الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ثم قال ( والكفارة مثل كفارة الظهار ) لما روينا ، ولحديث الأعرابي فإنه قال { يا رسول الله هلكت وأهلكت ، فقال : ماذا صنعت ؟ قال : واقعت امرأتي في نهار رمضان متعمدا ، فقال صلى الله عليه وسلم : أعتق رقبة ، فقال : لا أملك إلا رقبتي هذه ، فقال : صم شهرين متتابعين ، فقال : وهل جاءني ما جاءني إلا من الصوم ؟ فقال : أطعم ستين مسكينا ، فقال : لا أجد ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤتى بفرق من تمر ويروى بعرق فيه خمسة عشر صاعا ، وقال : فرقها على المساكين ، فقال : والله ما بين لابتي المدينة أحد أحوج مني ومن عيالي ، فقال : كل أنت وعيالك . [ ص: 15 - 16 ] ويجزيك ولا يجزئ أحدا بعدك }" وهو حجة على الشافعي في قوله : يخير ; لأن مقتضاه الترتيب ، وعلى مالك في نفي التتابع للنص عليه .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الرابع عشر : روي { أن أعرابيا أتى النبي عليه السلام ، فقال : يا رسول الله ، هلكت ، وأهلكت ، فقال : ماذا صنعت ؟ قال : واقعت امرأتي في نهار رمضان متعمدا ، فقال : أعتق رقبة ، قال : لا أملك إلا رقبتي هذه ، قال : فصم شهرين متتابعين ، فقال : وهل جاءني ما جاءني إلا من الصوم ، فقال : أطعم ستين مسكينا ، فقال : لا أجد ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يؤتى بفرق من تمر ويروى بعرق فيه خمسة عشر صاعا وقال : فرقها على المساكين ، فقال : والله ليس بين لابتي المدينة أحد أحوج مني ، ومن عيالي ، فقال : كل أنت وعيالك يجزئك ، ولا يجزئ أحدا بعدك }" ، قلت : أخرج أصحاب الكتب الستة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة ، قال : { أتى رجل النبي عليه السلام ، فقال : هلكت ، قال : ما شأنك ؟ ، قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، قال : فهل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟ قال : لا ، قال : اجلس ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بفرق فيه تمر ، فقال : تصدق به ، فقال : يا رسول [ ص: 15 ] الله ، ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت ثناياه }وفي لفظ : أنيابه ، وفي لفظ : نواجذه ثم قال : { خذه فأطعمه أهلك }" انتهى . وفي لفظ لمسلم : { وطئت امرأتي في رمضان نهارا }" ، وعند مالك في " الموطأ " : { أصبت أهلي ، وأنا صائم في رمضان }" ، وفي لفظ لأبي داود : زاد الزهري : وإنما كان هذا رخصة ، ولو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن به بد من التكفير ، وفي لفظ في " الصحيحين " : احترقت ، موضع هلكت ، وفيهما ما يدل لجمهور العلماء على أنه في العامد ، لأن الناسي غير هالك ، ولا محترق ، على أنه جاء في رواية مرسلة ، التصريح بالعمد ، أخرجه الدارقطني في " كتاب العلل " عن سعيد بن المسيب { : أن رجلا أتى النبي عليه السلام ، فقال : يا رسول الله أفطرت في رمضان متعمدا } ، الحديث . ويؤيده ما رواه مالك في " الموطأ " عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب ، قال { أتى أعرابي إلى النبي عليه السلام ينتف شعره ، ويضرب فخذه ، ويقول : هلك الأبعد } ، فذكره ، وهو من مراسيل سعيد .

                                                                                                        ورواه الدارقطني في " كتاب العلل " مسندا من حديث أبي هريرة ، فقال : حدثنا عبد الملك بن أحمد ثنا يعقوب الدورقي ثنا روح ثنا محمد بن أبي حفصة عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة : { أن أعرابيا جاء يلطم وجهه ، وينتف شعره } ، الحديث .

                                                                                                        وفي الكتاب : هلكت ، وأهلكت ، وليس في الكتب الستة : إلا هلكت فقط ، قال الخطابي : وروي في بعض طرقه هلكت ، وأهلكت ، واستدل بها بعضهم على مشاركة المرأة إياه في الجناية ، قال : وهذه اللفظة غير محفوظة ، وأصحاب سفيان لم يرووها عنه ، إنما ذكروا قوله : هلكت ، فقط ، غير أن بعض أصحابنا حدثني أن المعلى بن منصور روى هذا الحديث عن سفيان ، فذكر هذا الحرف فيه ، وهو غير محفوظ ، والمعلى ليس بذلك القوي في الحفظ والإتقان انتهى .

                                                                                                        قلت : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن أبي ثور ثنا معلى بن منصور ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة ، قال : { جاء أعرابي إلى النبي عليه السلام ، فقال : هلكت ، وأهلكت } ، الحديث . ثم قال : تفرد به [ ص: 16 ] أبو ثور عن معلى بن منصور عن ابن عيينة بقوله : وأهلكت ، وهم ثقات انتهى .

                                                                                                        وأخرجه البيهقي في " سننه " عن جماعة عن الأوزاعي عن الزهري به ، وفيه : هلكت وأهلكت ، قال البيهقي : ضعف شيخنا أبو عبد الله الحاكم هذه اللفظة : وأهلكت ، وقال : إنها أدخلت على محمد بن المسيب الأرغياني ، فقد رواه أبو علي الحافظ عن محمد بن المسيب بالإسناد دون هذه اللفظة ، ورواه كافة أصحاب الأوزاعي عن الأوزاعي دونها ، ولم يذكرها أحد من أصحاب الزهري عن الزهري وكان شيخنا أبو عبد الله يستدل على كونها في تلك الرواية أيضا خطأ ، بأنه نظر في " كتاب الصوم " تصنيف المعلى بن منصور ، فوجد فيه هذا الحديث دون هذه اللفظة ، وأن كافة أصحاب سفيان رووه دونها انتهى .

                                                                                                        وقال المنذري في " حواشيه " : وقول الزهري : إنما كان هذا رخصة له خاصة ; دعوى لم يقم له عليها برهان ، وقال غيره : إنه منسوخ ، وهو أيضا دعوى انتهى .

                                                                                                        وقوله في الكتاب : تجزئك ، ولا تجزئ أحدا بعدك ، لم أجده في شيء من طرق الحديث ، ولا رواية الفرق بالفاء ، والفرق : هو الزنبيل ، قيل : يسع خمسة عشر صاعا . واعلم أن الحديث ورد في " الصوم " أخرجه أبو داود عن هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، قال : { جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكره ، إلى أن قال : فأتى بعرق فيه تمر ، قدر خمسة عشر صاعا ، وقال : كله أنت وأهل بيتك ، وصم يوما ، واستغفر الله }.

                                                                                                        قال ابن القطان : وعلة هذا الحديث ضعف هشام بن سعد انتهى . وقال عبد الحق في " أحكامه " : طرق مسلم في هذا الحديث أصح وأشهر ، وليس فيها : صم يوما ، ولا مكتلة التمر ، ولا الاستغفار ، وإنما يصح القضاء مرسلا ، انتهى كلامه . وهذا المرسل في " موطأ مالك " عن عطاء بن عبد الله الخراساني عن سعيد بن المسيب ، قال : جاء أعرابي ، فذكره ، وفي آخره : فقال له عليه السلام : كله ، وصم يوما ، مكان ما أصبت ، مختصر . وزاد الدارقطني في هذا الحديث : فقد كفر الله عنك ، وكأن الشافعي لم تقع له هذه الرواية ، فإن البيهقي نقل عنه في " المعرفة " أنه قال : يحتمل أن الكفارة دين عليه متى قدر عليها ، أو شيء منها ، والله أعلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية