وقال قتادة : هي مدنية .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة العصر بمكة .
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن أبي مزينة الدارمي ، وكانت له صحبة قال : كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر ثم يسلم أحدهما على الآخر .
بسم الله الرحمن الرحيم
والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر
أقسم سبحانه بالعصر وهو الدهر ، لما فيه من العبر من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار وتعاقب الظلام والضياء ، فإن في ذلك دلالة بينة على الصانع عز وجل وعلى توحيده ، ويقال لليل عصر وللنهار عصر ، ومنه قول حميد بن ثور :
ولم ينته العصران يوم وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تمنيا
ويقال للغداة والعشي عصران ، ومنه قول الشاعر :وأمطله العصرين حتى يملني ويرضى بنصف الدين والأنف راغم
يروح بنا عمرو وقد قصر العصر وفي الروحة الأولى الغنيمة والأجر
قال الزجاج : قال بعضهم : معناه ورب العصر ، والأول أولى .
إن الإنسان لفي خسر هذا جواب القسم .
الخسر والخسران النقصان وذهاب رأس المال ، والمعنى : أن كل إنسان في المتاجر والمساعي وصرف الأعمار في أعمال الدنيا لفي نقص وضلال عن الحق حتى يموت .
وقيل المراد بالإنسان : الكافر ، وقيل جماعة من الكفار : وهم الوليد بن المغيرة ، ، والعاص بن وائل ، ، والأسود بن عبد المطلب بن أسد ، والأول أولى لما في لفظ الإنسان من العموم ولدلالة الاستثناء عليه .
قال الأخفش : في خسر في هلكة .
وقال الفراء : عقوبة .
وقال ابن زيد : لفي شر .
قرأ الجمهور والعصر بسكون الصاد .
وقرؤوا أيضا خسر بضم الخاء وسكون السين .
وقرأ يحيى بن سلام " والعصر " بكسر الصاد .
وقرأ الأعرج ، وطلحة ، وعيسى : " خسر " بضم الخاء والسين ، ورويت هذه القراءة عن عاصم .
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح ، فإنهم في ربح لا في خسر ، لأنهم عملوا للآخرة ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها ، والاستثناء متصل ومن قال : إن المراد بالإنسان الكافر فقط ، فيكون منقطعا ، ويدخل تحت هذا الاستثناء كل مؤمن ومؤمنة ، ولا وجه لما قيل من أن المراد الصحابة أو بعضهم ، فإن اللفظ عام لا يخرج عنه أحد ممن يتصف بالإيمان والعمل الصالح وتواصوا بالحق أي وصى بعضهم بعضا بالحق الذي يحق القيام به ، وهو الإيمان بالله والتوحيد ، والقيام بما شرعه الله ، واجتناب ما نهى عنه .
قال قتادة : بالحق : أي بالقرآن ، وقيل بالتوحيد ، والحمل على العموم أولى وتواصوا بالصبر أي بالصبر عن معاصي الله سبحانه والصبر على فرائضه .
وفي جعل التواصي بالصبر قرينا للتواصي بالحق دليل على عظيم قدره وفخامة شرفه ، ومزيد ثواب الصابرين على ما يحق الصبر عليه إن الله مع الصابرين [ البقرة : 153 ] وأيضا التواصي بالصبر مما يندرج تحت التواصي بالحق ، فإفراده بالذكر وتخصيصه بالنص عليه من أعظم الأدلة الدالة على إنافته على خصال الحق ، ومزيد شرفه عليها ، وارتفاع طبقته عنها .
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : والعصر قال : الدهر .
وأخرج ابن جرير عنه قال : هو ساعة من ساعات النهار .
وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال : هو ما قبل مغيب الشمس من العشي .
وأخرج الفريابي ، وأبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف عن علي بن أبي طالب أنه كان يقرأ والعصر ، ونوائب الدهر ، إن الإنسان لفي خسر ، وإنه فيه إلى آخر الدهر .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود أنه كان يقرأ : والعصر إن الإنسان لفي خسر ، وإنه لفيه إلى آخر الدهر . اهـ .


