الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 131 ] قال : ( وينظر الرجل من الرجل إلى جميع بدنه إلا ما بين سرته إلى ركبته ) لقوله عليه الصلاة والسلام : " { عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته }" ، ويروى : " { ما دون سرته حتى يجاوز ركبتيه }" وبهذا ثبت أن السرة ليست بعورة خلافا لما يقوله أبو عصمة والشافعي رحمه الله ، والركبة عورة خلافا لما قاله الشافعي ، والفخذ عورة خلافا لأصحاب الظواهر ، وما دون السرة إلى منبت الشعر عورة خلافا لما يقوله الإمام أبو بكر محمد بن الفضل الكماري رحمه الله معتمدا فيه العادة ; لأنه لا معتبر بها مع النص بخلافه ، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال " { الركبة من العورة }" ، وأبدى الحسن بن علي رضي الله عنهما سرته فقبلها أبو هريرة رضي الله عنه ، [ ص: 132 ] وقال لجرهد : { وار فخذك ، أما علمت أن الفخذ عورة }" ، ولأن الركبة ملتقى عظم الفخذ والساق فاجتمع المحرم والمبيح وفي مثله يغلب المحرم وحكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ ، وفي الفخذ أخف منه في السوأة حتى إن كاشف الركبة ينكر عليه برفق ، وكاشف الفخذ يعنف عليه وكاشف السوأة يؤدب إن لج

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السابع عشر : روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الركبة من العورة }; قلت : غريب من حديث أبي هريرة ، وتقدم في " شروط الصلاة " من حديث علي عند الدارقطني ، وفيه ضعف .

                                                                                                        الحديث الثامن عشر : وأبدى الحسين بن علي سرته ، فقبلها أبو هريرة ; قلت : رواه أحمد في " مسنده " ، وابن حبان في " صحيحه " ، والبيهقي في " سننه " عن أبي عون عن عمير بن إسحاق ، قال : كنت أمشي مع الحسن بن علي في بعض طرق المدينة ، فلقينا أبو هريرة ، فقال للحسن : اكشف لي عن بطنك جعلت فداك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله ، قال : فكشف عن بطنه ، فقبل سرته ، ولو كانت من العورة [ ص: 132 ] ما كشفها انتهى

                                                                                                        وكذلك رواه ابن أبي شيبة في " مسنده " ، ومن طريقه ابن حبان أخبرنا شريك عن ابن عون به ، وسند أحمد حدثنا إسماعيل عن ابن عون به ، وفي " معجم الطبراني " خلاف هذا ، حدثنا أبو مسلم الكشي ثنا أبو عاصم عن ابن عون عن عمير بن إسحاق { أن أبا هريرة لقي الحسن بن علي رضي الله عنهم ، فقال له : ارفع ثوبك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ، فرفع عن بطنه ووضع يده على سرته }انتهى

                                                                                                        الحديث التاسع عشر : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجرهد : " { أما علمت أن الفخذ عورة ؟ }" ; قلت : رواه أبو داود في " الحمام " من طريق مالك عن أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه ، عن : جرهد من أصحاب الصفة أنه قال : { جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا ، وفخذي منكشفة ، فقال : أما علمت أن الفخذ عورة }؟ " انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الترمذي في " الاستئذان " عن سفيان عن أبي النضر عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن جده جرهد ، قال : { مر النبي صلى الله عليه وسلم بجرهد في المسجد ، وقد انكشف فخذه ، فقال : إن الفخذ عورة }انتهى ، وقال : حديث حسن ، وما أرى إسناده بمتصل ، ثم أخرجه عن عبد الرزاق ثنا معمر عن أبي الزناد ، قال : أخبرني ابن جرهد عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : غط فخذك ، فإنها من العورة }انتهى

                                                                                                        وقال أيضا : حديث حسن ، ثم أخرجه عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن جرهد الأسلمي عن أبيه { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الفخذ عورة }انتهى

                                                                                                        وقال : حديث حسن غريب من هذا الوجه انتهى . وبسند أبي داود رواه أحمد في " مسنده " ، وابن حبان في " صحيحه " في النوع الثامن والسبعين ، من القسم الأول ، [ ص: 133 ] وزرعة بن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي وثقه النسائي ، وذكره ابن حبان في " الثقات " ، وقال : من زعم أنه زرعة بن مسلم بن جرهد فقد وهم انتهى

                                                                                                        ورواه الدارقطني في " سننه في آخر الطهارة " من حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد حدثني آل جرهد عن جرهد ، ورواه الحاكم في " المستدرك في كتاب اللباس " عن سفيان عن سالم أبي النضر عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن جده جرهد ، فذكره ; وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى .

