الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( ولو قال " لله علي صوم هذه السنة " أفطر يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق وقضاها ) لأن النذر بالسنة المعينة نذر بهذه الأيام ، وكذا إذا لم يعين لكنه شرط التتابع ، لأن المتابعة لا تعرى عنها ، لكن يقضيها في هذا الفصل موصولة تحقيقا للتتابع بقدر الإمكان ، ويتأتى في هذا خلاف زفر والشافعي رحمهما اللهللنهي عن الصوم فيها . [ ص: 56 ] وهو قوله عليه الصلاة والسلام { ألا لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال }" وقد بينا الوجه فيه والعذر عنه ، ولو لم يشترط التتابع لم يجزه صوم هذه الأيام ، لأن الأصل فيما يلتزمه الكمال ، والمؤدى ناقص لمكان النهي ، بخلاف ما إذا عينها ، لأنه التزم بوصف النقصان ، فيكون الأداء بالوصف الملتزم .

                                                                                                        قال ( وعليه كفارة يمين إن أراد به يمينا ) وقد سبقت وجوهه .

                                                                                                        ( ومن أصبح يوم النحر صائما ثم أفطر لا شيء عليه ، وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما اللهفي النوادر أن عليه القضاء ) لأن الشروع ملزم كالنذر ، وصار كالشروع في الصلاة في الوقت المكروه . والفرق لأبي حنيفة رحمه الله وهو ظاهر الرواية أن بنفس الشروع في الصوم يسمى صائما ، حتى يحنث به الحالف على الصوم ، فيصير مرتكبا للنهي فيجب إبطاله ، فلا تجب صيانته ، ووجوب القضاء يبتنى عليه ، ولا يصير مرتكبا للنهي بنفس النذر ، وهو الموجب ، ولا بنفس الشروع في الصلاة حتى يتم ركعة ، ولهذا لا يحنث به الحالف على الصلاة ، فتجب صيانة المؤدى ، ويكون مضمونا بالقضاء .

                                                                                                        وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يجب القضاء في فصل الصلاة أيضا ، والأظهر هو الأول ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الرابع والعشرون : قال عليه السلام : { لا تصوموا في هذه الأيام ، فإنها أيام أكل وشرب وبعال }" ، قلت : روي من حديث ابن عباس ، ومن حديث أبي هريرة ، ومن حديث عبد الله بن حذافة ، ومن حديث أم خلدة الأنصاري .

                                                                                                        فحديث ابن عباس : رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا أبو كريب ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل أيام منى صائحا يصيح : أن لا تصوموا هذه الأيام ، فإنها أيام أكل وشرب وبعال } ، والبعال : وقاع النساء انتهى . [ ص: 57 ] وحديث أبي هريرة : أخرجه الدارقطني في " سننه في الضحايا " عن سعيد بن سلام العطار ثنا عبد الله بن بديل الخزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى : ألا إن الذكاة في الحلق واللبة ، ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق ، وأيام منى أيام أكل وشرب وبعال }انتهى . وسعيد هذا رماه أحمد بالكذب .

                                                                                                        وحديث عبد الله بن حذافة : أخرجه الدارقطني أيضا عن الواقدي ثنا ربيعة عن عثمان عن محمد بن المنكدر سمع مسعود بن الحكم الزرقي يقول : حدثني عبد الله بن حذافة السهمي ، قال : { بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته أيام منى أنادي : أيها الناس إنها أيام أكل وشرب وبعال }انتهى . وقال : الواقدي ضعيف .

                                                                                                        وحديث أم خلدة الأنصاري : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه في الحج " ، وإسحاق بن راهويه في " مسنده " ، قالا : حدثنا وكيع عن موسى بن عبيدة عن منذر بن جهم عن عمر بن خلدة عن أمه ، قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ينادي أيام منى : إنها أيام أكل وشرب وبعال }انتهى .

                                                                                                        زاد إسحاق في حديثه : يعني النكاح انتهى . ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الطبراني في " معجمه " وأبو يعلى الموصلي في " مسنده " ، ورواه عبد بن حميد في " مسنده " حدثنا زيد بن الحباب ثنا موسى بن عبيدة به سندا ومتنا .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " من حديث موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن زيد بن خالد الجهني ، قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فنادى أيام التشريق : ألا إن هذه الأيام أيام أكل وشرب ونكاح }انتهى .

                                                                                                        وأخرج مسلم في " صحيحه " عن نبيشة الهذلي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أيام التشريق أيام أكل وشرب }" ، زاد في طريق آخر : وذكر الله ، وأخرج عن كعب بن مالك نحوه . ووقع لشيخنا علاء الدين هاهنا تصحيف قبيح ، فقال : رواه مسلم عن عائشة ، وإنما هو عن نبيشة ، وهو قلد غيره في ذلك ، وقال المنذري في " حواشيه " : وقد روي هذا الحديث من رواية نبيشة ، وكعب [ ص: 58 ] بن مالك ، وعقبة بن عامر ، وبشر بن سحيم ، وأبي هريرة ، وعبد الله بن حذافة ، وعلي بن أبي طالب ، خرجها جماعة مع كثرة طرقها : منها ما هو مقصور على الأكل والشرب ، ومنها ما فيه معهما : وذكر الله ، ومنها ما فيه : وصلاة ، وليس في شيء منها : بعال ، وهي لفظ غريب انتهى كلامه .




                                                                                                        الخدمات العلمية