الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
213 - وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال : ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان : أحدهما عابد والآخر عالم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ، ليصلون على معلم الناس الخير ) . رواه الترمذي .

التالي السابق


213 - ( وعن أبي أمامة الباهلي قال : ذكر ) : على البناء للمفعول أي : وصف ( لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان ) أي : بوصف الكمال وهو يحتمل أن يكون تمثيلا وأن يكونا موجودين في الخارج قبل زمانه أو في أوانه ( أحدهما عابد ) أي : كامل في العبادة ( والآخر عالم ) أي : كامل بالعلم ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : لا يستويان وإن كان كل منهما كاملا في مقامه ( فضل العالم ) بالعلوم الشرعية مع القيام بفرائض العبودية ( على العابد ) أي : على المتجرد للعبادة بعد تحصيل قدر الفرض من العلوم ( كفضلي على أدناكم ) : وفيه مبالغة لا تخفى فإنه لو قال : كفضلي على أعلاكم لكفى فضلا وشرفا ، فيكون نظير قوله - صلى الله عليه وسلم - : " واحشرني في زمرة المساكين " مع إفادة التواضع في الثاني ، والظاهر أن اللام فيهما للجنس فالحكم عام ، ويحتمل العهد فغيرهما يؤخذ بالمقايسة . ( ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله ) : استئناف فيه تعليل ( وملائكته ) أي : حملة العرش ( وأهل السماوات ) : تعميم بعد تخصيص ( والأرض ) أي : أهل الأرض من الإنس والجن وجميع الحيوانات ( حتى النملة ) : بالنصب على أن حتى عاطفة ، وبالجر على أنها جارة ، وبالرفع على أنها ابتدائية والأول أصح ( في جحرها ) : بضم الجيم وسكون الحاء ، أي : ثقبها . قال الطيبي : وصلاته بحصول البركة النازلة من السماء ( وحتى الحوت ) : كما تقدم ، وهما غايتان مستوعبتان لدواب البر والبحر ، وخصت النملة من دواب البر لأنها أكثر الحيوانات ادخارا للقوت في جحرها فهي أحوج إلى بركتهم من غيرها ، وتقدم وجه تخصيص الحوت من دواب البحر ، وقيل : وجه تخصيصهما بالذكر الإشارة إلى جنس الحلال والحرام ، وقيل : إلى الجنس المنهي عنه القتل وغيره ( ليصلون ) : فيه تغليب للعقلاء على غيرهم ، أي : يدعون بالخير ( على معلم الناس الخير ) : قيل : أراد بالخير هنا علم الدين وما به نجاة الرجل ، ولم يطلق المعلم ليعلم أن استحقاق الدعاء لأجل تعليم علم موصل إلى الخير ا هـ .

وفيه إشارة إلى وجه الأفضلية بأن نفع العلم متعد ونفع العبادة قاصر ، مع أن العلم في نفسه فرض ، وزيادة العبادة نافلة ، والله أعلم . ( رواه الترمذي ) : يعني عن أبي أمامة مرفوعا .




الخدمات العلمية