الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5286 - وعن عبيد بن خالد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آخى بين رجلين ، فقتل أحدهما ، ثم مات الآخر بعده بجمعة أو نحوها ، فصلوا عليه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما قلتم ؟ " قالوا : دعونا الله أن يغفر له ويرحمه ويلحقه بصاحبه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فأين صلاته بعد صلاته ، وعمله بعد عمله ؟ " أو قال : " صيامه بعد صيامه ; لما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض " رواه أبو داود والنسائي .

[ ص: 3307 ]

التالي السابق


[ ص: 3307 ] 5286 - ( وعن عبيد ) : بالتصغير ( بن خالد ) قال المؤلف في فضل الصحابة : سلمي بهزي مهاجري ، سكن الكوفة ، روى عنه جماعة من الكوفيين ( أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - آخى ) أي : عقد الأخوة وبيعة الصحبة والمحبة ( بين رجلين ) أي : من أصحابه ( فقتل أحدهما ) أي : استشهد ( في سبيل الله ) أي : في الجهاد ( ثم مات الآخر ) أي : على فراشه ( بعده ) : وفي نسخة : بعد بضم الدال مبنيا والمعنى بعد قتل أخيه ( بجمعة ) أي : بأسبوع ( أو نحوها ) أي : قريبا منها تخمينا أقل أو أكثر ، وإنما أتى به احتياطا ( فصلوا ) أي : المسلمون ( عليه ) أي : على الآخر ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما قلتم ؟ " ) أي : في حقه من الكلام ، وما للاستفهام ( قالوا : دعونا الله أن يغفر له ) أي : ذنوبه ( ويرحمه ) أي : يتفضل عليه ويثيبه ( ويلحقه ) : من الإلحاق ، أي : يوصله ( بصاحبه ) أي : في علو درجته لكي يكونا في منزلة واحدة من الجنة في العقبى ، كما كانا في مرتبة واحدة من المحبة في الدنيا ، ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فأين " ) : جواب شرط مقدر أي : إذا كنتم تدعون الله بأن يلحقه بصاحبه ، زعما منكم أن مرتبته دون مرتبة أخيه ، فأين ( " صلاته " ) أي : الزائدة للميت ( " بعد صلاته " ) أي : الواقعة للشهيد ( " وعمله بعد عمله ؟ " ) : تعميم بعد تخصيص ، أو التقدير وسائر عمله أي : عمل الميت بعد انقطاع عمل الشهيد . ( أو قال ) : شك من الراوي ( " صيامه بعد صيامه " ) ولعله كان في رمضان أو المتخلف كان ممن يصوم النافلة كثيرا ( " لما بينهما " ) : قال ابن الملك : اللام فيه توطئة للقسم أو للابتداء . قلت : الثاني هو الصحيح ; لأن شرط الموطئة أن تكون مقرونة بإن الشرطية نحو قوله تعالى : لئن أشركت الآية . نعم يمكن أن تكون اللام في جواب القسم المقدر أي : والله لما بينهما ، والمعنى للتفاوت الذي بين الأخوين في القرب عند الله تعالى . ( " أبعد مما بين السماء والأرض " ) يعني مرتبة الميت أعلى فإلحاق الشهيد به أولى ، وذلك لأنه أيضا كان مرابطا في سبيل الله ، فله المشاركة في الشهادة حكما وطريقة ، وله الزيادة في الطاعة والعبادة شريعة وحقيقة ، وإلا فمن المعلوم أن لا عمل أزيد ثوابا على الشهادة جهادا في سبيل الله ، وإظهارا لدينه ، لا سيما في مبادئ الدعوة مع قلة أعوانه من أهل الملة .

وقال الطيبي - رحمه الله - : فإن قلت : كيف تفضل هذه الزيادة في العمل بلا شهادة على عمله معها ؟ قلت : قد عرف - صلى الله عليه وسلم - أن عمل هذا بلا شهادة ساوى عمله مع شهادته بسبب مزيد إخلاصه وخشوعه ، ثم زاد عليه بما عمل بعده ، وكم من شهيد لا يدرك شيئا ، والصديق في العمل انتهى ، فتأمل فإنه ليس في الحديث إشعار بقلة الإخلاص للشهيد ، فهذا الظن بالصحابة ليس بالسديد ، مع أنه لو كان هذا علة التفضيل لبينه - صلى الله تعالى عليه وسلم - في وجه التعليل ، ولا كلام في الصديق أنه ممن تفضل عليه سبحانه بزيادة التوفيق ، مع أنه - رضي الله عنه - شهيد حكما ، وقد قدم الله سبحانه مرتبة الصديقين على الشهداء في مواضع من كتابه ، والله أعلم . ( رواه أبو داود ، والنسائي ) . رجال هذا الحديث رجال الصحيح إلا عبد الله بن ربيعة السلمي عن عبيد بن خالد . قال النسائي : إنه صحابي ، وعلى تقدير أن لا يكون صحابيا فهو تابعي ، ولم يذكره أحد بضعف ، وأما عبيد بن خالد ، وهو أبو عبد الله السلمي البهزي فله صحبة ونزيل الكوفة ، روى عنه عبد الله بن ربيعة ، وتميم بن سلمة ، وسعيد بن عبيدة ، نقله ميرك عن التصحيح . وفي التقريب : عبد الله بن ربيعة بن فرقد السلمي ذكر في الصحابة ، ونفاها أبو حاتم ، ووثقه ابن حبان ، انتهى . وسيأتي زيادة كلام في هذا المرام .

[ ص: 3308 ]



الخدمات العلمية