الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 327 ] ( وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس ، وآخر وقتها ما لم يغب الشفق ) وقال الشافعي رحمه الله : مقدار ما يصلي فيه ثلاث ركعات ; لأن جبريل عليه السلام أم في اليومين في وقت واحد . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : " { أول وقت المغرب حين تغرب الشمس ، وآخر وقتها حين يغيب الشفق }وما رواه كان للتحرز عن الكراهة . [ ص: 328 ] ( ثم الشفق هو البياض الذي في الأفق بعد الحمرة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وعندهما هو الحمرة ) وهو رواية عن أبي حنيفة ، وهو قول الشافعي ; لقوله عليه الصلاة والسلام : " { الشفق الحمرة }. [ ص: 329 - 331 ] ولأبي حنيفة رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام : " { وآخر وقت [ ص: 332 ] المغرب إذا اسود الأفق }وما رواه موقوف على ابن عمر رضي الله عنهما ، ذكره مالك رحمه الله في الموطأ ، وفيه اختلاف الصحابة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        { الحديث السادس } : روي أن { جبرائيل عليه السلام أم النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب في اليومين في وقت واحد } ، قلت : تقدم ذلك في حديث ابن عباس ، وفي حديث أبي مسعود ، وفي حديث أبي هريرة ، وفي حديث عمرو بن حزم ، وفي حديث الخدري ، وفي حديث ابن عمر . واعلم أنه لم يرد صلاة المغرب في إمامة جبرائيل إلا في وقت واحد ، ولكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاها في وقتين ، فأخرج مسلم في " صحيحه " عن بريدة أن { رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة ، فقال : اشهد معنا الصلاة ، فأمر بلالا فأذن بغلس فصلى الصبح حين طلع الفجر ، ثم أمره بالظهر حين زالت الشمس عن بطن السماء ، ثم أمره بالعصر والشمس مرتفعة ، ثم أمره بالمغرب حين وجبت الشمس ، ثم أمره بالعشاء حين وقع الشفق ، ثم أمره من الغد فنور بالصبح ، ثم أمره بالظهر فأبرد ، ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقية لم يخالطها صفرة ، ثم أمره بالمغرب قبيل أن يقع الشفق ، ثم أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل أو بعضه ، فلما أصبح ، قال : أين السائل ؟ ما بين ما رأيت وقت } ، انتهى .

                                                                                                        وروى نحوه من حديث أبي موسى ، وسيأتي قال البيهقي في " كتاب المعرفة " والأشبه أن يكون قصة المسألة عن المواقيت بالمدينة ، وقصة إمامة جبرائيل عليه السلام بمكة ، والوقت الآخر لصلاة المغرب زيادة منه ، ورخصة انتهى .

                                                                                                        وحديث الكتاب استدل به المصنف للشافعي على أن وقت المغرب [ ص: 328 ] قدر ثلاث ركعات . قال ابن الجوزي في " التحقيق " : ولنا عن أحاديث : إمامة جبرائيل أنه أم به عليه السلام المغرب في اليومين وقتا واحدا ثلاثة أجوبة : أحدها : أن أحاديثنا أنه صلاها في وقتين أصح ، وأكثر رواة الثاني أن إمامة جبرائيل كانت بمكة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة ، وإنما يؤخذ بالآخر من أمره عليه السلام .

                                                                                                        والثالث : أن فعله عليه السلام للمغرب في وقت واحد لا يدل على أنه لا وقت لها غيره ، بدليل أن العصر يصح بعد اصفرار الشمس ، وهو وقت لها ، مع أنه عليه السلام لم يصلها مع جبرائيل في الوقتين ، إلا قبل الاصفرار ولم يدل ذلك على أنه لا وقت لها غيره ، ومبادرته عليه السلام إلى المغرب في وقت واحد في اليومين إنما كان لأجل الفضيلة ، والله أعلم انتهى كلامه .

                                                                                                        { الحديث السابع } : قال عليه السلام : { أول وقت المغرب حين تغرب الشمس ، وآخره حين يغيب الشفق }" ، قلت : غريب ، وبمعناه ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات ، فقال : وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول ، ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم تحضر العصر ، ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول ، ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق ، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل }" انتهى . وفي رواية : " ما لم يغب الشفق " انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الترمذي عن محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن للصلاة أولا وآخرا ، وإن أول صلاة الظهر حين تزول الشمس ، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر ، إن أول وقت العصر حين يدخل وقتها ، وإلى آخر وقتها حين تصفر الشمس ، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس ، وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق ، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق ، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل ، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر ، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس }" انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : قال محمد بن إسماعيل [ ص: 329 ] حديث محمد بن فضيل هذا خطأ ، أخطأ فيه ابن فضيل انتهى . ورواه الدارقطني ، وقال : إنه لا يصح مسندا ، وهم فيه ابن فضيل ، وغيره يرويه عن الأعمش عن مجاهد مرسلا ، وهو أصح انتهى .

                                                                                                        قال ابن الجوزي في " التحقيق " : وابن فضيل ثقة يجوز أن يكون الأعمش سمعه من مجاهد مرسلا ، وسمعه من أبي صالح مسندا انتهى .

                                                                                                        وقال ابن أبي حاتم في " العلل " : سألت أبي عن حديث محمد بن فضيل هذا ، فقال : وهم فيه ابن فضيل ، إنما يرويه أصحاب الأعمش عن الأعمش عن مجاهد قوله وقال ابن القطان في " كتاب " : ولا يبعد أن يكون عند الأعمش في هذا طريقان : إحداهما : مرسلة ، والأخرى : مرفوعة ، والذي رفعه صدوق من أهل العلم ، وثقه ابن معين ، وهو محمد بن فضيل انتهى .

                                                                                                        { أحاديث الباب } : مما يحتج به على الشافعي ما أخرجه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله أن { عمر جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس ، فجعل يسب كفار قريش ، فقال : يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والله ما صليتها فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان ، فتوضأ وتوضأنا ، فصلى العصر بعدما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب }انتهى . { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه البخاري ، ومسلم أيضا عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ، ولا تعجلوا عن عشائكم }" انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه مسلم عن بريدة ، قال : { أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فسأله عن مواقيت الصلاة ، فقال : أقم معنا ، فأمر بلالا ، فأقام فصلى حين طلع الفجر ، ثم أمره فأقام حين زالت الشمس فصلى الظهر ، ثم أمره فأقام فصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة ، ثم أمره بالمغرب حين وقع حاجب الشمس ، ثم أمره بالعشاء فأقام فصلى حين غاب الشفق ، ثم أمره من الغد ، فنور بالفجر ، ثم أمره بالظهر وأنعم أن يبرد ، ثم أمره بالعصر ، فأقام والشمس آخر وقتها ، ثم أمره فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق ، ثم أمره بالعشاء ، فأقام حين ذهب ثلث الليل ، ثم قال : أين السائل عن مواقيت [ ص: 330 ] الصلاة ؟ قال الرجل : أنا ، فقال : مواقيت الصلاة بين هذين }انتهى . وقد تقدم في الحديث الثالث .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه مسلم أيضا عن أبي موسى { أن سائلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئا ، قال : فأمر بلالا فأقام الفجر حين انشق الفجر ، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا ، ثم أمره ، فأقام بالظهر حين زالت الشمس والقائل يقول : قد انتصف النهار ، وهو كان أعلم منهم ثم أمره ، فأقام بالعصر والشمس مرتفعة ، ثم أمره ، فأقام المغرب حين وقعت الشمس ، ثم أمره ، فأقام العشاء حين غاب الشفق ، ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف والقائل يقول : قد طلعت الشمس أو كادت ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس ، ثم أخر العصر حتى انصرف منها ، والقائل يقول : قد احمرت الشمس ، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق ، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول ، ثم أصبح فدعا السائل ، فقال : الوقت بين هذين }انتهى .

                                                                                                        حديث آخر :

                                                                                                        أخرجه مسلم أيضا عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس ، وكان ظل الرجل كطوله ، ما لم يحضر وقت العصر ، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق ، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط ، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس ، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة ، فإنها تطلع بين قرني الشيطان }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أحمد في " مسنده " والطبراني في " معجمه " عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن يزيد أن عبد الله بن عوف حدثه أن أبا جمعة حبيب بن سباع حدثه { أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب ، فلما فرغ قال : هل علم أحد منكم أني صليت العصر ؟ قالوا : لا يا رسول الله ما صليتها ، فأمر المؤذن فأقام فصلى العصر ، ثم أعاد المغرب }انتهى . وفيه ضعف ابن لهيعة بما انفرد به .

                                                                                                        { الحديث الثامن } : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الشفق الحمرة }" ، قلت : رواه [ ص: 331 ] الدارقطني في " سننه " من حديث عتيق بن يعقوب حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الشفق الحمرة }انتهى .

                                                                                                        وذكره كذلك في " كتابه غرائب مالك " غير موصول الإسناد ، فقال : قرأت في أصل أبي بكر أحمد بن عمرو بن جابر الرملي بخط يده ثنا علي بن عبد الصمد الطيالسي ثنا هارون بن سفيان المستملي حدثني عتيق به ، وينظر السنن ، وقال : حديث غريب ، ورواته كلهم ثقات انتهى .

                                                                                                        وأخرجه في " سننه " موقوفا على ابن عمر ، وعلى أبي هريرة وقال البيهقي في " المعرفة " : روي هذا الحديث عن عمر ، وعلي ، وابن عباس ، وعبادة بن الصامت ، وشداد بن أوس ، وأبي هريرة ، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء انتهى .

                                                                                                        وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : وروى الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي أخبرنا زاهد بن طاهر عن أبي بكر البيهقي أنبأنا عبد الله الحافظ أنبأنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنبأنا عبد العزيز بن محمد ثنا علي بن عبد الصمد الطيالسي ثنا هارون بن سفيان المستملي حدثني عتيق بن يعقوب بن صديق به سندا ومتنا ، قال البيهقي : الصحيح موقوف .

                                                                                                        قال الحافظ أبو القاسم : رواه موقوفا على ابن عمر عبيد الله بن عمر بن حفص العمري ، وعبد الله بن نافع مولى ابن عمر جميعا عن نافع عن ابن عمر ، قال : ورواه أبو القاسم أيضا من حديث علي بن جندل ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ثنا أبو حذافة ثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { الشفق الحمرة }قال أبو القاسم : تفرد به علي بن جندل الوراق عن المحاملي عن أبي حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي ، وقد رواه عتيق بن يعقوب عن مالك ، وكلاهما غريب ، وحديث عتيق أمثل إسنادا انتهى كلامه . قوله في الكتاب : وما رواه موقوف على ابن عمر ، ذكره مالك في " الموطإ " انتهى .

                                                                                                        والذي وجدته في " موطإ مالك " من رواية يحيى بن يحيى ، قال مالك : الشفق هو الحمرة التي تكون في المغرب ، فإذا ذهبت الحمرة فقد وجبت صلاة العشاء ، وخرجت من وقت المغرب انتهى . ولم أجد فيه غير ذلك لا مرفوعا ولا موقوفا ، وينظر من غير رواية يحيى . [ ص: 332 ]

                                                                                                        الحديث التاسع : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { آخر وقت المغرب إذا اسود الأفق }. قلت : غريب ، وروى أبو داود في " سننه " من حديث بشير بن أبي مسعود عن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { نزل جبرائيل فأخبرني بوقت الصلاة ، فصليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، يحسب بأصابعه خمس صلوات ، قال : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر حين تزول الشمس ، وربما أخرها حين يشتد الحر ، ورأيته يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن تدخلها الصفرة ، فينصرف الرجل من الصلاة ، فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس ، ويصلي المغرب حين يسقط الشمس ، ويصلي العشاء حين يسود الأفق ، وربما أخرها حتى يجتمع الناس ، وصلى الصبح مرة بغلس ، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " ، وسيأتي في حديث الإسفار ، وصدر الحديث في " الصحيحين " إلى قوله : يحسب بأصابعه خمس صلوات ، وكذلك النسائي . وابن ماجه ، ووهم شيخنا علاء الدين في عزوه الحديث بتمامه لأبي داود ، والنسائي مقلدا لغيره في ذلك ، والنسائي لم يخرج منه إلا صدره ، كما بيناه .




                                                                                                        الخدمات العلمية