الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3292 - وعن محمود بن لبيد قال أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ، ثم قال : أيلعب بكتاب الله - عز وجل - وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ألا أقتله . رواه النسائي .

التالي السابق


3292 - ( وعن محمود بن لبيد ) : قال المؤلف : هو الأنصاري الأشهلي ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحدث عنه أحاديث قال البخاري : له صحبة ، وقال أبو حاتم : لا يعرف له صحبة وذكره مسلم في التابعين في الطبقة الثانية منهم ، قال ابن عبد البر : والصواب قول البخاري ، فأثبت له صحبة ، وكان محمود أحد العلماء ، روى عن ابن عباس وعتبان بن مالك ، مات سنة ست وتسعين ( قال أخبر ) : بصيغة المجهول ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال أيلعب ) : بضم الياء وفي نسخة بفتحها ( بكتاب الله - عز وجل - وأنا بين أظهركم ) : يريد قوله تعالى : ( الطلاق مرتان ) إلى قوله : ( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) أي التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة ، ولم يرد بالمرتين التثنية ، كقوله تعالى : ( ثم ارجع البصر كرتين ) أي : كرة بعد كرة لا كرتين اثنتين ، ومعنى قوله ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) تخيير لهم بعد ما علمهم كيف يطلقون بين أن يمسكوا النساء بحسن العشرة والقيام بواجبهن ، وبين أن يسرحوهن السراح الجميل الذي علمهم كذا ذكره الطيبي ، والأظهر أن معناه فليكن إمساك بمعروف بعد كل تطليقة ، أو تسريح بإحسان أي تطليقة أخرى بالوجه السني ، ولذا أنكر على المطلق بالثلاث دفعة واحدة ; لأنه لا يتصور بعده الإمساك والتسريح المذكوران ، ثم الحديث يدل على أن التطليق بالثلاث حرام لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يصير غضبان إلا بمعصية ، ولإنكاره بقوله " أيلعب بكتاب الله " وهو أعظم إنكار بل أتم إكفار ، وقوله " وأنا بين أظهركم " إشارة إلى عدم عذره في ارتكاب المنكر ( حتى قام رجل قال : يا رسول الله ألا أقتله ) : لكمال غضبه أو لما يترتب على لعبه ، قال الطيبي : والحكمة في التفريق دون الجمع ما ثبت في قوله تعالى ( لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) فإن الزوج إذا فرق يقلب الله قلبه من بغضها إلى محبتها ، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها ، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها ، قال النووي : اختلفوا فيمن قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا ، فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد والجمهور من السلف والخلف : يقع ثلاثا ، وقال طاوس وبعض أهل الظاهر : لا يقع إلا واحدة ، وقال ابن مقاتل وفي رواية عن ابن إسحاق أنه لا يقع شيء واحتج الجمهور بقوله - تعالى - جل جلاله : ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) يعني المطلق ثلاثا قد يحدث له ندم ، فلا يمكنه التدارك لوقوع البينونة ، فلو كانت الثلاث لا تقع ، لم يقع إلا رجعيا فلا يتوجه هنا التهديد ، وبحديث ركانة أنه طلق امرأته البتة فقال : له النبي - صلى الله عليه وسلم - والله ما أردت إلا واحدة قال : والله ما أردت إلا واحدة فهذا دليل على أنه لو أراد الثلاث لوقعت ، وإلا فلم يكن لتحليفه معنى ، وأما الجمع بين التطليقات الثلاث بدفعة فليس بحرام عندنا لكن الأولى تفريقها ، وبه قال أحمد وأبو ثور ، وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة والليث : هو بدعة ، أقول : فلا يتوجه هذا التهديد وهو قوله - تعالى - جل جلاله ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) حجة عليه حيث لم يقل بالتحريم ، والآية والحديث دالان عليه ( رواه النسائي ) : قال ابن الهمام : وأما ما في بعض الشروح من نسبة الطلاق المذكور إلى محمود بن لبيد فغير معروف .

[ ص: 2146 ]



الخدمات العلمية