الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( ومن حفر بئرا في برية فله حريمها ) ومعناه إذا حفر في أرض موات [ ص: 205 ] بإذن الإمام عنده أو بإذنه أو بغير إذنه عندهما ; لأن حفر البئر إحياء .

                                                                                                        قال : " ( فإن كانت للعطن فحريمها أربعون ذراعا ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا عطنا لماشيته }" ثم قيل : [ ص: 206 ] الأربعون من كل الجوانب ، والصحيح أنه من كل جانب ; لأن في الأراضي رخوة ويتحول الماء إلى ما حفر دونها . ( وإن كانت للناضح فحريمها ستون ذراعا ، وهذا عندهما ، وعند أبي حنيفة رحمه الله أربعون ذراعا ) لهما قوله عليه الصلاة والسلام : { حريم العين خمسمائة ذراع وحريم بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر الناضح ستون ذراعا }" ولأنه قد يحتاج فيه إلى أن يسير دابته للاستقاء وقد يطول الرشاء وبئر العطن للاستقاء منه بيده فقلت الحاجة فلا بد من التفاوت ، وله ما روينا من غير [ ص: 207 ] فصل . والعام المتفق على قبوله والعمل به أولى عنده من الخاص المختلف في قبوله والعمل به ولأن القياس يأبى استحقاق الحريم ; لأن عمله في موضع الحفر والاستحقاق به ، ففيما اتفق عليه الحديثان تركناه وفيما تعارضا فيه حفظناه ، ولأنه قد يستقى من العطن بالناضح ومن بئر الناضح باليد فاستوت الحاجة فيهما ، ويمكنه أن يدير البعير حول البئر فلا يحتاج فيه إلى زيادة مسافة . [ ص: 208 ] قال : ( وإن كانت عينا فحريمها خمسمائة ذراع ) لما روينا ولأن الحاجة فيه إلى زيادة مسافة ; لأن العين تستخرج للزراعة فلا بد من موضع يجري فيه الماء ومن حوض يجمع فيه الماء ومن موضع يجري فيه إلى المزرعة ، فلهذا يقدر بالزيادة والتقدير بخمسمائة بالتوقيف ، والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب كما ذكرنا في العطن ، والذراع هو المكسرة وقد بيناه من قبل ، وقيل : إن التقدير في العين والبئر بما ذكرناه في أراضيهم لصلابة بها وفي أراضينا رخاوة فيزاد كي لا يتحول الماء إلى الثاني فيتعطل الأول .

                                                                                                        [ ص: 205 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 205 ] الحديث الثالث : { قال عليه السلام : من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا ، عطنا لماشيته }; قلت : روي من حديث عبد الله بن مغفل ; ومن حديث أبي هريرة . فحديث عبد الله بن مغفل :

                                                                                                        أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن عبد الوهاب بن عطاء ثنا إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن عبد الله بن مغفل { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حفر بئرا فله أربعون ذراعا ، عطنا لماشيته }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه أيضا عن محمد بن عبد الله بن المثنى عن إسماعيل بن مسلم به ، وذكره ابن الجوزي في " التحقيق " بالسند الأول فقط ، وضعفه ، فقال : وعبد الوهاب بن عطاء قال الرازي : كان يكذب ، وقال العقيلي والنسائي : متروك الحديث انتهى

                                                                                                        قال في " التنقيح " : وهذا الذي فعله ابن الجوزي في هذا الحديث من أقبح الأشياء ; لأن ابن ماجه أخرجه من رواية اثنين عن إسماعيل بن مسلم ، فذكره ، هو من رواية أحدهما ، ثم إنه وهم فيه ، فإن عبد الوهاب هذا هو الخفاف ، وهو صدوق من رجال مسلم ، والذي نقل فيه ابن الجوزي هو ابن الضحاك ، وهو متأخر عن الخفاف لم ينفرد به عن إسماعيل ، فقد أخرجه ابن ماجه أيضا عن محمد بن عبد الله بن المثنى عن إسماعيل ، ولكن يكفي في تضعيف الحديث إسماعيل بن مسلم المكي ، والله أعلم ; قلت : صرح بنسبته إسحاق بن راهويه في " مسنده " فقال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن إسماعيل بن مسلم به ; ومن طريق إسحاق رواه الطبراني في " معجمه " ، وأما تضعيفه بإسماعيل بن مسلم فقد تابعه أشعث ، كما أخرجه الطبراني في " معجمه " عن أشعث عن الحسن عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه . واعلم أن ابن الجوزي إنما تمحل في تضعيف هذا الحديث ; لأنه احتج به لأبي حنيفة على أحمد في قوله : إن حريمها خمسة وعشرون ذراعا ، واحتج لأحمد بحديث أخرجه الدارقطني عن محمد بن يوسف المقري ثنا إسحاق بن أبي حمزة ثنا يحيى بن أبي الخصيب ثنا هارون بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حريم البئر البدي خمسة وعشرون [ ص: 206 ] ذراعا ، وحريم البئر العادية خمسون ذراعا }انتهى قال الدارقطني : الصحيح مرسل عن ابن المسيب ، ومن أسنده فقد وهم ، قال في " التنقيح " : قال الدارقطني محمد بن يوسف المقري ، وضع نحوا من ستين نسخة ، ووضع من الأحاديث المسندة ، والنسخ ما لا يضبط ، وقد رواه أبو داود في " المراسيل " عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن الزهري عن سعيد مرسلا ، وهو الصواب انتهى كلامه .

                                                                                                        وأما حديث أبي هريرة : فرواه أحمد في " مسنده " حدثنا هشيم عن عوف عن أبي هريرة ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حريم البئر أربعون ذراعا من جوانبها كلها لأعطان الإبل ، والغنم ، وابن السبيل ، أو الشارب ، ولا يمنع فضل ماء ، ليمنع به الكلأ } ، انتهى .

                                                                                                        الحديث الرابع : { قال عليه السلام : حريم العين خمسمائة ذراع ، وحريم بئر العطن أربعون ذراعا ، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا }" ; قلت : غريب ; وأخرج أبو داود في " مراسيله " عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حريم البئر العادية خمسون ذراعا ، وحريم بئر البدي خمس وعشرون ذراعا }.

                                                                                                        قال سعيد من قبل نفسه : وحريم قليب الزرع ثلاثمائة ذراع ، وزاد الزهري : وحريم العين خمسمائة ذراع من كل ناحية ، فهذا حريم ما يأذن به السلطان ، إلا أن يكون القوم في أرض أسلموا عليها وابتاعوها ، انتهى

                                                                                                        ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه في أثناء البيوع " حدثنا وكيع عن [ ص: 207 ] سفيان عن إسماعيل بن أمية عن الشعبي عن سعيد بن المسيب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بدون زيادة الزهري ، وكذلك رواه عبد الرزاق في " مصنفه في أواخر البيوع " أخبرنا محمد بن مسلم ثنا يحيى بن سعيد عن ابن المسيب ، قال : { جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حريم البئر المحدثة خمسة وعشرين ذراعا ، وحريم البئر العادية خمسين ذراعا }.

                                                                                                        قال ابن المسيب : وأرى أنا حريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع ، انتهى

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن الحسن بن أبي جعفر عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعا ، وحريم البئر العادية خمسون ذراعا ، وحريم العين السائحة ثلاثمائة ذراع ، وحريم عين الزرع ثلاثمائة ذراع }" انتهى

                                                                                                        وابن أبي جعفر ضعيف ، ثم أخرجه عن محمد بن يوسف المقري ثنا إسحاق بن أبي حمزة ثنا يحيى بن أبي الخصيب ثنا هارون بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا نحوه ; وقال : الصحيح عن ابن المسيب مرسل ، ومن أسنده فقد وهم انتهى .

                                                                                                        وأخرج الحاكم في " المستدرك في كتاب الأحكام " عن إسماعيل بن أمية عن الزهري عن سعيد بن المسيب يبلغ به { النبي صلى الله عليه وسلم قال : حريم قليب العادية خمسون ذراعا ، وحريم قليب البادي خمسة وعشرون ذراعا }انتهى .

                                                                                                        قال : وأسنده عمر بن قيس عن الزهري ، ثم أخرجه عن عمر بن قيس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : حريم البئر العادية خمسون ذراعا ، وحريم البئر المحدثة خمسة وعشرون ذراعا }انتهى .

                                                                                                        وسكت عنه ، قال عبد الحق في " أحكامه " : والمرسل أشبه .




                                                                                                        الخدمات العلمية