الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( ولا بأس بالحقنة يريد به التداوي ) ; لأن التداوي مباح بالإجماع ، وقد ورد بإباحته الحديث ، ولا فرق بين الرجال والنساء إلا أنه لا ينبغي أن يستعمل [ ص: 193 ] المحرم كالخمر ونحوها ; لأن الاستشفاء بالمحرم حرام .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : ولأن التداوي ، مباح ، وقد ورد بإباحته الحديث ; قلت : يشير إلى حديث : تداووا فإن الله جعل لكل داء دواء ، وقد روي من حديث أسامة بن شريك ; ومن حديث أبي الدرداء ; ومن حديث أنس ; ومن حديث ابن عباس ; ومن حديث ابن مسعود ، وأبي هريرة . فحديث أسامة : أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك ، قال : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير ، فسلمت ، ثم قعدت ، فجاء الأعراب من هاهنا وهاهنا ; فقالوا : يا رسول الله أنتداوى ؟ فقال : تداووا ، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء ، غير داء الهرم }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : [ ص: 193 ] حديث حسن صحيح ; ورواه أحمد ، وابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " ، ولفظ ابن راهويه فيه : { فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء إلا الموت ، قالوا : يا رسول الله ، فما أفضل ما أعطي العبد ؟ قال : خلق حسن ، قال : فلما قاموا من عنده جعلوا يقبلون يده ، قال شريك : فضممت يده إلي ، فإذا هي أطيب من المسك }انتهى .

                                                                                                        وبلفظ السنن رواه البخاري في " كتابه الأدب المفرد " ، والطبراني في " معجمه " ، وابن حبان في " صحيحه " في النوع السبعين ، من القسم الأول ، والحاكم في " المستدرك في كتاب العلم " ، وقال : حديث صحيح ، ولم يخرجاه ، وعلته عندهما أن أسامة بن شريك لا يروي عنه غير زياد بن علاقة ، قال : وله طرق أخرى ، نذكرها في " كتاب الطب " إن شاء الله تعالى ; ورواه في " كتاب الطب " عن مسعر بن كدام عن زياد بن علاقة به ، وقال : صحيح الإسناد ، وقد رواه عشرة من أئمة المسلمين ، وثقاتهم عن زياد بن علاقة ، مالك بن مغول ، وعمر بن قيس الملائي ، وشعبة ، ومحمد بن جحادة ، وأبو حمزة محمد بن ميمون السكري ، وأبو عوانة ، وسفيان بن عيينة ، وعثمان بن حكيم الأودي وشيبان بن عبد الرحمن النحوي ، وورقاء بن عمر والسكري ، وزهير بن معاوية الجعفي ، وإسرائيل بن يونس السبيعي ، ثم أخرج أحاديثهم الجميع ، ثم قال : فانظر هل يترك مثل هذا الحديث على اشتهاره ، وكثرة رواته ، بأن لا يوجد له عن الصحابي إلا تابعي واحد ؟ قال : وسألني الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني ، لم أسقط الشيخان حديث أسامة بن شريك من الكتابين ؟ فقلت له : لأنهما لم يجدا لأسامة بن شريك راويا غير زياد بن علاقة ، فقال لي أبو الحسن ، وكتبه لي بخطه : قد أخرجا جميعا حديث قيس بن أبي حازم عن عدي بن عميرة عن { النبي صلى الله عليه وسلم : من استعملناه على عمل } ، الحديث ، وليس لعدي بن عميرة راو غير قيس ، وأخرجا أيضا حديث الحسن عن عمرو بن تغلب ، وليس له راو غير الحسن ، وأخرجا أيضا حديث مجزأة بن زاهر الأسلمي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن لحوم الحمر الأهلية ، [ ص: 194 ] وليس لزاهر راو غير مجزأة ، وقد أخرج البخاري حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم : { يذهب الصالحون أسلافا } ، وليس لمرداس راو غير قيس ، وقد أخرج البخاري أيضا حديثين عن زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام بن زهرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس لعبد الله راو غير زهرة ، وحديث أسامة بن شريك أصح ، وأشهر ، وأكثر رواة من هذه الأحاديث ، مع أن أسامة بن شريك قد روى عنه علي بن الأقمر ، ومجاهد انتهى . وقال الحاكم في " كتاب الإيمان من المستدرك " في حديث أبي الأحوص عن أبيه مرفوعا ، { إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن ترى عليه }: لم يخرج الشيخان هذا الحديث ; لأن مالك بن نضلة ليس له راو غير ابنه أبي الأحوص ، وقد أخرج مسلم عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه ، وليس له راو غير ابنه ، وكذلك عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه ، وليس له راو غير ابنه انتهى كلامه .

                                                                                                        وأما حديث أبي الدرداء ، فأخرجه أبو داود في " سننه " عن إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم عن أبي عمران الأنصاري عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله أنزل الداء والدواء ، وجعل لكل داء دواء ، فتداووا ، ولا تتداووا بحرام }انتهى .

                                                                                                        وأما حديث أنس : فرواه أحمد في " مسنده " ، وابن أبي شيبة في " مصنفه " قالا : حدثنا يونس بن محمد ثنا حرب بن ميمون ، قال : سمعت عمران العمي ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الله عز وجل حيث خلق الداء خلق [ ص: 195 ] الدواء ، فتداووا }انتهى .

                                                                                                        وعن ابن أبي شيبة : رواه أبو يعلى في " مسنده " .

                                                                                                        وأما حديث ابن عباس : فرواه إسحاق بن راهويه ، وعبد بن حميد في " مسنديهما " ، قال الأول : حدثنا الفضل بن موسى ، وقال الثاني : حدثنا محمد بن عبيد ، قالا : ثنا طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { يأيها الناس تداووا ، فإن الله عز وجل لم يخلق داء إلا وقد خلق له شفاء ، إلا السام ، والسام الموت }" انتهى .

                                                                                                        ورواه الطبراني في " معجمه " عن طلحة بن عمرو به ، ورواه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " من طريق عبد الله بن وهب عن طلحة .

                                                                                                        وأما حديث ابن مسعود : فرواه البيهقي في " شعب الإيمان " في الباب التاسع والثلاثين حدثنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد ثنا الحسن بن علي بن المتوكل ثنا أبو الربيع ثنا أبو وكيع الجراح بن مليح عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود ، قال : { قال رجل : يا رسول الله نتداوى ؟ قال : نعم ، تداووا ، فإن الله عز وجل لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء } ، انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : وقد تابعه أبو حنيفة ، وأيوب بن عائذ عن قيس في رفعه انتهى .

                                                                                                        قلت : كذلك أخرجه أبو نعيم في " كتاب المفرد في الطب " عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي رضي الله عنه ، وأيوب بن عائذ الطائي عن قيس به مرفوعا ، والله أعلم . وأما حديث أبي هريرة : فرواه القضاعي في مسند الشهاب أخبرنا عبد الرحمن بن عمر الصفار ثنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا سعيد بن عتاب ثنا ابن أبي سمينة ثنا بكر بن بكار ثنا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تداووا ، فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء }" انتهى .

                                                                                                        ورواه أبو نعيم في " كتاب الطب " من حديث معتمر بن سليمان عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا ، نحوه سواء .




                                                                                                        الخدمات العلمية