الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 324 ] قال : ( ويجوز للمحرم والمحرمة أن يتزوجا في حالة الإحرام ) وقال الشافعي رحمه الله : لا يجوز وتزويج الولي المحرم وليته على هذا الخلاف . له قوله عليه الصلاة والسلام : { لا ينكح المحرم ولا ينكح }ولنا ما روي { أنه عليه الصلاة والسلام تزوج بميمونة وهو محرم }وما رواه محمول على الوطء .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السادس : قال عليه السلام : { لا ينكح المحرم ، ولا ينكح }; قلت : رواه الجماعة إلا البخاري { عن نبيه بن وهب أن عمر بن عبيد الله أرسله إلى أبان بن عثمان بن عفان يسأله وأبان يومئذ أمير الحاج ، وهما محرمان : إني أردت أن أنكح طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير ، فقال أبان : سمعت أبي عثمان بن عفان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينكح المحرم ، ولا ينكح }: زاد مسلم ، وأبو داود في رواية : ولا يخطب ; وزاد ابن حبان في " صحيحه " : { ولا يخطب عليه }انتهى .

                                                                                                        الآثار : روى مالك في " الموطأ " عن داود بن حصين أن أبا غطفان المري أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة ، وهو محرم ، فرد عمر بن الخطاب نكاحه انتهى .

                                                                                                        الحديث السابع : روي { أنه عليه السلام تزوج بميمونة ، وهو محرم }; قلت : رواه [ ص: 325 ] الأئمة الستة في " كتبهم " عن طاوس عن ابن عباس ، قال : { تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم }انتهى . زاد البخاري : { وبنى بها وهو حلال ، وماتت بسرف }انتهى .

                                                                                                        وأخرج أيضا عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : { تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم ، وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف }انتهى .

                                                                                                        وله عنه أيضا ، قال : { تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة في عمرة القضاء } ، ولم يصل سنده به ، ذكرها في عمرة القضاء ، أخرجه مسلم ، وابن ماجه في " النكاح " ، والباقون في " الحج " ; وأخرج الدارقطني من طريق ضعيف عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم }; وأخرج البزار في " مسنده " عن مسروق عن عائشة { أنه عليه السلام تزوج وهو محرم ، واحتجم وهو محرم } ، قال السهيلي في " الروض الأنف " : إنما أرادت نكاح ميمونة ، ولكنها لم تسمها انتهى .

                                                                                                        أحاديث الخصوم المعارضة : روى مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن يزيد بن الأصم ، قال : حدثتني { ميمونة بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال . قال : وكانت خالتي ، وخالة ابن عباس }انتهى بلفظ مسلم . وفي لفظ له : { وبنى بها وهو حلال }; ولفظ أبي داود { قالت : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف }انتهى . زاد أبو يعلى الموصلي في " مسنده " { بعد أن رجعنا من مكة }انتهى .

                                                                                                        ثم [ ص: 326 ] أسند أبو داود عن سعيد بن المسيب ، قال : وهم ابن عباس في تزويج ميمونة ، وهو محرم انتهى .

                                                                                                        وأخرج الطحاوي عن عمرو بن دينار حدثني ابن شهاب عن يزيد بن الأصم { أنه عليه السلام نكح ميمونة ، وهما حلالان }.

                                                                                                        قال عمرو : فقلت للزهري : وما يدري ابن [ ص: 327 ] الأصم ، أعرابي بوال على عقبيه ، أتجعله مثل ابن عباس ؟ انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الترمذي عن حماد بن زيد ثنا مطر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع { أنه عليه السلام تزوج ميمونة وهو حلال ، وبنى عليها وهو حلال ، وكنت أنا الرسول بينهما } ، انتهى .

                                                                                                        ورواه أحمد في " مسنده " ، وابن حبان في " صحيحه " عن ابن خزيمة بسنده عن حماد بن زيد به ، قال الترمذي : حديث حسن ، ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد عن مطر .

                                                                                                        ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلا انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : وقد اختلفوا في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة ; لأنه عليه السلام تزوجها في طريق مكة ، فقال بعضهم : تزوجها حلالا ، وظهر أمر تزويجها ، وهو محرم ثم بنى بها ، وهو حلال بسرف في طريق مكة ، وماتت ميمونة بسرف حيث بنى بها ، ودفنت بسرف انتهى .

