الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1827 [ ص: 16 ] [ ص: 17 ] نافع ، عن أبي لبابة ، حديث واحد وهو ثامن وستون

اسم أبي لبابة هذا : بشير ، ويقال : رفاعة بن عبد المنذر ، وقد ذكرناه في الصحابة ونسبناه .

مالك ، عن نافع ، عن أبي لبابة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل الجنان التي في البيوت .

التالي السابق


هكذا قال يحيى ، عن مالك ، عن نافع ، عن أبي لبابة ، وتابعه أكثر الرواة عن مالك ، وقال ابن وهب : عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن أبي لبابة ، والصحيح ما قاله يحيى ، وغيره ، عن مالك ، عن نافع ، عن أبي لبابة ; لأن نافعا سمع هذا الحديث مع ابن عمر من أبي لبابة ، وكذلك سمع حديث [ ص: 18 ] الصرف من أبي سعيد الخدري ، وكان دخوله عليه مع ابن عمر ، فحدثهما بحديث الصرف المذكور . والجنان : الحيات ، أنشد نفطويه للخطفي جد جرير ، واسمه حذيفة :

يرفعن لليل إذا ما أسدفا أعناق جنان وهاما رجفا وعنقا باقي الرسيم خيطفا

.

قال نفطويه : وبهذه الأبيات سمي الخطفي ، قال : وقال قطرب : السدفة من الأضداد ، تكون الظلمة ، وتكون الضياء ، قال أبو عبيد : هي الضياء في لغة قيس ، والظلمة في لغة تميم ، وقال ابن الأعرابي : هي الظلمة يخالطها الضياء قال : والجنان : ضرب من الحيات ، وقوله : رجفا ، أي : محركة ، والعنق : ضرب من السير ، والرسيم مثله ، والخطفا والخيطفاء هي السرعة .

وقال الخليل بن أحمد : الجنان : الحية ، قال : والجنان أيضا أبو الجن ، وجمعه : الجنة والجنان : تبدل حال بعد حال عهدتها تناوح جنان بهن وخيل قال ابن أبي ليلى : الجن : الذين لا يتعرضون للناس ، والخيل : الذين يتخيلون للناس ويؤذونهم ، ويروى عن ابن عباس : الجنان : مسخ الجن ، كما مسخت القردة من بني إسرائيل .

[ ص: 19 ] أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو الطاهر ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أسامة بن زيد الليثي ، عن نافع ، أن أبا لبابة مر بعبد الله بن عمر ، وهو عند الأطم الذي عند دار عمر بن الخطاب يرصد حية ، فقال أبو لبابة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - يا أبا عبد الرحمن - قد نهى عن قتل عوامر البيوت ، فانتهى عبد الله بن عمر عن ذلك ، ثم وجد بعد في بيته حية ، فأمر بها فطرحت ببطحان ، قال نافع : ثم رأيتها بعد ذلك في بيته . قال ابن وهب : عوامر البيوت ، تتمثل في صفة حية رقيقة في البيوت بالمدينة لا غيرها ، ففيها جاء النهي عن قتلها حتى تنذر ، قال : وأما التي في الصحاري فلا .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان - قراءة مني عليه - أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، قال : أخبرني نافع ، أنه سمع أبا لبابة يحدث عن عمر ، عن النبي عليه السلام أنه نهى عن قتل الجنان ، لم يقل القطان التي في البيوت أو غيره .

قال أبو عمر : كل من روى هذا الحديث عن مالك ، عن نافع ، عن أبي لبابة ، لم يزد فيه على قوله : إن رسول [ ص: 20 ] الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل الجنان التي في البيوت - إلا القعنبي وحده - فإنه زاد فيه : عن مالك ، عن نافع ، عن أبي لبابة ، قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الجنان التي تكون في البيوت ، إلا أن يكون ذا الطفيتين والأبتر ، فإنهما يخطفان البصر ، ويطرحان ما في بطون النساء وهذه الزيادة قوله : إلا أن يكون ذا الطفيتين . . . إلى آخر الحديث ، لم يقله أحد في حديث أبي لبابة ، إلا القعنبي وحده ، وليس بصحيح في حديث أبي لبابة ، وهو وهم ، وإنما هذا اللفظ محفوظ من حديث ابن عمر ، عن النبي عليه السلام ، ومن حديث سائبة ، عن عائشة ، عن النبي عليه السلام ، ومنهم من ذكره عن سائبة ، عن النبي عليه السلام مرسلا .

