الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 112 ] قال : ( ولا بأس بلبس الحرير والديباج في الحرب عندهما ) لما روى الشعبي رحمه الله : " { أنه عليه الصلاة والسلام رخص في لبس الحرير والديباج في الحرب }" ولأن فيه ضرورة فإن الخالص منه أدفع لمعرة السلاح وأهيب في عين العدو لبريقه .

                                                                                                        قال : ( ويكره عند أبي حنيفة رحمه الله ) ; لأنه لا فصل فيما رويناه ، والضرورة اندفعت بالمخلوط ، وهو الذي لحمته حرير وسداه غير ذلك والمحظور لا يستباح إلا لضرورة ، وما رواه محمول على المخلوط .

                                                                                                        قال : ( ولا بأس بلبس ما سداه حرير ولحمته غير حرير كالقطن والخز في الحرب وغيره ) ; لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يلبسون الخز مسدى بالحرير ، ولأن الثوب إنما يصير ثوبا بالنسج ، والنسج باللحمة فكانت هي المعتبرة دون السدى ; وقال أبو يوسف رحمه الله : أكره ثوب القز يكون بين الفرو والظهارة ، ولا أرى بحشو القز بأسا ; لأن الثوب ملبوس ، والحشو غير ملبوس .

                                                                                                        قال : ( وما كان لحمته حريرا وسداه غير حرير لا بأس به في الحرب ) للضرورة .

                                                                                                        قال : ( ويكره في غيره ) لانعدامها والاعتبار للحمة على ما بينا .

                                                                                                        [ ص: 111 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 111 ] الحديث التاسع : روى الشعبي { أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في لباس الحرير عند القتال }قلت : غريب عن الشعبي ، ورواه ابن عدي في الكامل " من حديث بقية عن عيسى بن إبراهيم بن طهمان الهاشمي عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير ، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : { رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في لباس الحرير عند القتال }انتهى . وأعله عبد الحق في " أحكامه " بعيسى هذا ، وقال : إنه ضعيف عندهم ، بل متروك ، قال ابن القطان في " كتابه " : وبقية لا يحتج به ; وعيسى ضعيف ، وموسى بن أبي حبيب ضعيف أيضا انتهى .

                                                                                                        وروى ابن سعد في " الطبقات في ترجمة عبد الرحمن بن عوف " أخبرنا القاسم بن مالك المزني عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال : كان المسلمون يلبسون الحرير في الحرب ، انتهى .

                                                                                                        قوله : روي أن الصحابة كانوا يلبسون الخز ; قلت : فيه آثار : منها ما رواه البخاري في " كتابه المفرد في القراءة خلف الإمام " ، حدثنا مسدد ثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة ، قال : رأيت عمران بن حصين يلبس الخز انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا إسماعيل ابن علية [ ص: 112 ] عن يحيى بن أبي إسحاق ، قال : رأيت على أنس بن مالك مطرف خز انتهى

                                                                                                        ورواه عبد الرزاق ، وأخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري ، قال : رأيت على أنس بن مالك جبة خز ، وكساء خز ، وأنا أطوف بالبيت مع سعيد بن جبير انتهى .

                                                                                                        ومن طريق عبد الرزاق رواه البيهقي في " شعب الإيمان " في الباب التاسع والثلاثين .

                                                                                                        { حديث آخر } : قال ابن أبي شيبة أيضا : حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث ; قال : رأيت الحسين بن علي ، وعليه كساء خز انتهى

                                                                                                        ورواه الطبراني في " معجمه " حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ثنا المطلب بن زياد عن السدي ، قال : رأيت الحسين بن علي ، وعليه عمامة خز ، [ ص: 113 ] وقد أخرج شعره من تحت العمامة انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن سفيان عن عمرو بن دينار سمع صفوان بن عبد الله بن صفوان يقول : استأذن سعد على ابن عامر ، وتحته مرافق من حرير ، فأمر بها ، فرفعت فدخل سعد ، وعليه مطرف خز ، فقال له ابن عامر : استأذنت علي ، وتحتي مرافق من حرير ، فأمر بها فرفعت ، فقال له : نعم الرجل أنت يا ابن عامر ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .

                                                                                                        { حديث آخر } : قال عبد الرزاق : عن عبد الله بن عمر العمري أخبرني وهب بن كيسان ، قال : رأيت ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسون الخز : سعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد ، وأبو هريرة ، وأنس بن مالك انتهى .

                                                                                                        ومن طريق عبد الرزاق رواه البيهقي في " شعب الإيمان " .

                                                                                                        حديث آخر : أخرجه البيهقي في " الشعب " أيضا عن عبد السلام بن حرب عن مالك بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس ، أنه كان يلبس الخز ، وقال : إنما يكره المصمت من الحرير انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : قال ابن أبي شيبة : حدثنا أبو داود الطيالسي عن عمران القطان أخبرني عمار ، قال : رأيت على أبي قتادة مطرف خز ، ورأيت على أبي هريرة مطرف خز ، ورأيت على ابن عباس ، ما لا أحصي انتهى

                                                                                                        [ ص: 114 ] حديث آخر } : قال ابن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني ، قال : رأيت على عبد الله بن أبي أوفى مطرف خز انتهى

                                                                                                        ورواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني عن أبي سعد البقال ، قال : رأيت عبد الله بن أبي أوفى ، وعليه برنس خز انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : وقال أيضا : حدثنا وكيع عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه ، قال : كان لأبي بكرة مطرف خز ، سداه حرير ، فكان يلبسه انتهى

                                                                                                        ورواه ابن سعد في " الطبقات أخبرنا يزيد بن هارون أنبأ عيينة بن عبد الرحمن به .

