إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه 
 5  - حدثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي  قال : ثنا  محمد بن عائذ  قال : ثنا أبو طرفة عباد بن الريان اللخمي  قال : سمعت  عروة بن رويم اللخمي  يقول : حدثني عامر بن لدين الأشعري  قال : سمعت أبا ليلى الأشعري  يقول : حدثني أبو ذر  قال : إن أول ما دعاني إلى الإسلام أنا كنا قوما عربا ، فأصابتنا السنة ، فاحتملت أمي وأخي وكان اسمه أنيسا  إلى أصهار لنا بأعلى نجد ،  فلما حللنا بهم أكرمونا ، فلما رأى ذلك رجل من الحي ، مشى إلى خالي فقال : تعلم أن أنيسا  يخالفك إلى أهلك ، قال : فحز في قلبه فانصرفت من رعية الإبل فوجدته كئيبا يبكي ، فقلت : ما بكاؤك يا خال ؟ فأعلمني الخبر ، فقلت : حجز الله من ذلك ، إنا نعاف الفاحشة وإن كان الزمان قد أخل بنا ، ولقد كدرت علينا صفو ما ابتدأتنا به ، ولا سبيل إلى اجتماع ، فاحتملت أمي وأخي حتى نزلنا بحضرة مكة ،  فقال أخي : إني مدافع رجلا على الماء بشعر ، وكان رجلا شاعرا ، فقلت :  [ ص: 201 ] لا تفعل ، فخرج به اللجاج حتى دافع دريد بن الصمة  صرمته إلى صرمته ، وايم الله لدريد  يومئذ أشعر من أخي ، فتقاضينا إلى خنساء ،  فقضت لأخي على دريد ،  وذلك أن دريدا  خطبها إلى أبيها فقالت : شيخ كبير لا حاجة لي فيه ، فحقدت ذلك عليه ، فضممنا صرمته إلى صرمتنا وكانت لنا هجمة ، ثم أتيت مكة  فابتدأت بالصفا  فإذا عليه رجالات قريش  وقد بلغني أن بها صابئا ، أو مجنونا ، أو شاعرا ، أو ساحرا ، فقلت : أين هذا الذي تزعمونه ؟ 
قالوا : هو ذاك حيث ترى ، فانقلبت إليه ، ما جزت عنهم قيس حجر ، فوالله أكبوا على كل حجر وعظم ومدر وضرجوني بدمي ، فأتيت البيت فدخلت بين الستور والبناء وصومت فيه ثلاثين يوما لا آكل ولا أشرب إلا من ماء زمزم ، حتى إذا كانت ليلة قمراء إضحيان أقبلت امرأتان من خزاعة  وطافتا بالبيت ثم ذكرتا إسافا ونائلة ، وهما وثنان كانوا يعبدونهما ، فأخرجت رأسي من تحت الستور فقلت : احملا أحدهما على صاحبه ، فغضبتا ثم قالتا : أما والله لو كانت رجالنا حضورا ما تكلمت بهذا ، ثم ولتا ، فخرجت أقفو آثارهما حتى لقيتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ما أنتما ؟ ومن أين أنتما ؟ ومن أين جئتما ؟ وما جاء بكما ؟ " فأخبرتاه الخبر ، فقال : " أين تركتما الصابئ ؟ فقالتا : تركناه بين الستور والبناء ، فقال لهما : " هل قال لكما شيئا ؟ " قالتا : نعم تكلم بكلمة تملأ الفم ، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم انسلتا ، وأقبلت حتى جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه عند ذلك ، فقال : " من أنت ؟ وممن أنت ؟ ومن أين جئت ؟ وما جاء بك ؟ " فأنشأت أعلمه الخبر ، فقال : " مم كنت تأكل وتشرب ؟ " فقلت : من ماء زمزم ، فقال : " أما إنه طعام طعم   " ومعه أبو بكر   - رضي الله عنه - ،  [ ص: 202 ] فقال : يا رسول الله ، ائذن لي أن أضيفه ، قال : " نعم " ثم خرج رسول الله ، - صلى الله عليه وسلم - يمشي ، وأخذ أبو بكر  بيدي حتى وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بباب أبي بكر ،  ثم دخل أبو بكر  بيته ، ثم أتى بزبيب من زبيب الطائف  فجعل يلقيه لنا قبضا قبضا ، ونحن نأكل منه حتى تملأنا منه ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أبا ذر   " فقلت : لبيك ، فقال : " أما إنه قد رفعت لي أرض ، وهي ذات نخل ، لا أحسبها إلا تهامة ،  فاخرج إلى قومك فادعهم إلى ما دخلت فيه " قال : فخرجت حتى أتيت أمي وأخي فأعلمتهما الخبر ، فقالا : ما بنا رغبة عن الدين الذي دخلت فيه ، فأسلما ، ثم خرجنا حتى أتينا المدينة  فأعلمت قومي فقالوا : إنا قد صدقناك ، ولكنا نلقى محمدا ،  فلما قدم علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقيناه ، فقالت له غفار   : يا رسول الله ، إن أبا ذر  قد أعلمنا ما أعلمته ، وقد أسلمنا وشهدنا أنك رسول الله . 
ثم تقدمت أسلم خزاعة  فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد رغبنا ودخلنا فيما دخل فيه إخواننا وحلفاؤنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أسلم  سالمها الله ، وغفار  غفر الله لها   " ثم أخذ أبو بكر  بيدي ، فقال : يا أبا ذر  فقلت : لبيك يا أبا بكر ،  فقال : هل كنت تأله في جاهليتك ؟ قلت : نعم ، لقد رأيتني أقوم عند الشمس فلا أزال مصليا حتى يؤذيني حرها ، فأخر كأني خفاء ، فقال لي : فأين كنت توجه ؟ قلت : لا أدري إلا حيث وجهني الله ، حتى أدخل الله علي الإسلام  " . 
				
						
						
