الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1628 - وعنه : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها . قال حماد : فذكر من طيب ريحها وذكر المسك . قال : ويقول أهل السماء : روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك ، وعلى جسد كنت تعمرينه ; فينطلق به إلى ربه ثم يقول : انطلقوا به إلى آخر الأجل .

قال : وإن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد : وذكر من نتنها ، وذكر لعنا ، ويقول أهل السماء : روح خبيثة جاءت من قبل الأرض ، فيقال : انطلقوا به إلى آخر الأجل . قال أبو هريرة : فرد رسول - صلى الله عليه وسلم - ريطة كانت على أنفه هكذا
. رواه مسلم .

التالي السابق


1628 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة . ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها ) هذا تفصيل للمجمل السابق ، ويحتمل أنهما الكريمان الكاتبان ، ولا ينافي الجمع فيما مر ، أما قول من يقول : أقل الجمع اثنان فظاهر ، وأما على قول غيره فالاحتمال أن الحاضرين جمع والمفوض إليه منهم ذلك اثنان والبقية أو الكل يقولون لروحه : اخرجي أيتها النفس ، أو القائل واحد ، ونسب إلى الكل مجازا كقوله تعالى : فعقروها وكقولهم : قتله بنو فلان ، ويؤيده حديث البراء الآتي . ( قال حماد ) وهو ابن زيد ، أحد رواة هذا دون الحديث قاله الطيبـي . والأظهر أن يقال : إنه راويه عن أبي هريرة . ( فذكر ) أي : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابي وهو أبو هريرة ، وكان سبب ذلك نسيان راويه لفظ النبوة في هذا دون معناه فذكره بسياق يشعر بذلك . ( من طيب ريحها ) أي : أوصافا عظيمة من طيب ريحها . ( وذكر ) أي : ومن أنواع ذلك . ( المسك ) قال الطيبـي : أي : وذكر المسك ، لكن لم يعلم أن ذلك كان كالتشبيه أو الاستعارة أو غير ذلك اهـ . وقال الأبهري : الأظهر أن يقال : وذكر أن طيب ريحها أطيب من ريح المسك . ( قال : ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ويقول أهل السماء ) أراد به الجنس أي : كل سماء . ( روح طيبة ) مبتدأ أو خبر لمحذوف : هو أو هي ، وقوله : ( جاءت ) يعني الآن . ( من قبل الأرض ) بكسر القاف وفتح الموحدة أي : من جهتها صفة ثانية . ( صلى الله ) أي : أنزل الرحمة . ( عليك ) قال الطيبـي : في عليك التفات من الغيبة في قوله : جاءت إلى الخطاب ، وفائدته مزيد اختصاص لها بالصلاة عليها ، قلت : ولمزيد التلذذ بخطابهم إياها . قال ابن حجر : وكراهة الصلاة استقلالا على غير الأنبياء والملائكة محلها إن صدرت من غيرهم لا منهم لقول العلماء في صلاته - عليه الصلاة والسلام - على آل أبي أوفى أنه من تبرع صاحب الحق به اهـ . والأظهر أنه من خصوصياتهم لقوله تعالى : وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) ولقوله - عز وجل - : " ( هو الذي يصلي عليكم ) . ( وعلى جسد كنت تعمرينه ) بضم الميم يعني على ظاهرك وباطنك ، وتقديم الباطن لأنه أهم ، والنظر إليه أتم ، قال الطيبـي : استعارة ، شبه [ ص: 1174 ] تدبيرها البدن بالعمل الصالح بعمارة من يتولى مدينة ويعمرها بالعدل والإحسان . ( فينطلق ) على بناء المفعول ، وفي رواية فينطلقون . ( به إلى ربه ) أي : إلى موضع حكمه ، أو عرش ربه ، ومقام قربه ، وفي الحديث الآتي إلى السماء السابعة . ( ثم يقول ) أي : الرب سبحانه . ( انطلقوا به ) أي : الآن ، أي : ليكون مستقرا في الجنة أو عندها . ( إلى آخر الأجل ) ثم إلينا مرجعه بحكم الأزل ، والمراد بالأجل هنا مدة البرزخ . قال ) الطيبـي : يعلم من هذا أن لكل أحد أجلين أولا وآخرا ، ويشهد له قوله تعالى : ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده أي : أجل الموت وأجل القيامة . ( قال ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - . ( وأن الكافر إذا خرجت روحه . قال حماد : وذكر ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابي . ( من نتنها ) بسكون التاء أي : عفنها . ( وذكر لعنا ) أي : مع النتن ، فإن البعد من لوازم النتن . ( ويقول أهل السماء ) من الملائكة وغيرهم . ( روح خبيثة جاءت ) أي : قاربت السماء . ( من قبل الأرض فيقال : انطلقوا به إلى آخر الأجل ) قال الطيبـي : ذكر هاهنا يقال ، وفي الأول يقول رعاية لحسن الأدب حيث نسب الرحمة إلى الله سبحانه ولم ينسب إليه الغضب كما في قوله تعالى : أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم . ( قال أبو هريرة : فرد رسول - صلى الله عليه وسلم - ريطة ) وهي بفتح الراء وسكون الياء التحتانية ، كل ملاءة على طاقة واحدة ليست لفقتين أي : طرف ريطة . ( كانت عليه ) أي : على بدنه - عليه الصلاة والسلام - . ( على أنفه ) متعلق برد . قال الطيبـي : كان - عليه الصلاة والسلام - كوشف بروح الكافر ، وشم من نتن ريح روحه . ( هكذا ) أي : كفعلي هذا ، وكان أبو هريرة وضع ثوبه على أنفه بكيفية خاصة ، صدرت منه - عليه الصلاة والسلام - . قال ابن حجر : ويحتمل أنه تمثيل أي : فيها من النتن والقبح ما لو ظهر لأحدكم لغطى أنفه عنه كذلك اهـ . وهو خروج عن ظاهر الحديث لغير باعث نقلي أو عقلي . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية