ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا   أي : لولا فضل الله عليكم ورحمته بكم أيها المسلمون بما هداكم إليه من طاعة الله والرسول ظاهرا وباطنا ، وتدبر القرآن ورد الأمور العامة إلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم لاتبعتم وسوسة الشيطان كما اتبعته تلك الطائفة التي تقول للرسول : طاعة لك ، وتبيت غير ذلك ، والتي تذيع بأمر الأمن والخوف وتفسد على الأمة سياستها به ، إلا قليلا من الأتباع ، أي لاتبعتم الشيطان في أكثر أعمالكم بجعلها من الباطل والشر لا فيها كلها ، أو إلا قليلا منكم أوتوا من صفاء الفطرة وسلامتها ما يكفي لإيثارهم الحق والخير كأبي بكر وعلي ، فهي كقوله تعالى : ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا    ( 24 : 21 ) . 
وفسر بعض المفسرين الفضل والرحمة بالقرآن وبعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعناية   [ ص: 246 ] الله بهدايتهم بهما كما قلنا ، والقليل المستثنى بمثل قس بن ساعدة  ، وورقة بن نوفل  ، وزيد بن عمرو بن نفيل  الذين كانوا مؤمنين بالله قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال نحوه الأستاذ الإمام فهو اختيار منه له . 
وقال أبو مسلم الأصفهاني    : إن المراد بفضل الله ورحمته هنا النصر والظفر والمعونة التي أشار إليها في قوله في الآيات السابقة من هذا السياق : ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم    ( 4 : 73 ) ، أي لولا النصر والظفر المتتابع لاتبعتم الشيطان وتركتم الدين إلا القليل منكم ، وهم أصحاب البصائر النافذة والنيات القوية والعزائم المتمكنة من أفاضل المؤمنين الذين يعلمون أنه ليس من شروط كونه حقا حصول الدولة في الدنيا ، فلأجل تواتر الفتح والظفر يدل على كونه حقا ، ولأجل تواتر الانهزام يدل على كونه باطلا ، بل الأمر في كونه حقا وباطلا على الدليل ، وهذا أصح الوجوه وأقربها إلى التحقيق . انتهى من التفسير الكبير للرازي  ، وهو الذي صحح قول أبي مسلم  ورجحه ، وقوله بعدم التلازم بين كونه حقا أو باطلا وبين الظفر وضده لا يسلم مطلقا ، وإنما يسلم بالنسبة إلى بعض الوقائع ، فإن العاقبة للمتقين ، وقد بينا ذلك مرارا . 
وقيل : إن الاستثناء من قوله : أذاعوا به  ، وقيل : من الذين يستنبطونه  ، وكلاهما بعيد على أنه مروي عن بعض مفسري السلف ، قال  ابن جرير  بعد رواية القولين ، وقال آخرون : معنى ذلك ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان جميعا ، قالوا : وقوله : إلا قليلا خرج مخرج الاستثناء في اللفظ ، وهو دليل على الجمع والإحاطة ، فالاستثناء دليل الإحاطة ، أقول : أو كما يقول الأصوليون : معيار العموم ، أي : فهو لتأكيد ما قبله كقوله تعالى : سنقرئك فلا تنسى  إلا ما شاء الله    ( 87 : 6 ، 7 ) ، وهذا الاستعمال وإن كان صحيحا لا يظهر هنا ، وقد بينا من قبل أن من دقة القرآن وتحريه للحقائق عدم حكمه بالضلال العام المستغرق على جميع أفراد الأمة ، ومثل هذا الاحتراس متعدد فيه ، ولا يكاد يتحراه الناس [ راجع ص 54 ج 4 طبعة الهيئة المصرية للكتاب ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					