[ ص: 254 ] النوع الحادي والعشرون .  
في معرفة العالي والنازل من أسانيده .  
اعلم أن طلب  علو الإسناد   سنة ، فإنه قرب إلى الله - تعالى - ، وقد قسمه أهل الحديث إلى خمسة أقسام ورأيتها تأتي هنا .  
الأول :  القرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم      - من حيث العدد بإسناد نظيف غير ضعيف ، وهو أفضل أنواع العلو وأجلها .  
وأعلى ما يقع للشيوخ في هذا الزمان إسناد رجاله أربعة عشر رجلا ، وإنما يقع ذلك من قراءة  ابن عامر     : من رواية  ابن ذكوان     .  
ثم خمسة عشر ; وإنما يقع ذلك من قراءة  عاصم     : من رواية  حفص  وقراءة  يعقوب     : من رواية  رويس .  
الثاني : من أقسام العلو عند المحدثين :  القرب إلى إمام من أئمة الحديث      :   كالأعمش  وهشيم  ،   وابن جريج  ،   والأوزاعي  ،  ومالك     . ونظيره هنا القرب إلى إمام من أئمة السبعة . فأعلى ما يقع اليوم للشيوخ بالإسناد المتصل بالتلاوة إلى  نافع     : اثنا عشر ، وإلى  عامر     : اثنا عشر .  
الثالث : عند المحدثين :  العلو بالنسبة إلى رواية أحد الكتب   الستة : بأن يروي حديثا لو رواه من طريق كتاب من الستة وقع أنزل مما لو رواه من غير طريقها ، ونظيره هنا العلو بالنسبة إلى بعض الكتب المشهورة في القراءات ،  كالتيسير والشاطبية      . ويقع في هذا النوع الموافقات ، والإبدال ، والمساواة ، والمصافحات .  
فالموافقة : أن تجتمع طريقه مع أحد أصحاب الكتب في شيخه ،   وقد لا يكون مع علو على ما لو رواه من طريقه وقد لا يكون .  
مثاله في هذا الفن :  قراءة  ابن كثير  رواية  البزي   ، طريق   ابن بنان ،  عن  أبي ربيعة  عنه ، يرويها  ابن الجزري  من  كتاب " المفتاح      "   لأبي منصور بن محمد بن عبد الملك بن خيرون ،  ومن      [ ص: 255 ] كتاب " المصباح "   لأبي الكرم الشهرزوري   ، وقرأ بها كل من المذكورين على  عبد السيد بن عتاب     . فروايته لها من أحد الطريقين ، تسمى موافقة للآخر ، باصطلاح أهل الحديث .  
والبدل : أن يجتمع معه شيخ شيخه فصاعدا   ، وقد يكون - أيضا - بعلو ، وقد لا يكون .  
مثاله : هنا  قراءة  أبي عمرو  ، رواية   الدوري   ، طريق  ابن مجاهد ،  عن  أبي الزعراء  عنه . رواها  ابن الجزري  من  كتاب " التيسير "   قرأ بها  الداني  على  أبي القاسم عبد العزيز بن جعفر البغدادي  ، وقرأ بها على  أبي طاهر ،  عن  ابن مجاهد     . ومن " المصباح " قرأ بها  أبو الكرم  ، على  أبي القاسم يحيى بن أحمد السبتي  ، وقرأ بها على   أبي الحسن الحمامي  ، وقرأ على  أبي طاهر  ، فروايته لها من طريق " المصباح " تسمى بدلا   للداني  في شيخ شيخه .  
والمساواة      : أن يكون بين الراوي والنبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابي أو من دونه ، إلى شيخ أحد أصحاب الكتب ، كما بين أحد أصحاب الكتب والنبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابي أو من دونه ، على ما ذكر من العدد .  
والمصافحة      : أن يكون أكثر عددا منه بواحد ، فكأنه لقي صاحب ذلك الكتاب ، وصافحه وأخذ عنه .  
مثاله قراءة  نافع  ، رواها  الشاطبي ،  عن  أبي عبد الله محمد بن علي النفري ،  عن  أبي عبد الله بن غلام الفرس ،  عن  سليمان بن نجاح  وغيره ، عن   أبي عمرو الداني ،  عن  أبي الفتح فارس بن أحمد ،  عن  عبد الباقي بن الحسن ،  عن  إبراهيم  ، عن  عمر المقرئ  ، عن  أبي الحسن بن بويان  ، عن  أبي بكر بن الأشعث ،  عن   أبي جعفر الربعي المعروف بأبي نشيط ،  عن   قالون ،  عن  نافع .  
ورواها  ابن الجزري ،  عن   أبي بكر الخياط ،  عن  أبي محمد البغدادي  وغيره ، عن  الصائغ ،  عن  الكمال بن فارس ،  عن   أبي اليمن الكندي ،  عن  أبي القاسم هبة الله بن أحمد الحريري ،  عن   أبي بكر الخياط ،  عن  الفرضي ،  عن  ابن بويان     .  
فهذه مساواة  لابن الجزري;  لأن بينه وبين  ابن بويان  سبعة ، وهو العدد الذي بين  الشاطبي  وبينه ، وهي لمن أخذ عن  ابن الجزري  مصافحة  للشاطبي     .  
ومما يشبه هذا التقسيم الذي لأهل الحديث ; تقسيم القراء أحوال الإسناد إلى قراءة ورواية وطريق ووجه .  
 [ ص: 256 ] فالخلاف : إن كان لأحد الأئمة السبعة أوالعشرة أو نحوهم واتفقت عليه الروايات والطرق عنه ، فهو قراءة .  
وإن كان للراوي عنه فرواية .  
أو لمن بعده فنازلا فطريق . أو لا على هذه الصفة مما هو راجع إلى تخيير القارئ فيه ، فوجه .  
الرابع :  من أقسام العلو : تقدم وفاة الشيخ عن قرينه   الذي أخذ عن شيخه : فالأخذ مثلا ، عن  التاج بن مكتوم  أعلى من الأخذ عن  أبي المعالي بن اللبان  ، وعن  ابن اللبان  أعلى من  البرهان الشامي  ، وإن اشتركوا في الأخذ عن  أبي حيان  لتقدم وفاة الأول على الثاني ، والثاني على الثالث .  
والخامس :  العلو بموت الشيخ لا مع التفات لأمر آخر   ، أو شيخ آخر متى يكون : قال بعض المحدثين : يوصف الإسناد بالعلو إذا مضى عليه من موت الشيخ خمسون سنة . وقال  ابن منده     : ثلاثون .  
فعلى هذا ، الأخذ عن أصحاب  ابن الجزري  عال من سنة ثلاث وستين وثمانمائة; لأن  ابن الجزري  آخر من كان سنده عاليا ومضى عليه حينئذ من موته ثلاثون سنة .  
فهذا ما حررته من قواعد الحديث ، وخرجت عليه قواعد القراءات ، ولم أسبق إليه ولله الحمد والمنة .  
وإذا عرفت العلو بأقسامه ، عرفت النزول ، فإنه ضده ، وحيث ذم النزول فهو ما لم ينجبر بكون رجاله أعلم و أحفظ و أتقن أو أجل أو أشهر أو أورع ، أما إذا كان كذلك فليس بمذموم ولا مفضول .  
				
						
						