                                                                                                        وقال ، ابن حبان : وليس في هذه الأخبار تعارض ، ولا أن ابن عباس ، وهم ، لأنه أحفظ وأعلم من غيره : ولكن عندي أن معنى قوله : تزوج وهو محرم ، أي داخل في الحرم ، كما يقال : أنجد ، وأتهم ، إذا دخل نجدا ، وتهامة ، وذلك { أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم على الخروج إلى مكة في عمرة القضاء ، فبعث من المدينة أبا رافع ، ورجلا من الأنصار إلى مكة ليخطبا ميمونة له ، ثم خرج وأحرم ، فلما دخل مكة طاف وسعى وحل من عمرته ، وتزوج بها ، وأقام بمكة ثلاثا ، ثم سأله أهل مكة الخروج ، فخرج حتى بلغ سرف ، فبنى [ ص: 328 ] بها ، وهما حلالان }; فحكى ابن عباس نفس العقد ، وحكت ميمونة عن نفسها القصة على وجهها ، وهكذا أخبر أبو رافع ، وكان الرسول بينهما ، فدل ذلك مع نهيه عليه السلام عن نكاح المحرم وإنكاحه على صحة ما ادعيناه انتهى كلامه .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا أحمد بن عمر والبزار ثنا محمد بن عثمان بن مخلد الواسطي عن أبيه عن سلام أبي المنذر عن مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة ، وهو حلال }انتهى .

                                                                                                        ثم أخرجه عن ابن عباس من خمسة عشر طريقا { أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها ، وهو محرم } ، وفي لفظ : { وهما حرامان }; وقال : هذا هو الصحيح انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الطبراني في " معجمه " عن صفية بنت شيبة { أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال }.

                                                                                                        حديث يخالف ما تقدم : رواه مالك في " الموطأ " نقلا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار ، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ، ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة ابنة الحارث ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج }انتهى .

                                                                                                        قال النووي في " شرح مسلم " : وعن حديث ميمونة أجوبة ، أصحها أنه إنما تزوجها حلالا ، هكذا رواه أكثر الصحابة ، قال القاضي ، وغيره : لم يرو أنه تزوجها محرما غير ابن عباس وحده ; وروت ميمونة ، وأبو رافع ، وغيرهما أنه تزوجها حلالا ، وهم أعرف بالقضية لتعلقهم به ، وهم أضبط وأكثر ; الثاني : أنه تزوجها في الحرم وهو حلال ، ويقال لمن هو في الحرم : محرم ، وإن كان حلالا ، قال الشاعر :

                                                                                                        قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ودعا فلم أر مثله مخذولا

                                                                                                        أي في الحرم انتهى .

                                                                                                        قلت : وجدت في " صحاح الجوهري " ما يخالف ذلك ، [ ص: 329 ] فإنه قال : أحرم الرجل إذا دخل في الشهر الحرام ، وأنشد البيت المذكور على ذلك ، وأيضا فلفظ البخاري : { أنه عليه السلام تزوجها وهو محرم ، وبنى بها وهو حلال } ، يدفع هذا التفسير ، أو يبعده ، وقال صاحب " التنقيح " : وقد حمل بعض أصحابنا قول ابن عباس : وهو محرم ، أي في شهر حرام ، ثم أنشد البيت ، ثم نقل عن الخطيب البغدادي أنه روى بسنده عن إسحاق الموصلي ، قال : سأل هارون الرشيد الأصمعي بحضرة الكسائي ، عن قول الشاعر :

                                                                                                        قتلوا ابن عفان الخليفة محرما

                                                                                                        فقال الأصمعي : ليس معنى هذا أنه أحرم بالحج ، ولا أنه في شهر حرام ، ولا أنه في الحرم ، فقال الكسائي : ويحك ; فما معناه ؟ قال الأصمعي : فما أراد عدي بن زيد بقوله :

                                                                                                        قتلوا كسرى بليل محرما فتولى لم يمتع بكفن

                                                                                                        أي إحرام لكسرى ؟ فقال : الرشيد : فما المعنى ؟ قال : كل من لم يأت شيئا يوجب عليه عقوبة فهو محرم ، لا يحل منه شيء ، فقال له الرشيد : أنت لا تطاق انتهى .

                                                                                                        قال النووي : والثالث من الأجوبة عن حديث ميمونة : أن الصحيح عن الأصوليين تقديم القول إذا عارضه الفعل ، لأن القول يتعدى إلى الغير ، والفعل قد يقتصر عليه ، قال : والرابع : أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                                                                        وقال الطحاوي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " : والأخذ بحديث أبي رافع أولى ، لأنه كان السفير بينهما ، وكان مباشرا للحال ، وابن عباس كان حاكيا ، ومباشر الحال مقدم على حاكيه ، ألا ترى عائشة كيف أحالت على علي حين سألت عن مسح الخف ، وقالت : سلوا عليا ، فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية