلم ومكارم الأخلاق في معاملة المخالفين إلا ويزعمون نسخه ، وأنكر ذلك أشد الإنكار ، وليس عندي شيء عنه في تفسير هذه الآيات غير هذا وما تقدم قريبا من قوله بأن الآية ليست في المنافقين خاصة . 
قرأ أبو عمرو  وحمزة    " بيت طائفة " وبإدغام التاء في الطاء ، وهما حرفان متقاربان في المخرج يدغم بعض العرب أحدهما في الآخر كما في هذه القراءة ، والباقون بغير إدغام . 
ومن مباحث اللفظ اتفاق القراء على تذكير بيت قالوا : لم يقل " بيتت " بتاء التأنيث لأن تأنيث طائفة غير حقيقي ، ولأنها بمعنى الفريق والفوج ، وهذا التعليل كاف في بيان الجواز لا في بيان الاختيار ، والأصل أن يؤنث ضمير المؤنث ولو كان تأنيثه لفظيا ، ووجه الاختيار الذي أراه هو أن تكرار التاء قبل الطاء القريبة منها في المخرج لا يخلو من ثقل على اللسان ، ولذلك تحذف إحدى التائين من مثل تتصدى وتتكلم فيقال : تصدى وتكلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					