وأما حديث أبي لبابة ، فليس إلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل الجنان التي في البيوت ، لا غير ، إلا ما زاد القعنبي ، وهو غلط - والله أعلم - في حديث أبي لبابة ، وهو محفوظ من حديث ابن عمر ، وعائشة كما وصفت لك .

[ ص: 21 ] حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال : أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا أبو جعفر بن الأعجم ، قال : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمد ، قال : سمعت عبيد الله يحدث ، عن نافع ، عن أبي لبابة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تقتلوا الجنان التي في البيوت .

وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، أن أباه أخبره ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا الحسن بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، أن ابن عمر كان يقتل الحيات كلها ، ويقول : إن الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل ، حتى حدثه أبو لبابة البدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت ، قال : فوجد ابن عمر بعد ذلك حية في داره ، فأمر بها فأخرجت إلى البقيع .

قال أبو عمر : هذا هو الصحيح في حديث أبي لبابة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت لا غير .

وأما حديث ابن عمر ، ففيه ذكر ذي الطفيتين والأبتر ، روى معمر ، وغيره ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، [ ص: 22 ] قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : اقتلوا الحيات ، واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر ، فإنهما يسقطان الحبل ، ويطمسان البصر قال ابن عمر : فرآني أبو لبابة - أو زيد بن الخطاب - وأنا أطارد حية ; لأقتلها فنهاني ، فقلت : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بقتلهن ، فقال : إنه قد نهى بعد ذلك عن قتل ذوات البيوت ، فقد بان في حديث الزهري رواية ابن عمر من رواية أبي لبابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وكذلك رواه يونس ، والليث ، وابن عيينة ، وغيرهم بمعنى حديث معمر عنه سواء ، وقال فيه بكير بن الأشج : عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي عليه السلام : فمن وجد ذا الطفيتين والأبتر فلم يقتلهما ، فليس منا وهذا الحديث لم يسمعه بكير من سالم .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو إسماعيل ، قال : حدثنا أصبغ بن الفرج ، قال : حدثنا ابن وهب ، عن عمرو بن الحرث ، أنه أخبره أن بكيرا حدثه ، أن عبد الله بن عبد الرحمن حدثه ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اقتلوا الحيات ، ومن وجد ذا الطفيتين والأبتر ، فلم يقتلهما ، فليس منا ، فإنهما اللذان يخطفان البصر ، ويسقطان ما في بطون النساء .

[ ص: 23 ] قال أبو عمر : يقال : إن ذا الطفيتين ، حنش يكون على ظهره خطان أبيضان ، ويقال : إن الأبتر : الأفعى ، وقيل : إنه حنش أبتر ، كأنه مقطوع الذنب ، وقال النضر بن شميل : الأبتر من الحيات : صنف أزرق ، مقطوع الذنب ، لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها ، والله أعلم .

قال أبو عمر : اختلف العلماء في قتل الحيات جملة ، فقال منهم قائلون : تقتل الحيات كلها ، في البيوت ، والصحاري ، في المدينة ، وغير المدينة ، لم يستثنوا منها نوعا ولا جنسا ، ولا استثنوا في قتلهن موضعا ، وسنذكر اختلافهم في إذنها بالمدينة وغيرها في باب صيفي ، إن شاء الله .

ومن حجتهم : حديث عبد الله بن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من قتل حية ، فكأنما قتل كافرا ولم يخص حية من حية ، وحديث ابن مسعود ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : من ترك الجنان ، فلم يقتلهن مخافة ثأرهن ، فليس منا .

ومن حجتهم - أيضا - ما مضى من الأحاديث ، فيما سلف من هذا الباب في قتل الحية ، في الحل والحرم .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا محمد بن قدامة ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن زيد بن حبيش ، عن عبد الله ، قال : من قتل حية [ ص: 24 ] أو عقربا قتل كافرا ، وروي من طريق أبي الأحوص ، عن ابن مسعود ، عن النبي عليه السلام مرفوعا .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عبد الحميد بن حيان السكري ، عن إسحاق بن يوسف ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقتلوا الحيات كلهن ، فمن خاف ثأرهن ، فليس منا .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن عبد السلام ، قال : حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما سالمناهن منذ حاربناهن ، فمن ترك شيئا منهن خيفة ، فليس منا ، يعني الحيات .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما سالمناهن منذ حاربناهن ، ومن ترك شيئا منهن خيفة ، فليس منا .

[ ص: 25 ] أخبرنا خلف بن قاسم ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن الورد ، وأبو يوسف يعقوب بن المبارك ، قالا : حدثنا أبو زكرياء يحيى بن أيوب بن بادي العلاف ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : أخبرني محمد بن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الحيات : ما سالمناهن منذ عاديناهن ، ومن ترك منهن شيئا خيفة ، فليس منا .

قال يحيى بن أيوب : سئل أحمد بن صالح ، عن تفسير ما سالمناهن منذ عاديناهن فقيل له : متى كانت العداوة ؟ قال : حين أخرج آدم من الجنة ، قال الله عز وجل ( اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ) .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا مضر بن محمد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الخزاعي ، قال : قرأنا على معقل بن عبيد الله ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : اقتلوا الحيات ، واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر ، فإنهما يطمسان البصر ، ويسقطان الحبالى ، ويوضعان الغنم قالوا : ففي هذه الأحاديث قتل الحيات جملة : ذي الطفيتين وغيره ، وكذلك الأحاديث التي قبلها ، لم يخص شيئا دون شيء .

[ ص: 26 ] وقال آخرون : لا يقتل من الحيات ما كان في البيوت بالمدينة خاصة ، إلا أن ينذر ثلاثا ، وما كان في غيرها فيقتل في البيوت وغير البيوت ، ذا الطفيتين كان أو غيره .

ومن حجتهم : حديث أبي سعيد الخدري ، من رواية صيفي ، عن أبي السائب ، عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن نفرا من الجن بالمدينة أسلموا ، فإذا رأيتم أحدا منهم فحذروه ثلاثة أيام ، ثم إن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه .

وروى أبو حازم ، عن سهل بن سعد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه بمعناه . .

ومن حديث سهل بن سعد أيضا ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن لهذه البيوت عوامر ، فإذا رأيتم منها شيئا فتعوذوا منه ، فإن عاد فاقتلوه . وهذا يحتمل أن يكون إشارة إلى بيوت المدينة ، وهو الأظهر ، ويحتمل أن يكون إلى جنس البيوت ، والله أعلم ، وسيأتي ذكر حديث أبي سعيد الخدري ، وحديث سهل بن سعد في تخصيص حيات المدينة بالإذن ، في باب صيفي من هذا الكتاب ، إن شاء الله .

وقال آخرون : لا تقتل حيات البيوت بالمدينة ، ولا بغيرها حتى تؤذن ، فإن عادت قتلت . ومن حجتهم : ما حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا سعيد بن [ ص: 27 ] سليمان ، عن علي بن هاشم ، قال : حدثنا ابن أبي ليلى ، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن حيات البيوت ، فقال : إذا رأيتم منهن شيئا في مساكنكم ، فقولوا : أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان أن تؤذونا ، فإن عدن فاقتلوهن . .

