الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

6128 - عن قيس بن أبي حازم ، قال : سمعت سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - يقول : إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله ، ورأيتنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما لنا طعام إلا الحبلة وورق السمر ، وإن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط ، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام ، لقد خبت إذا وضل عملي ، وكانوا وشوا به إلى عمر ، وقالوا : لا يحسن الصلاة . متفق عليه .

التالي السابق


الفصل الثالث

6128 - ( عن قيس بن أبي حازم ، قال : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول : إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله ) ، سبق معناه مع تحقيق مبناه وهذا القدر من الحديث أخرجه الشيخان ( ورأيتنا ) ، أي : جمعا من الصحابة ( نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما لنا طعام إلا الحبلة ) : بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة ثمر السمر يشبه اللوبيا - قاله ابن الأعرابي - وقيل ثمر العضاه ( وورق السمر ) ، بفتح السين المهملة وضم الميم ، شجر معروف واحدتها سمرة ، وبها سموا كذا في القاموس . ( وإن ) : مخففة من الثقيلة ( كان أحدنا ليضع ) : واللام لام الفارقة ، والمعنى يخرج منه ( كما تضع الشاة ) ، أي : من البعر ، والمعنى أن نجواهم يخرج بعرا ليبسه وعدم الغذاء المألوف ( ما له خلط ) بكسر الخاء المعجمة أي : لا يختلط بعضه ببعض لجفافه ويبسه ( ثم أصبحت ) ، أي : صارت ( بنو أسد ) ، أي : قبيلتهم ( تعزرني ) : بتشديد الزاي أي توبخني ( على الإسلام ) أي على الصلاة لأنها عماد الإسلام ، أو على عمدة شرائعه ، والمراد أنهم كانوا يؤدبوني ويعلموني الصلاة ويعيروني بأني لا أحسنها ( لقد خبت ) بكسر الخاء المعجمة وسكون الموحدة أي خسرت ( إذا ) : بالتنوين أي إذا لم أحسن الصلاة ، وأفتقر إلى تعليم بني أسد إياي ( وضل عملي ) أي جميع طاعاتي ومجاهداتي ومسابقتي في الإسلام وصدق قدمي في الدين ( وكانوا ) ، أي : بنو أسد حين ولاه عمر العراق ( وشوا ) : بفتح الشين المخففة أي نموا وسعوا ( به ) ، أي : بعيبه على زعمهم ( إلى عمر - رضي الله عنه - ) أي بالرسالة أو الكتابة ( وقالوا : لا يحسن ) ، أي : سعد ( الصلاة ) ، أي : أركانها أو شرائطها أو سننها ومراعاة أحوالها ، هذا وفي النهاية التعزير الإعانة والتوقير والنصرة مرة بعد مرة . قلت : ومنه قوله تعالى : وتعزروه وتوقروه قال : وأصل التعزير المنع والرد وكان من نصرته قد رددت عنه أعداءه ومنعتهم من أذاه ، ولهذا قيل للتأديب ، الذي هو دون الحد تعزير ، لأنه يمنع الجاني أن يعاود الذنب ، فهو من الأضداد ، ومنه حديث سعد : أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام أي توقفني عليه وقيل توبخني على التقصير فيه . قال الطيبي : عبر عن الصلاة بالإسلام كما عبر عنها بالإيمان في قوله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم إيذانا بأنها عماد الدين ورأس الإسلام . ( متفق عليه ) .

وعن جابر بن سمرة قال : شكا أهل الكوفة سعد بن مالك إلى عمر فقالوا : لا يحسن الصلاة . قال سعد : أما أنا فكنت أصلي بهم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمد في الأوليين وأخفف في الأخريين ، فقال عمر : ذاك الظن بك أبا إسحاق ، قال : فبعث رجالا يسألون عنه في مساجد الكوفة ، قال : فلا يأتون مسجدا من مساجد الكوفة إلا أثنوا عليه خيرا وقالوا معروفا ، حتى أتوا مسجدا من مساجد بني عبس ، قال : فقال رجل يقال له أبو سعدة : اللهم إنه كان لا يسير بالسرية ولا يعدل في القضية ولا يقسم بالسوية . قال ، فقال سعد : أما والله لأدعون بثلاث اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن ، فكان بعد ذلك يقول إذا سئل : شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد . قال جابر بن سمرة : فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، وإنه يتعرض للجواري في الطريق فيغمزهن ، وفي رواية : وأما أنا فأمد في الأوليين وأحذف في الأخريين ، ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم . قال عمر : صدقت ، ذلك الظن بك ، أو ظني بك أبا إسحاق أخرجه البخاري ، وأخرجه البرقاني على شرطه بنحوهما . وقال : فقال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر : فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك ، وإذا قيل له : كيف أنت يا أبا سعدة ؟ قال : كبير مفتون أصابتني دعوة سعد ، وعنده : اللهم إن كان كاذبا فأعم بصره ، وأطل عمره ثم ذكر ما بعده .

[ ص: 3959 ]



الخدمات العلمية