الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1802 حديث تاسع لأبي النضر

مالك ، عن أبي النضر ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده ، قال : فوجد عنده سهل بن حنيف ، قال : فدعا أبو طلحة إنسانا فنزع نمطا كان تحته ، فقال له سهل : لم نزعته ، قال : لأن فيه تصاوير ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ما قد علمت ، قال سهل : أو لم يقل : إلا ما كان رقما في ثوب ؟ قال : بلى ، ولكنه أطيب لنفسي .

[ ص: 192 ]

التالي السابق


[ ص: 192 ] لم يختلف الرواة عن مالك في إسناد هذا الحديث , ومتنه في الموطأ ، وفيه عن عبيد الله أنه دخل على أبي طلحة ، فأنكر ذلك بعض أهل العلم ، وقال : لم يلق عبيد الله أبا طلحة ، وما أدري كيف قال ذلك ، وهو يروي حديث مالك هذا ؟ وأظن ذلك - والله أعلم - من أجل أن بعض أهل السير ، قال : توفي أبو طلحة سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان - رضي الله عنه - وعبيد الله لم يكن في ذلك الوقت ممن يصح له سماع .

قال أبو عمر :

اختلف في وفاة أبي طلحة ، وأصح شيء في ذلك : ما رواه أبو زرعة ، قال : سمعت أبا نعيم ، يحدث عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : سرد أبو طلحة الصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة ، فكيف يجوز أن يقال إنه مات سنة أربع وثلاثين ، وهو قد صام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة ؟ وإذا كان ذلك ، كما ذكرنا صح أن وفاته لم تكن إلا بعد خمسين سنة من الهجرة ، والله أعلم .

وأما سهل بن حنيف ، فلا يشك عالم بأن عبيد الله بن عبد الله لم يره ، ولا لقيه ، ولا سمع منه ، وذكره في هذا الحديث خطأ ، لا شك فيه ; لأن سهل بن حنيف توفي سنة ثمان وثلاثين ، وصلى عليه علي - رضي الله عنه - ولا يذكره في الأغلب عبيد الله بن عبد الله لصغر سنه يومئذ ، والصواب في ذلك ، والله أعلم : عثمان بن حنيف ، وكذلك رواه محمد بن إسحاق ، عن أبي النضر سالم ، عن عبيد الله بن عبد الله ، قال : انصرفت مع عثمان بن حنيف إلى دار [ ص: 193 ] أبي طلحة نعوده ، فوجدنا تحته نمطا ، وساق الحديث ، بمعنى حديث مالك ، عن أبي النضر .

واختلف في وفاة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، فقال ابن بكير ، عن يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، قال : مات عبيد الله بن عبد الله قبل علي بن حسين .

قال أبو عمر :

مات علي بن حسين - رحمه الله - سنة أربعة وتسعين ، وفيها مات عروة ، وأبو سلمة ، وجماعة من الفقهاء ، وقال الواقدي : توفي عبيد الله بن عبد الله سنة ثمان وتسعين ، وقال يحيى بن معين : مات عبيد الله بن عبد الله سنة اثنتين ومائة ، قال : ويقال : سنة تسع وتسعين .

قال أبو عمر :

قول محمد بن عمر الواقدي ، أصح ما في ذلك عندنا ، وهو أعلم بهذا الشأن .

قال أبو عمر :

قد يكون إنكار من أنكر هذا الحديث في دخول عبيد الله على أبي طلحة وسهل بن حنيف من أجل رواية ابن شهاب لهذا الحديث على ما رواه ابن أبي ذئب ، فصح بهذا وهم مالك في سهل بن حنيف ، وكذلك وهم أبو النضر في روايته له عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي طلحة ، ولم يدخل بينهما ابن عباس ، فالصحيح في هذا الحديث رواية الزهري له عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن أبي طلحة ، كذا قال علي بن المديني وغيره وهو عندي كما قالوه ، والله أعلم .

فأما رواية ابن شهاب له ، فحدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا ابن أبي الخصيب ، قال : حدثنا عبد الله بن الحسن بن أبي شعيب ، قال : حدثنا يحيى بن [ ص: 194 ] عبد الله ، قال : حدثنا أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب العامري المدني ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن عباس ، عن أبي طلحة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تدخل الملائكة بيتا فيه تصاوير .

وحدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا محمد بن أحمد القاضي الذهلي ، قال : حدثنا أبو مسلم الكشي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن أبي طلحة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة .

وقد خالف الأوزاعي ابن أبي ذئب في هذا الحديث .

حدثنا قاسم بن محمد ، حدثنا خالد بن سعد ، وحدثنا أحمد بن عمر ، حدثنا عبد الله بن محمد ، قالا : حدثنا محمد بن فطيس ، قال : حدثنا بحر بن نصر ، قال : حدثنا بشر بن بكر ، قال : حدثنا الأوزاعي ، أخبرني الزهري ، قال : حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : حدثني أبو طلحة الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة .

قال أبو عمر :

هذا عندهم خطأ من الأوزاعي ، وكان في حفظه شيء لم يكن بالحافظ ، وقد تابع ابن أبي ذئب عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ومعمر .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير القاضي الذهلي ، قال : حدثنا أبو مسلم الكشي ، قال : حدثنا عبد الله [ ص: 195 ] بن رجاء ، قال : حدثنا عبد العزيز بن الماجشون ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن أبي طلحة ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة .

وحديث معمر رواه علي بن المديني وغيره ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، أنه سمع ابن عباس ، يقول : سمعت أبا طلحة يقول ، فذكره ، وقد يحتمل أن يكون حديث ابن شهاب في هذا الباب غير حديث أبي النضر ; لأن في حديث ابن شهاب عموم الصور ، دون استثناء شيء منها .

وفي حديث أبي النضر استثناء ما كان رقما في ثوب ، وفيه جمع سهل بن حنيف في ذلك مع أبي طلحة ، فهو غير حديث أبي النضر ، والله أعلم .

وقد كان ابن شهاب يذهب في هذا الباب إلى استعمال العموم في كراهة الصور كلها على ما ذكرنا عنه في باب إسحاق من هذا الكتاب ، وحديث نافع ، عن القاسم بن محمد ، بمثل حديث ابن شهاب ، عام أيضا في الثياب وغيرها ، وقد ذكرنا ذلك في باب نافع من كتابنا هذا .

وقد روى عبد العزيز بن عمران ، عن مالك بن أنس ، عن الزهري وأبي النضر جميعا ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي طلحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التصاوير في البيوت ، وهو غريب لمالك عن الزهري خاصة تفرد به عنه عبد العزيز بن عمران ، رواه عنه يعقوب بن محمد الزهري .

وللعلماء في هذا الباب أقاويل ومذاهب ، منها : أنه لا يجوز أن يمسك الثوب الذي فيه تصاوير وتماثيل سواء كان منصوبا أو مبسوطا ، ولا يجوز [ ص: 196 ] دخول البيت الذي فيه التصاوير والتماثيل في حيطانه ، وذلك مكروه كله ; لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تدخل الملائكة بيتا فيه تصاوير ، فإن فعل ذلك فاعل بعد علمه بالنهي عن ذلك ، كان عاصيا عندهم ، ولم يحرم عليه بذلك مالك الثوب ولا البيت ، ولكنه ينبغي له أن يتنزه عن ذلك كله ويكرهه وينابذه ; لما ورد من النهي فيه .

وحجة من ذهب هذا المذهب في الثياب ، وفي حيطان البيوت ، وغيرها : حديث ابن شهاب ، وغيره ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مستترة بقرام فيه صور ، فتلون وجهه ، وتناول الستر فهتكه ، ثم قال : إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله .

وروى نافع هذا الخبر ، عن القاسم بهذا المعنى ، وزاد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن البيت الذي فيه الصور ، لا يدخله الملائكة .

وقد ذكرنا هذا الخبر من طرق في باب نافع من كتابنا هذا ، وذكرنا هناك اختلاف ألفاظ ناقليه ، وأن زيادة من زاد فيه من الثقات الحفاظ إباحة ما يتوسد من ذلك ويرتفق به ويمتهن ، يجب قبولها ، وإن كان ظاهر حديث مالك في ذلك كراهية عموم الصور على كل حال ، وإلى ذلك ذهب ابن شهاب ، وهو راوية الحديث ، والله أعلم لمخرجه .

ذكر ابن أبي شيبة ، عن عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، أنه كان يكره التصاوير ، ما نصب منها وما بسط ، وكان مالك لا يرى بذلك بأسا في البسط والوسائد والثياب ، على حديث سهل بن حنيف هذا : إلا ما كان رقما في ثوب ، وقد ذكرنا مذهب مالك في الصور والتماثيل على كل حال ، ومذهب سائر [ ص: 197 ] فقهاء الأمصار فيها في باب إسحاق بن أبي طلحة من هذا الكتاب ، فلا وجه لإعادة ذلك هاهنا ، ونذكر هاهنا ما جاء ، عن السلف من الصحابة والتابعين في ذلك مما بلغنا عنهم لتتم فائدة الكتاب ، إن شاء الله .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : كان على بابي درنوك فيه الخيل ذوات الأجنحة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ألقوا هذا .

وقال آخرون : إنما يكره من الصور ما كان في الحيطان وصور في البيوت ، وأما ما كان رقما في ثوب فلا .

واحتجوا بحديث سهل بن حنيف وأبي طلحة وهو حديث أبي النضر المذكور في هذا الباب فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما كان رقما في ثوب ، فكل صورة مرقومة في ثوب ، فلا بأس بها على كل حال ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استثنى الرقم في الثوب ، ولم يخص من ذلك شيئا ولا نوعا ، وذكروا عن القاسم ، وهو راوية حديث عائشة ما رواه ابن أبي شيبة ، عن أزهر ، عن ابن عون ، قال : دخلت على القاسم ، وهو بأعلى مكة في بيته ، فرأيت في بيته حجلة فيه تصاوير السندس والعنقاء .

وقال آخرون : لا يجوز استعمال شيء من الصور رقما كان في ثوب أو غير ذلك ، إلا أن يكون [ ص: 198 ] الثوب يوطأ ويمتهن ، فأما أن ينصب كالستر ونحوه فلا ، قالوا : وفي حديث عائشة من رواية ابن شهاب ما يخص الثياب ويعينها ، وهو يعارض حديث سهل بن حنيف وأبي طلحة ، إلا أنا قد روينا عن عائشة أن ذلك من الثياب فيما ينصب دون ما يبسط ، فبان بذلك وجه الحديثين ، وأنهما غير متعارضين ، وعائشة قد علمت مخرج حديثها ، ووقفت عليه .

وذكروا من الأثر ما رواه وكيع وغيره ، عن أسامة بن زيد ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : سترت سهوة لي بستر فيه تصاوير ، فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - هتكه ، فجعلت منه منبذتين ، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - متكئا على إحداهما . قالوا ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كره من ذلك ما كان سترا منصوبا ، ولم يكره ما اتكأ عليه من ذلك وامتهنه .

قال أبو عمر :

وقد يحتمل أن يكون الستر لما هتكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تغيرت صورته وتهتكت ، فلما صنع منه ما يتكأ عليه ، لم تظهر فيه صورة بتمامها ، وإذا احتمل هذا لم يكن في حديث عائشة هذا حجة على ابن شهاب ، ومن ذهب مذهبه ، إلا أن من سلف من العلماء جماعة ذهبوا إلى ما كان من رقم الصور فيما يوطأ ويمتهن ويتكأ عليه من الثياب ، لا بأس به .

ذكر ابن أبي شيبة ، عن حفص بن غياث ، عن الجعد ، رجل من أهل المدينة ، قال : حدثتني ابنة سعد أن أباها جاء من فارس بوسائد فيها تماثيل ، فكنا نبسطها .

وعن ابن فضيل ، عن ليث ، قال : رأيت سالم بن عبد الله متكئا على وسادة حمراء فيها تماثيل ، فقلت له في ذلك ، فقال : إنما يكره هذا لمن ينصبه ويصنعه [ ص: 199 ] وعن ابن المبارك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه كان يتكئ على المرافق فيها التماثيل : الطير والرجال .

وعن ابن علية ، عن سلمة بن علقمة ، عن محمد بن سيرين ، قال : كانوا لا يرون ما وطئ وبسط من التصاوير مثل الذي نصب .

وعن إسماعيل بن علية أيضا ، عن أيوب ، عن عكرمة ، أنه كان يقول في التصاوير في الوسائد والبسط التي توطأ : هو أذل لها .

وعن أبي معاوية ، عن عاصم ، عن عكرمة ، قال : كانوا يكرهون ما نصب من التماثيل نصبا ، ولا يرون بأسا بما وطئته الأقدام .

وعن ابن إدريس ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، أنه كان لا يرى بأسا بما وطئ من التصاوير .

وعن ابن يمان ، عن عثمان بن الأسود ، عن عكرمة بن خالد ، قال : لا بأس بالصورة ، إذا كانت توطأ .

وعن ابن يمان ، عن الربيع بن المنذر ، عن سعيد بن جبير ، قال : لا بأس بالصورة إذا كانت توطأ .

وعن عبد الرحيم بن سليمان ، عن عبد الملك ، عن عطاء في التماثيل ما كان مبسوطا يوطأ أو يبسط ، فلا بأس به ، وما كان منه ينصب فإني أكرهها .

وعن الحسن بن موسى الأشهب ، عن حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن سالم بن عبد الله ، قال : كانوا لا يرون بما يوطأ من التصاوير بأسا .

قال أبو عمر :

هذا أعدل المذاهب وأوسطها في هذا الباب ، وعليه أكثر العلماء ، ومن حمل عليه الآثار لم تتعارض على هذا التأويل ، وهو أولى ما اعتقد فيه ، والله الموفق للصواب ، وقد ذهب قوم إلى أن ما قطع رأسه فليس بصورة .

[ ص: 200 ] روى أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن شعبة مولى ابن عباس ، قال : دخل المسور بن مخرمة على ابن عباس ، وهو مريض ، وعليه ثوب إستبرق ، وبين يديه ثوب عليه تصاوير ، فقال : المسور : ما هذا يا ابن عباس ، فقال ابن عباس : ما علمت به ، وما أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا إلا للكبر والتجبر ، ولسنا - بحمد الله - كذلك ، فلما خرج المسور أمر ابن عباس بالثوب فنزع عنه ، وقال : اقطعوا رءوس هذه التصاوير .

وروى ابن المبارك ، قال : أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، قال : حدثنا مجاهد ، قال : حدثنا أبو هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن جبريل أتاني البارحة ، فلم يمنعه أن يدخل إلي إلا أنه كان في البيت حجال وستر فيه تماثيل وكلب ، فأمر برأس التمثال أن يقطع ، وبالستر أن يثنى ويجعل منه وسادتان توطآن ، وبالكلب أن يخرج .

وذكر ابن أبي شيبة ، عن ابن علية ، عن أيوب ، عن عكرمة ، قال : إنما الصورة الرأس ، فإذا قطع فلا بأس .

وعن يحيى بن سعيد ، عن سلمة أبي بشر ، عن عكرمة في قوله ( الذين يؤذون الله ورسوله ) ، قال : أصحاب التصاوير .

وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الصورة المكروهة في صنعتها واتخاذها ما كان له روح ، وحجتهم حديث القاسم ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ، يقال لهم : أحيوا ما [ ص: 201 ] خلقتم . ففي هذا دليل على أن الحياة إنما قصد بذكرها إلى الحيوان ذوات الأرواح .

وقد حدثنا أحمد بن قاسم ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا هوذة بن خليفة ، قال : حدثنا عوف ، عن سعيد بن أبي الحسن ، قال كنت عند ابن عباس إذ جاءه رجل ، فقال : إني أردت أن أنمي معيشتي من صنعة يدي ، وإني أصنع هذه التصاوير ، فقال ابن عباس : لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : سمعته يقول : من صور صورة ، فإن الله معذبه يوم القيامة ، حتى ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ فيها أبدا ، قال : فكبا لها الرجل كبوة شديدة ، واصفر وجهه ، ثم قال : ويحك إن أبيت إلا أن تصنع ، فعليك بهذه الشجر ، وكل شيء ليس فيه روح ، وقد كان مجاهد يكره صورة الشجر ، وهذا لا أعلم أحدا تابعه على ذلك .

ذكر ابن أبي شيبة ، عن عبد السلام ، عن ليث ، عن مجاهد ، أنه كان يكره أن يصور الشجر المثمر .

ومما يدل على أن الاختلاف في هذا الباب قديم : ما ذكره ابن أبي شيبة ، عن ابن علية ، عن ابن عون ، قال : كان في مجلس محمد بن سيرين وسائد فيها تماثيل عصافير ، فكان أناس يقولون في ذلك ؟ فقال : محمد : إن هؤلاء قد أكثروا علينا ، فلو حولتموها ، وهذا من ورع ابن سيرين ، رحمه الله .




الخدمات العلمية