                                                                                                        { حديث آخر } : قال الطبراني في " معجمه " : حدثنا زكريا بن يحيى الساجي ثنا زيد بن أخزم ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يونس عن عمار بن أبي عمار ، قال : رأيت زيد بن ثابت ، وابن عباس ، وأبا هريرة ، وأبا قتادة يلبسون مطارف الخز انتهى .

                                                                                                        ذكره في " ترجمة أبي قتادة " ، واسمه الحارث بن ربعي { حديث آخر } : أخرجه البيهقي في " الشعب " أيضا عن عبد الله بن محمد بن أسماء ، قال : حدثني جويرية بن أسماء عن نافع أن ابن عمر كان ربما لبس مطرف الخز ، ثمنه خمسمائة درهم انتهى

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا الفضل بن موسى ثنا الجعيد بن عبد الرحمن ، قال : رأيت السائب بن يزيد وهو ابن أربع وسبعين سنة وكان جلدا معتدلا ، وكان عليه كساء خز ، وجبة خز ، وقطيفة خز ، ملتحفا بها عليه .

                                                                                                        { حديث آخر } : قال إسحاق أيضا : أخبرنا الفضل بن دكين الملائي ثنا قطر بن خليفة ، مولى عمرو بن حريث ، قال : رأيت على عمرو بن حريث مطرف خز انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه النسائي في " كتاب الكنى " أخبرنا أحمد بن علي بن سعيد ثنا يحيى بن معين ثنا محمد بن يزيد ثنا أبو جارية بن بلج قال : رأيت لبي بن لبي رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مطرف خز انتهى .

                                                                                                        [ ص: 115 ] حديث آخر } : رواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت البناني أن عائذ بن عمرو المزني كان يلبس الخز انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه الطبراني في " كتاب مسند الشاميين " حدثنا يحيى بن عبد الباقي ثنا إدريس بن أبي الرباب ثنا رديح بن عطية ثنا إبراهيم بن أبي عبلة ، قال : رأيت أبا أبي ابن أم حرام ، وأخبرني أنه صلى مع القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه كساء خز انتهى

                                                                                                        وابن أم حرام اسمه عبد الله ، وهو ابن امرأة عبادة بن الصامت انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : وروي فيه أيضا حدثنا موسى بن عيسى بن المنذر ثنا أبي ثنا بقية عن إبراهيم بن أبي عبلة ، قال : أدركت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له : الأفطس ، فرأيت عليه ثوب خز انتهى

                                                                                                        { حديث آخر } : روى ابن سعد في " الطبقات في ترجمة عثمان " أخبرنا الواقدي ثنا ابن أبي سبرة عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى حدثني الأعرج عن محمد بن ربيعة بن الحارث [ ص: 116 ] قال : رأيت على عثمان بن عفان مطرف خز ، ثمنه مائتا درهم ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أبو داود في " سننه " من حديث عبد الله بن سعد الدشتكي عن أبيه قال : { رأيت رجلا ببخارى على بغلة بيضاء ، عليه عمامة خز سوداء ، وقال : كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى

                                                                                                        وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة أبي داود ، وسكت عنه ، وتعقبه ابن القطان ، فقال : وعبد الله بن سعد ، وأبوه ، والرجل الذي ادعى الصحبة ، كلهم لا يعرفون . أما سعد والد عبد الله فلا يعرف ، روى عنه غير ابنه عبد الله هذا الحديث الواحد ، وأما أبوه عبد الله فقد روى عنه جماعة ، وله ابن ، يقال له : عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الدشتكي ، مروزي ، صدوق ، وله ابن ، اسمه أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد ، وهو شيخ لأبي داود ، وعنه يروى هذا الحديث ، انتهى .

                                                                                                        الأحاديث المرفوعة : أخرج أبو داود في " سننه " عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال : { إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير ، فأما العلم من الحرير ، وسدا الثوب فلا بأس به }انتهى

                                                                                                        وخصيف بن عبد الرحمن ضعفه غير واحد .

                                                                                                        حديث مخالف لما تقدم : أخرج أبو داود في " سننه " عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم حدثني أبو عامر ، أو أبو مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم { قال : ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير ، وذكر كلاما ، قال : يمسخ منهم آخرون قردة وخنازير إلى يوم القيامة }انتهى وذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا ، فقال في " كتاب الأشربة " : وقال هشام بن عمار : ثنا صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم به ، قيل : ورواه البرقاني ، والإسماعيلي في " صحيحيهما " المخرجين على الصحيح بهذا الإسناد ، قال عبد الحق في " أحكامه " : وقد روي هذا بوجهين : يستحلون الحر بحاء مهملة ، وراء مهملة قال : وهو الزنا ; [ ص: 117 ] وروي بخاء وزاي قال : والأول هو الصواب ، انتهى ورأيت في " حاشيته " قال الأصمعي : الحر بكسر الحاء وتخفيف الراء المهملتين وأصله حرح ، فنقصوا في الواحد ، وأثبتوا في الجمع ، فقالوا : حر ، وثلاث أحراح انتهى




                                                                                                        الخدمات العلمية