فلم يخص في هذا الحديث بيوت المدينة من غيرها ، وهو عندي محتمل للتأويل ، والأظهر فيه العموم ، وقال آخرون : لا تقتل ذوات البيوت من الحيات بالمدينة أو بغير المدينة ، واحتجوا بظاهر حديث أبي لبابة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن قتل الجنان التي في البيوت - لم يخص بيتا من بيت ، ولا موضعا من موضع ، ولم يذكر الإذن فيهن . .

وقال آخرون : يقتل من حيات البيوت : ذو الطفيتين ، والأبتر ، خاصة بالمدينة وغيرها من المواضع ، دون إذن ولا إنذار ، ولا يقتل من ذوات البيوت غير هذين الجنسين من الحيات ، واحتجوا بما حدثناه سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، قال : حدثنا مالك [ ص: 28 ] بن أنس ، عن نافع ، عن أبي لبابة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت ، إلا أن يكون ذا الطفيتين والأبتر ، فإنهما يخطفان البصر ، ويطرحان ما في بطون النساء .

ومن حديث نافع ، عن سائبة مثل هذا سواء ، وسيأتي في موضعه من كتابنا هذا ، إن شاء الله .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد ، قالا : حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد ربه ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أنه كان يأمر بقتل الحيات كلها ، فقال له أبو لبابة : أما بلغك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل ذوات البيوت ، وأمر بقتل ذي الطفيتين والأبتر . .

قال أبو عمر : هذا نص رواية القعنبي في المتن ، ورواية ابن وهب في الإسناد ، وقد أجمع العلماء على جواز قتل حيات الصحاري ، صغارا كن أو كبارا ، أي نوع كان الحيات ، وأما قتلهن في الحرم ، فقد مضى فيما سلف من كتابنا هذا ، وبالله توفيقنا .

قال أبو عمر : ترتيب هذه الأحاديث كلها المذكورة في هذا الباب وتهذيبها ، استعمال حديث أبي لبابة ، والاعتماد عليه ، فإن فيه بيانا لنسخ قتل حيات البيوت ; لأن ذلك كان بعد الأمر [ ص: 29 ] بقتلها جملة ، وفيه استثناء ذي الطفيتين والأبتر ، فهو حديث مفسر ، لا إشكال فيه لمن فهم وعلم ، وبالله التوفيق .

ومما يدلك على ذلك : أن ابن عمر كان قد سمع من النبي - عليه السلام - الأمر بقتل الجنان جملة ، فكان يقتلهن حيث وجدهن ، حتى أخبره أبو لبابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى بعد ذلك عن قتل عوامر البيوت منهن ، فانتهى عبد الله بن عمر ، ووقف عند الآخر من أمره - صلى الله عليه وسلم - على حسب ما أخبره أبو لبابة ، وقد بان ذلك في رواية أسامة بن زيد ، وغيره ، عن نافع ، على حسب ما تقدم في الباب .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والأبتر ، فإنهما يلتمسان البصر ، ويسقطان الحبل قال : وكان عبد الله يقتل كل حية وجدها ، فأبصره أبو لبابة - أو زيد بن الخطاب - وهو يطارد حية فقال : إنه قد نهى عن ذوات البيوت .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال : حدثنا الحميدي [ ص: 30 ] قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، فذكره سواء ، وزاد : قال سفيان : كان الزهري يشك فيه : زيد أو أبو لبابة .

قال أبو عمر : هو أبو لبابة صحيح ، لم يشك فيه نافع وغيره ، وقد رواه بكر بن الأشج ، عن سالم ، فاستثنى من ذوات البيوت ذا الطفيتين والأبتر ، وهو موافق لرواية عبد ربه بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، ولرواية القعنبي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وهو الصواب في هذا الباب ، وعليه يصح ترتيب الآثار فيه ، والحمد لله .

وقد روي ، عن ابن مسعود في هذا الباب قول غريب حسن : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا أبو عوانة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود ، أنه قال : اقتلوا الحيات كلها ، إلا الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة . وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية