( 139 ) باب ذكر الدليل على أن في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة [ البقرة : 196 ] . اختصار كلام معناه : فحلقتم ، ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، كقوله - جل وعلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63اضرب بعصاك البحر فانفلق [ الشعراء : 63 ] . أراد : فيهن جميعا ، فضرب ، فاختصر الكلام وحذف فضرب ، والعلم محيط أن انفجار الحجر وانبجاسه وانفلاق البحر إنما كان عن ضربات
موسى - صلى الله عليه وسلم - ، ولا شك ولا ارتياب أن
موسى أطاع الله فيما أمر به من ضرب الحجر والبحر ، فكان انفلاق البحر وانفجار الحجر وانبجاسه بعد ضربه مسارعة منه إلى طاعة خالقه .
2678 - ثنا
محمد بن معمر القيسي ، ثنا
روح ، ثنا
شبل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16330عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=992677أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رآه ، وقمله يسقط على وجهه ، فقال : " nindex.php?page=treesubj&link=3438_3787أيؤذيك هوامك " قال : نعم ، فأمره أن يحلق وهو بالحديبية ، لم يبين لهم أن يحلوا بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة ، فأنزل الله - عز وجل - الفدية فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطعم فرقا بين ستة أو الهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام .
[ ص: 1270 ] قال
أبو بكر : قد بينت في كتاب الأيمان والكفارات مبلغ الفرق ، وأنه ثلاثة آصع ، وبينت أن الصاع أربعة أمداد ، وأن الفرق ستة عشر رطلا ، وأن الصاع ثلثه ، إذ الفرق ثلاثة آصع ، والصاع خمسة أرطال وثلث بدلائل أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه الآية من الجنس الذي يقول إن الله - عز وجل - أجمل فريضة ، وبين مبلغه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، إذ الله - عز وجل - أمر بالفدية في حلق الرأس في كتابه بصيام لم يذكر في الكتاب عدد أيام الصيام ، ولا مبلغ الصدقة ، ولا عدد من يصدق بصدقة الفدية عليهم ، ولا وصف النسك ، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ولاه الله - عز وجل - بيان ما أنزل عليه من وجه أن الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة ثلاثة آصع على ستة مساكين ، وأن النسك شاة ، وذكر النسك في هذا الخبر هو من الجنس الذي يقول إن الحكم بالمثل والشبه والنظير واجب ، فسبع بقرة ، وسبع بدنة في فدية حلق الرأس جائز أو سبع بقرة ، وسبع بدنة يقوم مقام شاة في الفدية ، وفي الأضحية والهدي ، ولم يختلف العلماء أن سبع بدنة ، وسبع بقرة يقوم كل سبع منها مقام شاة في هدي التمتع والقران والأضحية ، لم يختلفوا في ذلك الأمر ، زعم أن القران لا يكون إلا بسوق بدنة أو بقرة .
قال بعض أهل العلم : إن عشر بدنة يقوم مقام شاة في جميع ذلك ، فمن أجاز عشر بدنة في ذلك كان لسبعه أجوز ، إذ السبع أكثر من العشر ، وقد كنت أمليت على بعض أصحابنا مسألة في هذه الآية ، وبينت أن الله - عز وجل - قد يوجب الشيء في كتابه بمعنى ، وقد يجب ذلك الشيء بغير ذلك المعنى الذي أوجبه الله في الكتاب إما على لسان نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أو على لسان أمته ؛ لأن الله - عز وجل - إنما أوجب في هذه الآية على من أصابه في رأسه ، أو كان به مرض فحلق رأسه ، وقد تجب عند جميع العلماء هذه الفدية على حالق الرأس ، وإن لم يكن به أذى من رأسه ، ولا كان مريضا ، وكان عاصيا
[ ص: 1271 ] بحلق رأسه إذا لم يكن برأسه أذى ، ولا كان به مرض ، فبينت في ذلك الموضع أن الحكم بالنظير والشبيه في هذا الموضع واجب ، ولو لم يجز الحكم للمثل والشبيه والنظير لم يجب على من جز شعر رأسه بمقراض أو فدية ، إذ اسم الحلق لا يقع على الجز ، ولكن إذا وجب الحكم بالنظير والشبيه والمثل كان على جاز شعر الرأس في الإحرام من الفدية ما على الحالق ، وهذه مسألة طويلة قد أمليتها في ذلك الموضع .
( 139 ) بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ [ الْبَقَرَةِ : 196 ] . اخْتِصَارَ كَلَامٍ مَعْنَاهُ : فَحَلَقْتُمْ ، فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ، كَقَوْلِهِ - جَلَّ وَعَلَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ [ الشُّعَرَاءِ : 63 ] . أَرَادَ : فِيهِنَّ جَمِيعًا ، فَضَرَبَ ، فَاخْتَصَرَ الْكَلَامَ وَحَذَفَ فَضَرَبَ ، وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ أَنَّ انْفِجَارَ الْحَجَرِ وَانْبِجَاسُهُ وَانْفَلَاقَ الْبَحْرِ إِنَّمَا كَانَ عَنْ ضَرَبَاتِ
مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَا شَكَّ وَلَا ارْتِيَابَ أَنَّ
مُوسَى أَطَاعَ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ ضَرْبِ الْحَجَرِ وَالْبَحْرِ ، فَكَانَ انْفِلَاقُ الْبَحْرِ وَانْفِجَارُ الْحَجَرِ وَانْبِجَاسُهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ مُسَارَعَةً مِنْهُ إِلَى طَاعَةِ خَالِقِهِ .
2678 - ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْقَيْسِيُّ ، ثَنَا
رَوْحٌ ، ثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16330عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=167كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=992677أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَآهُ ، وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ ، فَقَالَ : " nindex.php?page=treesubj&link=3438_3787أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ " قَالَ : نَعَمْ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ، لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا بِهَا وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْفِدْيَةَ فَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ أَوِ الْهَدْيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
[ ص: 1270 ] قَالَ
أَبُو بَكْرٍ : قَدْ بَيَّنْتُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالْكَفَّارَاتِ مَبْلَغَ الْفَرَقِ ، وَأَنَّهُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ ، وَبَيَّنْتُ أَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ ، وَأَنَّ الْفَرَقَ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا ، وَأَنَّ الصَّاعَ ثُلُثُهُ ، إِذِ الْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ ، وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِدَلَائِلِ أَخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَجْمَلَ فَرِيضَةً ، وَبَيَّنَ مَبْلَغَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، إِذِ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمَرَ بِالْفِدْيَةِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِي كِتَابِهِ بِصِيَامٍ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ عَدَدَ أَيَّامِ الصِّيَامِ ، وَلَا مَبْلَغَ الصَّدَقَةِ ، وَلَا عَدَدَ مَنْ يُصَدَّقُ بِصَدَقَةِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِمْ ، وَلَا وَصَفَ النُّسُكَ ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي وَلَّاهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بَيَانَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهِ أَنَّ الصِّيَامَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَالصَّدَقَةَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينٍ ، وَأَنَّ النُّسُكَ شَاةٌ ، وَذِكْرُ النُّسُكِ فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي يَقُولُ إِنَّ الْحُكْمَ بِالْمِثْلِ وَالشَّبَهِ وَالنَّظِيرِ وَاجِبٌ ، فَسُبْعُ بَقَرَةٍ ، وَسُبْعُ بَدَنَةٍ فِي فِدْيَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ جَائِزٌ أَوْ سُبْعُ بَقَرَةٍ ، وَسُبْعُ بَدَنَةٍ يَقُومُ مَقَامَ شَاةٍ فِي الْفِدْيَةِ ، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ سُبْعَ بَدَنَةٍ ، وَسُبْعَ بَقَرَةٍ يَقُومُ كُلُّ سُبْعٍ مِنْهَا مَقَامَ شَاةٍ فِي هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَةِ ، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ ، زَعَمَ أَنَّ الْقِرَانَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِسَوْقِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ .
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِنَّ عُشْرَ بَدَنَةٍ يَقُومُ مَقَامَ شَاةٍ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، فَمَنْ أَجَازَ عُشْرَ بَدَنَةٍ فِي ذَلِكَ كَانَ لِسُبْعِهِ أَجُوزَ ، إِذِ السُّبْعُ أَكْثَرُ مِنَ الْعُشْرِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَمْلَيْتُ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا مَسْأَلَةً فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَبَيَّنْتُ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ يُوجِبُ الشَّيْءَ فِي كِتَابِهِ بِمَعْنًى ، وَقَدْ يَجِبُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ إِمَّا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَلَى لِسَانِ أُمَّتِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - إِنَّمَا أَوْجَبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ فِي رَأْسِهِ ، أَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ فَحَلَقَ رَأْسَهُ ، وَقَدْ تَجِبُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْفِدْيَةُ عَلَى حَالِقِ الرَّأْسِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ، وَلَا كَانَ مَرِيضًا ، وَكَانَ عَاصِيًا
[ ص: 1271 ] بِحَلْقِ رَأْسِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ أَذًى ، وَلَا كَانَ بِهِ مَرِضٌ ، فَبَيَّنْتُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالنَّظِيرِ وَالشَّبِيهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاجِبٌ ، وَلَوْ لَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ لِلْمَثَلِ وَالشَّبِيهِ وَالنَّظِيرِ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ جَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ بِمِقْرَاضٍ أَوْ فِدْيَةٍ ، إِذِ اسْمُ الْحِلَقِ لَا يَقَعُ عَلَى الْجَزِّ ، وَلَكِنْ إِذَا وَجَبَ الْحُكْمُ بِالنَّظِيرِ وَالشَّبِيهِ وَالْمَثَلِ كَانَ عَلَى جَازِّ شَعْرَ الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَامِ مِنَ الْفِدْيَةِ مَا عَلَى الْحَالِقِ ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ طَوِيلَةٌ قَدْ أَمْلَيْتُهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ .