الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3547 - وعن جرير بن عبد الله قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل وقال : أنا برئ من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين قالوا : يا رسول الله لم ؟ قال : لا تتراءى ناراهما . رواه أبو داود .

التالي السابق


3547 - ( وعن جرير بن عبد الله قال بعث ) أي أرسل ( رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ) : وهي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة ( إلى خثعم ) بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة قبيلة من اليمن وفي القاموس : خثعم كجعفر جبل ( فاعتصم ) أي تمسك وشرع ( ناس منهم بالسجود ) أي بالصلاة وكانوا مسلمين ولما رأوا الجيش أسرعوا بالسجود ( فأسرع ) بصيغة المجهول ( فيهم القتل ) أي قتلهم الجيش ولم يبالوا بسجودهم ظانين أنهم يستعيذون من القتل بالسجود ( فبلغ ذلك ) أي خبر قتلهم ( النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل ) قال الخطابي : إنما لم يكمل لهم الدية بعد علمه عليه الصلاة والسلام بإسلامهم ; لأنهم أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين ظهراني الكفار وكانوا كمن هلك بجناية نفسه وجناية غيره فتسقط حصة جنايته من الدية .

[ ص: 2319 ] ( وقال : أنا بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين ) أي بينهم ( وأظهر ) مقحم قال التوربشتي : يحتمل أن يكون المراد منه البراءة من دمه وأن يكون البراءة من موالاته ( قالوا : يا رسول الله : لم ) بحذف ألف ما الاستفهامية ، أي لا شيء تكون بريئا أو أمرت بنصف العقل ( قال لا تتراءى ناراهما ) استئناف فيه تعليل ، وإسناد الترائي مجاز والنفي معناه النهي أي يتباعد منزلاهما حتى لا تتراءى ناراهما ، قال الطيبي : هو علة لبراءته صلى الله عليه وسلم ، يعني لا يصح ولا يستقيم للمسلم أن يساكن الكافر ويقرب منه ولكن يبعد بحيث لا تتراءى ناراهما فهو كناية عن البعد البعيد وذكروا فيه وجوها أولها قال أبو عبيد : أي لا ينزل المسلم بالموضع الذي يرى ناره المشرك إذا أوقد ولكن ينزل مع المسلمين في دارهم ; لأن المشرك لا عهد له ولا أمان وثانيهما قال أبو الهيثم : أي لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه وشكله ولا يتخلق بأخلاقه من قولك : ما نار نعمك ؟ أي : ما سمتها ؟ وثالثها قال أبو حمزة : أي لا يجتمعان في الآخرة لبعد كل منهما عن صاحبه . ورابعها قال الفائق : معناه يجب عليهما أن يتباعد منزلاهما بحيث إذا أوقدت فيهما ناران لم تلح إحداهما للأخرى وإسناد الترائي إلى النار كقولهم دور بني فلان متناظرة ، والترائي تفاعل من الرؤية يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضا قلت ومنه قوله تعالى فلما تراءى الجمعان و تراءت الفئتان وخامسها قال القاضي : أي ينبغي أن لا يسكن مسلم حيث سكن كافر ولا يدنو منه بحيث تتقابل ناراهما وتقرب إحداهما من الأخرى حتى يرى كل منهما نار الآخر فنزل رؤية الموقد منزلة رؤيتها إن كان لها وهو من قول أبي عبيدة وسادسها قال التوربشتي : أراد نار الحرب أي ما على طرفين متباعدين فإن المسلم يحارب لله ولرسوله مع الشيطان وحزبه ويدعو إلى الله بحزبه والكافر يحارب الله ورسوله ويدعو إلى الشيطان فكيف يتفقان ويصلح أن يجتمعا قال الخطيب : فيه دليل على أن المسلم إن كان أسيرا في أيدي الكفار وأمكنه الخلاص والانفلات منهم لم يحل له المقام معهم وإن حلفوه أن لا يخرج كان الواجب أن يخرج إلا أنه إن كان مكرها على اليمين لم تلزمه الكفارة قلت وعندنا تلزمه الكفارة ( رواه أبو داود ) .




الخدمات العلمية