الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وإذا تزوجها بشرط التحليل فالنكاح مكروه ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { لعن الله المحلل والمحلل له }وهذا هو محمله ( فإن طلقها بعدما وطئها حلت للأول ) لوجود الدخول في نكاح صحيح ، إذ النكاح لا يبطل بالشرط وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يفسد النكاح ; لأنه في معنى الموقت فيه ، ولا يحلها على الأول لفساده وعن محمد رحمه الله أنه يصح النكاح لما بينا ، ولا يحلها على الأول ; لأنه استعجل ما أخره الشرع فيجازى بمنع مقصوده كما في قتل المورث . ( وإذا طلق الحرة تطليقة أو تطليقتين ، وانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر ، ثم عادت [ ص: 486 ] إلى الزوج الأول عادت بثلاث تطليقات ، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث كما يهدم الثلاث وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. وقال محمد رحمه الله : لا يهدم ما دون الثلاث ) ; لأنه غاية للحرمة بالنص فيكون منهيا ولا إنهاء للحرمة قبل الثبوت ، ولهما قوله عليه الصلاة والسلام : { لعن الله المحلل والمحلل له }سماه محللا وهو المثبت للحل .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث : قال عليه السلام : { لعن الله المحلل والمحلل له }; قلت : روي من [ ص: 486 ] حديث ابن مسعود ; ومن حديث علي ; ومن حديث جابر ; ومن حديث عقبة بن عامر ; ومن حديث أبي هريرة ; ومن حديث ابن عباس .

                                                                                                        فحديث ابن مسعود : أخرجه الترمذي ، والنسائي من غير وجه عن سفيان الثوري عن أبي قيس ، واسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي عن هزيل بن شرحبيل الأودي عن عبد الله بن مسعود ، قال : { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح ; ورواه أحمد في " مسنده " ، ووهم شيخنا علاء الدين في عزوه لأبي داود ، وله طريق آخر : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا زكريا بن عدي ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم الجزري عن أبي الواصل عن ابن مسعود ، فذكره .

                                                                                                        وحديث علي : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن الحارث عن علي ، قال : { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ أبي داود فيه شك ، فقال : أراه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو معلول بالحارث .

                                                                                                        وحديث جابر : أخرجه الترمذي عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله [ ص: 487 ] بنحوه سواء ، قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بقائم ، فإن مجالد بن سعيد قد ضعفه بعض أهل العلم : منهم أحمد بن حنبل انتهى .

                                                                                                        وحديث عقبة بن عامر : أخرجه ابن ماجه عن الليث بن سعد ، قال لي أبو مصعب : مشرح بن هاعان ، قال عقبة بن عامر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : هو المحلل ، لعن الله المحلل والمحلل له }انتهى .

                                                                                                        قال عبد الحق في " أحكامه " : إسناده حسن انتهى .

                                                                                                        وقال الترمذي في " علله الكبرى " : الليث بن سعد ما أراه سمع من مشرح بن هاعان ، انتهى .

                                                                                                        وقال ابن أبي حاتم في " علله " : سألت أبا زرعة عن حديث رواه الليث بن سعد عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر ، فذكره ، فقال : لم يسمع الليث من مشرح شيئا ، ولا روى عنه انتهى .

                                                                                                        قلت : قوله : في الإسناد : قال لي أبو مصعب : يرد ذلك ; ورواه الدارقطني في " سننه " معنعنا عن أبي صالح ، كاتب الليث عن الليث عن مشرح به ، وكذلك حسنه عبد الحق ، لأنه ذكره من جهة الدارقطني ، وأبو صالح مختلف فيه . وإلا فالحديث صحيح من عند ابن ماجه ، فإن شيخ ابن ماجه يحيى بن عثمان ذكره ابن يونس في " تاريخ المصريين " ، وأثنى عليه بعلم وضبط ، وأبوه عثمان بن صالح المصري ثقة ، أخرج له البخاري ، وأما مشرح بن هاعان فوثقه ابن القطان ، ونقل عن ابن معين أنه وثقه ; والعلة التي ذكرها ابن أبي حاتم : لم يعرج عليها ابن القطان ، ولا غيره .

                                                                                                        وحديث ابن عباس : رواه ابن ماجه أيضا حدثنا محمد بن بشار ثنا أبو عامر عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس ، بنحوه سواء .

                                                                                                        وأما حديث أبي هريرة : فرواه أحمد ، والبزار ، وأبو يعلى الموصلي ، وإسحاق بن راهويه في " مسانيدهم " عن عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة بنحوه ، سواء ; ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ، والبيهقي في " سننه " ، وعبد الله بن جعفر ، وثقه أحمد ، وابن المديني ، وابن معين ، وغيرهم ; [ ص: 488 ] وأخرج له مسلم في " صحيحه " ، وعثمان بن محمد الأخنسي وثقه ابن معين ، وسعيد المقبري ، متفق عليه ، فالحديث صحيح .

                                                                                                        { حديث آخر } في الباب : أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن سعيد بن أبي مريم ثنا أبو غسان محمد بن مطرف المدني عن عمر بن نافع عن أبيه أنه قال : { جاء رجل إلى ابن عمر ، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له ليحلها لأخيه ، هل تحل للأول ؟ قال : لا ، إلا نكاح رغبة ، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم }. انتهى ، وصححه .

                                                                                                        واعلم أن المصنف استدل بهذا الحديث على كراهة النكاح المشروط به التحليل ، وظاهره يقتضي التحريم ، كما هو مذهب أحمد ، ولكن يقال : لما سماه محللا دل على صحة النكاح ، لأن المحلل هو المثبت للحل ، فلو كان فاسدا لما سماه محللا ، ثم أعاده المصنف مستدلا به لأبي حنيفة على أن الزوج الثاني ، يهدم ما دون الثلاث كما يهدم الثلاث ; وفيه أثر جيد ، رواه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير ، قال : كنت جالسا عند عبد الله بن عتبة بن مسعود ، إذ جاءه أعرابي فسأله عن رجل طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ، ثم انقضت عدتها فتزوجت زوجا غيره ، فدخل بها ، ثم مات عنها أو طلقها ، ثم انقضت عدتها ; وأراد الأول أن يتزوجها على كم هي عنده ، فالتفت إلى ابن عباس ، وقال : ما تقول في هذا ؟ قال : يهدم الزوج الثاني الواحدة ، والثنتين ، والثلاث ، واسأل ابن عمر ، قال : فلقيت ابن عمر فسألته ، فقال : مثل ما قال ابن عباس انتهى .

                                                                                                        أحاديث الخصوم : روى البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي ثنا ابن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار أنهم سمعوا أبا هريرة يقول : سألت عمر بن الخطاب عن رجل من أهل البحرين طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ، ثم انقضت عدتها ، فتزوجها غيره ، ثم فارقها ، ثم تزوجها الأول ، قال : هي عنده على ما بقي انتهى .

                                                                                                        وروى من حديث الحكم بن عتيبة عن يزيد بن جابر عن أبيه أنه سمع علي بن أبي طالب يقول : هي على ما بقي ، انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية