الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 247 - 248 ] قال : ( وتعليم الكلب أن يترك الأكل ثلاث مرات ، وتعليم البازي أن يرجع ويجيب إذا دعوته ) وهو مأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما ولأن بدن البازي لا يحتمل الضرب ، وبدن الكلب يحتمله فيضرب ليتركه ولأن آية التعليم ترك ما هو مألوفه عادة ، والبازي متوحش متنفر فكانت الإجابة آية [ ص: 249 ] تعليمه ، وأما الكلب فهو ألوف يعتاد الانتهاب فكان آية تعليمه ترك مألوفه ، وهو الأكل والاستلاب ; ثم شرط ترك الأكل ثلاثا ، وهذا عندهما ، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله ; لأن فيما دونه مزيد الاحتمال فلعله تركه مرة أو مرتين شبعا ، فإذا تركه ثلاثا دل على أنه صار عادة له ، وهذا ; لأن الثلاث مدة ضربت للاختبار وإبلاء الأعذار كما في مدة الخيار ، وفي بعض قصص الأخيار ، ولأن الكثير هو الذي يقع أمارة على العلم دون القليل ، والجمع هو الكثير وأدناه الثلاث فقدر بها ، وعند أبي حنيفة رحمه الله : على ما ذكر في الأصل لا يثبت التعليم ما لم يغلب على ظن الصائد أنه معلم ، ولا يقدر بالثلاث ; لأن المقادير لا تعرف اجتهادا بل نصا وسماعا ولا سمع فيفوض إلى رأي المبتلى به كما هو أصله في جنسها ، وعلى الرواية الأولى عنده : يحل ما اصطاده ثالثا ، وعندهما : لا يحل ; لأنه إنما يصير معلما بعد تمام الثلاث ، وقبل التعليم غير معلم فكان الثالث صيد كلب جاهل ، وصار كالتصرف المباشر في سكوت المولى ، وله : أنه آية تعليمه عنده فكان هذا صيد جارحة معلمة بخلاف تلك المسألة ; لأن الإذن إعلام ولا يتحقق دون علم العبد وذلك بعد المباشرة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : وتعليم الكلب أن يترك الأكل ثلاث مرات ، وتعليم البازي أن يرجع ، [ ص: 249 - 252 ] ويجيب إذا دعوته ، وهو مأثور عن ابن عباس ; قلت : غريب ; وفي البخاري : وقال [ ص: 253 - 254 ] ابن عباس : إن أكل الكلب فقد أفسده ، إنما أمسك على نفسه ، والله تعالى يقول : [ ص: 255 ] { تعلمونهن مما علمكم الله }فيضرب ويعلم ، حتى يترك انتهى .

                                                                                                        وروى ابن جرير الطبري في " تفسيره في سورة المائدة " حدثنا أبو كريب ثنا أسباط بن محمد ثنا أبو إسحاق الشيباني عن حماد عن إبراهيم عن ابن عباس أنه قال في الطير : إذا أرسلته ، فقتل ، فكل ، فإن الكلب إذا ضربته لم يعد ، فإن تعليم الطير أن يرجع إلى صاحبه ، وليس يضرب ، فإذا أكل من الصيد ونتف الريش ، فكل انتهى .

                                                                                                        قوله : ولأنه اجتمع المبيح والمحرم ، فتغلب جهة الحرمة نصا ، أو احتياطا ; قلت : كأنه يشير إلى حديث : { ما اجتمع الحلال والحرام ، إلا وغلب الحرام الحلال } ، وهذا الحديث وجدته موقوفا على ابن مسعود ، أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه في الطلاق " حدثنا سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي ، قال : قال عبد الله ما اجتمع حلال وحرام ، إلا غلب الحرام الحلال ، قال سفيان : وذلك في الرجل يفجر بامرأة ، وعنده ابنتها أو أمها ، فإنه يفارقها انتهى

                                                                                                        قال البيهقي في " سننه " : رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن مسعود ، وجابر ضعيف ، والشعبي عن ابن مسعود منقطع انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية