الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 168 ] قال : ( ولا بأس ببيع بناء بيوت مكة ويكره بيع أرضها ) وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا : لا بأس ببيع أرضها أيضا ، وهذا رواية عن أبي حنيفة رحمه الله ; لأنها مملوكة لهم لظهور الاختصاص الشرعي بها فصار كالبناء ، ولأبي حنيفة قوله عليه الصلاة والسلام : " { ألا إن مكة حرام لا تباع رباعها ولا تورث }" ولأنها حرة محترمة ; لأنها فناء الكعبة ، وقد ظهر آية أثر التعظيم فيها ، حتى لا ينفر صيدها ، ولا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها ، فكذا في حق البيع بخلاف البناء ; لأنه خالص ملك الباني .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السادس والثلاثون : قال عليه السلام : " { مكة حرام ، لا تباع رباعها ، ولا تورث }" ; قلت : أخرج الحاكم في " المستدرك في البيوع " ، وكذلك الدارقطني في " سننه " عن إسماعيل بن مهاجر عن أبيه عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مكة مناخ لا يباع رباعها ، ولا يؤاجر بيوتها }انتهى .

                                                                                                        قال الحاكم : [ ص: 169 ] حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه وقال الدارقطني : إسماعيل بن مهاجر ضعيف ، ولم يروه غيره انتهى .

                                                                                                        وذكره ابن القطان في " كتابه " من جهة الدارقطني ، وأعله بإسماعيل بن مهاجر . قال : قال البخاري : منكر الحديث ، انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي ، والعقيلي في " كتابيهما " ، وأعله بإسماعيل ، وأبيه ، وقالا في إسماعيل : لا يتابع عليه انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " : إسماعيل بن مهاجر هذا هو البجلي الكوفي ، وهو من رجال مسلم ، وقال الثوري : لا بأس به ، وضعفه ابن معين ، وكذلك أبوه ضعفوه ، وقال أحمد : أبوه أقوى منه انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الحاكم ، والدارقطني أيضا عن أبي حنيفة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ، { قال : إن الله حرم مكة ، فحرام بيع رباعها ، وثمنها ، وقال : من أكل من أجر بيوت مكة شيئا ، فإنما يأكل نارا }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ للدارقطني ، قال : مكة حرام ، وحرام بيع رباعها ، وأجر بيوتها انتهى .

                                                                                                        وسكت عنه الحاكم ، وجعله شاهدا لحديث ابن مهاجر ، وقال الدارقطني : هكذا رواه أبو حنيفة ، ووهم في موضعين : أحدهما قوله : عبيد الله بن أبي يزيد ، وإنما هو ابن أبي زياد القداح ، والثاني في رفعه ، والصحيح موقوف ، ثم أخرجه عن عيسى بن يونس ثنا عبيد الله بن أبي زياد حدثني أبو نجيح عن عبد الله بن عمرو ، قال : الذي يأكل كراء بيوت مكة إنما يأكل في بطنه نارا انتهى .

                                                                                                        وذكر ابن القطان حديث أبي حنيفة من رواية محمد بن الحسن عنه ، وقال : علته ضعف أبي حنيفة ، ووهم في قوله : عبيد الله بن أبي يزيد ، إنما هو ابن أبي زياد ، ووهم أيضا في رفعه ، وخالفه الناس ، فرواه عيسى بن يونس ، ومحمد بن ربيعة عن عبيد الله بن أبي زياد ، وهو الصواب عن أبي نجيح عن ابن عمر .

                                                                                                        وقوله : وقد رواه القاسم بن الحكم عن أبي حنيفة على الصواب ، وقال فيه : ابن أبي زياد ، فلعل الوهم من صاحبه محمد بن الحسن انتهى كلامه . قلت : أخرجه الدارقطني في " آخر الحج " عن أيمن بن نابل عن عبيد الله بن أبي زياد عن أبي نجيح عن عبد الله بن عمر ، ورفع الحديث ، قال : { من أكل كراء بيوت مكة أكل الربا }انتهى . [ ص: 170 ] وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { مكة حرام ، حرمها الله لا تحل بيع رباعها ، ولا إجارة بيوتها }" انتهى .

                                                                                                        حدثنا معتمر بن سليمان عن ليث عن مجاهد ، وعطاء ، وطاوس ، كانوا يكرهون أن يباع شيء من رباع مكة انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية