الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وإذا تخللت الخمر حلت ، سواء صارت خلا بنفسها أو بشيء يطرح فيها ولا يكره تخليلها ) وقال الشافعي رحمه الله : يكره التخليل ولا يحل الخل الحاصل به إن كان التخليل بإلقاء شيء فيه قولا واحدا ، وإن كان بغير إلقاء شيء فيه فله في الخل الحاصل به قولان ، له أن في التخليل اقترابا من الخمر على وجه التمول ، والأمر بالاجتناب ينافيه ، ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { نعم الإدام الخل }" من غير فصل ; وقوله عليه الصلاة والسلام : { خير خلكم خل خمركم }" ولأن بالتخليل يزول الوصف المفسد ، وتثبت صفة الصلاح من حيث تسكين الصفراء وكسر الشهوة والتغذي به والإصلاح مباح ، وكذا الصالح للمصالح اعتبارا بالمتخلل بنفسه وبالدباغ والاقتراب لإعدام الفساد ، فأشبه الإراقة والتخليل أولى لما فيه من إحراز مال يصير حلالا في الثاني فيختاره من ابتلي به ، وإذا صار الخمر خلا يطهر ما يوازيها من الإناء ، فأما أعلاه وهو الذي نقص منه الخمر قيل : يطهر تبعا وقيل لا يطهر ; لأنه خمر يابس إلا إذا غسل بالخل فيتخلل من ساعته فيطهر وكذا إذا صب فيه الخمر ثم ملئ خلا يطهر في الحال على ما قالوا .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الحادي عشر : { قال عليه السلام : نعم الإدام الخل }" ; قلت : روي من حديث جابر ; ومن حديث عائشة ; ومن حديث أم هانئ ; ومن حديث أيمن . [ ص: 242 - 243 ]

                                                                                                        فحديث جابر : رواه الجماعة إلا البخاري فمسلم ، والنسائي عن طلحة بن نافع عن جابر ، والباقون عن محارب بن دثار عنه ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم الإدام الخل }انتهى . أخرجه النسائي في " الوليمة " ، والباقون في " الأطعمة " .

                                                                                                        وأما حديث عائشة :

                                                                                                        فأخرجه الترمذي عن سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة ، قالت : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم الإدام الخل } ، انتهى

                                                                                                        وقال : حديث حسن صحيح ، غريب من هذا الوجه ، لا يعرف من حديث هشام بن عروة ، إلا عن سليمان بن بلال انتهى .

                                                                                                        وأخرجه مسلم بالإسناد المذكور ، نعم الأدم ، أو الإدام الخل ، وفي لفظ : نعم الأدم الخل ، من غير شك . وأما حديث أم هانئ : فأخرجه الحاكم في " المستدرك في الفضائل " عن عطاء عن ابن عباس { عن أم هانئ بنت أبي طالب ، قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل عندك طعام آكله ؟ وكان جائعا ، فقلت : إن عندي لكسرة يابسة ، وأنا أستحيي أن أقربها إليك ، [ ص: 244 ] فقال : هلميها ، فكسرتها ، ونثرت عليها الملح ، فقال : هل من إدام ، فقلت : يا رسول الله ما عندي إلا شيء من خل ، قال : هلميه ، فلما جئته به صبه على طعامه ، فأكل منه ، ثم حمد الله ، ثم قال : نعم الإدام الخل ، يا أم هانئ لا يفقر بيت فيه خل } ، انتهى .

                                                                                                        وأما حديث أيمن : فأخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه ، قال : { نزل بجابر ضيف ، فجاءهم بخبز وخل ، فقال : كلوا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : نعم الإدام الخل ، هلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم ، وهلاك بالرجل أن يحتقر ما في بيته ، يقدمه لأصحابه } ، انتهى

                                                                                                        أحاديث الباب : أخرج الدارقطني في " سننه " عن فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن عمرة { عن أم سلمة أنها كانت لها شاة تحتلبها ، ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما فعلت الشاة ؟ قالوا : ماتت ، قال : أفلا انتفعتم بإهابها ؟ فقلنا : إنها ميتة ، فقال عليه السلام إن دباغها يحله ، كما يحل خل الخمر }انتهى

                                                                                                        قال الدارقطني : تفرد به فرج بن فضالة ، وهو ضعيف ، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري أحاديث لا يتابع عليها انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : { خير خلكم ، خل خمركم } ، قال البيهقي في " المعرفة " : رواه المغيرة بن زياد ، عن أبي الزبير عن جابر { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : خير خلكم خل خمركم }" تفرد به المغيرة بن زياد ، وليس بالقوي ، وأهل الحجاز يسمون خل العنب خل الخمر ، قال : وإن صح فهو محمول على ما إذا تخلل بنفسه ، وعليه يحمل أيضا حديث فرج بن فضالة ، انتهى

                                                                                                        أحاديث الخصوم :

                                                                                                        واستدل الشافعية على منع تخليل الخمر بما أخرجه مسلم عن أنس ، قال : { سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر أيتخذ خلا ؟ قال : لا }انتهى

                                                                                                        وأخرج أيضا عن أنس ، { أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا ، قال : أهرقها ، قال : فلا نجعلها خلا ؟ قال : لا }انتهى .

                                                                                                        قالوا : فلو كان التخليل جائزا لكان فيه تضييع مال اليتيم ، [ ص: 245 ] ولوجب فيه الضمان ، قالوا : ولأن الصحابة أراقوها حين نزلت آية التحريم ، كما ورد في " الصحيح " ، فلو جاز التخليل لنبه عليه السلام ، كما نبه أهل الشاة الميتة على دباغها ، وأجاب الطحاوي بأنه محمول على التغليظ والتشديد ; لأنه كان في ابتداء الإسلام ، كما ورد ذلك في سؤر الكلب ، بدليل أنه ورد في بعض طرقه الأمر بكسر الدنان ، وتقطيع الزقاق ، رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدد ثنا معتمر ثنا ليث عن يحيى بن عباد عن أنس { عن أبي طلحة ، قال : قلت : يا رسول الله إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري ، فقال : أهرق الخمر ، وكسر الدنان } ، ورواه الدارقطني أيضا ، وروى أحمد في " مسنده " حدثنا الحكم بن نافع ثنا أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم شق زقاق الخمر بيده في أسواق المدينة } ، وقد تقدم بتمامه في " أحاديث تحريم الخمر " ، وهذا صريح في التغليظ ; لأن فيه إتلاف مال الغير ، وقد كان يمكن إراقة الدنان ، والزقاق ، وتطهيرها ; ولكن قصد بإتلافها التشديد ، ليكون أبلغ في الردع ، وقد ورد عن عمر أنه أحرق بيت خمار ، كما رواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا يزيد بن هارون أنبأ ابن أبي ذئب عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه أن عمر حرق بيت رويشد الثقفي ، وكان حانوتا لشراب ، قال : فقد رأيته يلتهب نارا انتهى .

                                                                                                        وقد ورد في حديث عن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم عوض الأيتام عن خمرهم مالا } ، كما رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا جعفر بن حميد الكوفي ثنا يعقوب العمي عن عيسى بن جارية عن جارية ، فذكره ، وفيه قال : { إذا أتانا مال البحرين فأتنا ، نعوض أيتامك مالهم } ، وقد تقدم بتمامه في " أحاديث تحريم الخمر " .




                                                                                                        الخدمات العلمية