الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        36 - الحديث الأول : عن عمران بن حصين رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا ، لم يصل في القوم ؟ فقال : يا فلان ، ما منعك أن تصلي في القوم ؟ فقال : يا رسول الله أصابتني جنابة ، ولا ماء ، فقال : عليك بالصعيد ، فإنه يكفيك }

                                        التالي السابق


                                        " عمران بن حصين بن عبيد خزاعي أبو نجيد ، - بضم النون ، وفتح الجيم ، بعدها ياء - من فقهاء الصحابة وفضلائهم ، صح : أن الملائكة كانت تسلم عليه ، وقيل : كان يراهم ، مات سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية ، والكلام على هذا الحديث من وجوه :

                                        أحدها " المعتزل " المنفرد عن القوم ، المتنحي عنهم ، يقال : اعتزل ، وانعزل ، وتعزل : بمعنى واحد ، واعتزاله عن القوم : استعمال للأدب ، والسنة في [ ص: 147 ] ترك جلوس الإنسان عند المصلين إذا لم يصل معهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : لمن رآه جالسا في المسجد والناس يصلون " ما منعك أن تصلي في القوم ؟ وقد روي : مع الناس - ألست برجل مسلم ؟ ، " وهذا إنكار لهذه الصورة .

                                        الثاني : قوله " ما منعك أن تصلي في القوم ؟ " وقد روي " مع القوم " والمعنى متقارب ، وإن اختلف أصل اللفظين ، فإن " في " للظرفية ، فكأنه جعل اجتماع القوم ظرفا خرج منه هذا الرجل ، و " مع " للمصاحبة ، كأنه قال : ما منعك أن تصحبهم في فعلهم ؟ ، .

                                        الثالث : قوله " أصابتني جنابة ، ولا ماء " يحتمل من حيث اللفظ وجهين :

                                        أحدهما : أن لا يكون عالما بمشروعية التيمم .

                                        والثاني : أن يكون اعتقد أن الجنب لا يتيمم ، وهذا أرجح من الأول ، فإن مشروعية التيمم : كانت سابقة على زمن إسلام عمران ، راوي الحديث ، فإنه أسلم عام خيبر ، ومشروعية التيمم : كانت قبل ذلك ، في غزوة المريسيع ، وهي واقعة مشهورة ، والظاهرة : علم الرجل بها لشهرتها ، فإذا حملناه على كون الرجل اعتقد أن الجنب لا يتيمم - كما ذكر عن عمر وابن مسعود - كان ذلك دليلا على أن هذا الرجل ; ومن شك في تيمم الجنب : حملوا الملامسة المذكورة في الآية - أعني قوله تعالى : { أو لامستم النساء } - على غير الجماع ; ; لأنهم لو حملوها عليه لكان تيمم الجنب مأخوذا من الآية ، فلم يقع لهم شك في تيمم الجنب ، وهذا الظهور الذي ادعي : إن لم يكن إسلام هذا الرجل واقعا عند نزول الآية . وهذا إنما يكون في مدة تقتضي العادة بلوغها إلى علمه .

                                        الرابع : قوله " ولا ماء " أي موجود ، أو عندي ، أو أجده ، أو ما أشبه ذلك ، وفي حذفه بسط لعذره ، لما فيه من عموم النفي ، كأنه نفى وجود الماء بالكلية ، بحيث لو وجد بسبب أو سعي ، أو غير ذلك : لحصله ، فإذا نفى وجوده مطلقا : كان أبلغ في النفي ، وأعذر له .

                                        ، وقد أنكر بعض المتكلمين على النحاة تقديرهم في قولنا لا إله إلا الله لا إله لنا ، أو في الوجود وقال : إن نفي الحقيقة مطلقة : أعم من نفيها مقيدة ، فإنها [ ص: 148 ] إذا نفيت مقيدة : دلت على سلب الماهية مع القيد ، وإذا نفيت غير مقيدة كان نفيا للحقيقة ، وإذا انتفت الحقيقة انتفت مع كل قيد . أما إذا نفيت مقيدة بقيد مخصوص : لم يلزم نفيها مع قيد آخر ، هذا أو معناه .

                                        الخامس : الحديث دل بصريحه على أن للجنب أن يتيمم ، ولم يختلف فيه الفقهاء ، إلا أنه روي عن عمر ، وابن مسعود : أنهما منعا تيمم الجنب ، وقيل : إن بعض التابعين وافقهما ، وقيل : رجعا عن ذلك .

                                        وكأن سبب التردد : ما أشرنا إليه : من حمل الملامسة على غير الجماع ، مع عدم وجود دليل عندهم على جوازه والله أعلم .




                                        الخدمات العلمية