                                                                                                        قال ابن القطان في " كتابه " : وحديث جرهد له علتان : إحداهما : الاضطراب المؤدي لسقوط الثقة به ، وذلك أنهم مختلفون فيه ، فمنهم من يقول : زرعة بن عبد الرحمن ، ومنهم من يقول : زرعة بن عبد الله ، ومنهم من يقول : زرعة بن مسلم ، ثم من هؤلاء من يقول : عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من يقول : عن أبيه عن جرهد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يقول : زرعة عن آل جرهد عن جرهد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وإن كنت لا أرى الاضطراب في الإسناد علة ، فإنما ذلك إذا كان من يدور عليه الحديث ثقة ، فحينئذ لا يضره اختلاف النقلة عليه إلى مرسل ومسند ، أو رافع وواقف ، أو واصل وقاطع ; وأما إذا كان الذي اضطرب عليه الحديث غير ثقة ، أو غير معروف ، فالاضطراب يوهنه ، أو يزيده وهنا وهذه حال هذا الخبر ، وهي العلة الثانية أن زرعة ، وأباه غير معروفي الحال ، ولا مشهوري الرواية انتهى كلامه .

                                                                                                        أحاديث الباب : أخرج أبو داود عن حجاج عن ابن جريج ، قال : أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تكشف فخذك ، ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت }انتهى

                                                                                                        قال أبو داود : حديث فيه نكارة انتهى . وأخرجه ابن ماجه في " الجنائز " عن روح بن عبادة عن ابن جريج عن حبيب به ، قال الشيخ في " الإمام " : ورواية أبي داود تقتضي أن ابن جريج لم يسمعه من [ ص: 134 ] حبيب ، وأن بينهما رجلا مجهولا انتهى .

                                                                                                        وبسند ابن ماجه رواه الحاكم في " المستدرك في اللباس " ، وسكت عنه ; ورواه الدارقطني في " سننه في آخر الصلاة " ، وفيه أخبرني حبيب بن أبي ثابت ، ويراجع ، قال ابن القطان في " كتابه " : وقد ضعف هذا الحديث أبو حاتم في " علله " ، وقال : إن ابن جريج لم يسمعه من حبيب ، ولا حبيب من عاصم ، وعاصم وثقه العجلي ، وابن المديني ، وابن معين ، وقال النسائي : ليس به بأس ، وتكلم فيه ابن عدي ، وابن حبان ، انتهى

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الترمذي عن إسرائيل عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الفخذ عورة } ، انتهى

                                                                                                        وقال : حديث حسن غريب انتهى . وأخرجه الحاكم في " المستدرك " ، ولفظه : قال : { مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل فرأى فخذه مكشوفة ، فقال : غط فخذك ، فإن فخذ الرجل من عورته }انتهى

                                                                                                        وسكت عنه ، قال ابن القطان في " كتابه " : وأبو يحيى القتات اختلف في اسمه ، فقيل : زاذان ، وقيل : دينار ، وقيل : عبد الرحمن ، وقيل : غير ذلك ، ضعفه شريك ، ويحيى في رواية ، ووثقه في رواية أخرى ، وقال أحمد : روى عنه إسرائيل أحاديث كثيرة مناكير جدا ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال ابن حبان : فحش خطؤه ، وكثر وهمه ، حتى سلك غير مسلك العدول في الروايات انتهى

                                                                                                        ورواه أحمد في " مسنده " والبيهقي في " سننه " ، والطبراني في " معجمه " . [ ص: 135 ]

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أحمد في " مسنده " حدثنا هشيم ثنا حفص بن ميسرة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي كثير مولى محمد بن عبد الله بن جحش . عن محمد بن عبد الله بن جحش ، قال : { كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر علي معمر وهو جالس على باب داره ، وفخذه مكشوفة ، فقال له : يا معمر غط فخذك ، فإن الفخذ عورة }انتهى

                                                                                                        وهذا مسند صالح ورواه الطبراني في " معجمه " من ست طرق دائرة على العلاء قبل ، ورواه الطحاوي ، وصححه ، ورواه الحاكم في " المستدرك في الفضائل " ، وسكت عنه ، ورواه البخاري في " تاريخه الكبير " . حديث مخالف لما تقدم : أخرجه البخاري في " صحيحه " عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر ، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس ، فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة ، وأنا رديف أبي طلحة ، فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر ، ثم حسر الإزار عن فخذه ، حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل القرية قال : الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم ، فساء صباح المنذرين }انتهى ، ورواه مسلم بلفظ : فانحسر الإزار ، وليس فيه شيء ، قال النووي في " الخلاصة " : وهذه الرواية تبين رواية البخاري ، وأن المراد انحسر بغير اختياره ، لضرورة الإجراء انتهى

                                                                                                        أخرجه مسلم في " النكاح وفي المغازي "




                                                                                                        الخدمات العلمية