الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( ثم يخرج إلى الصفا فيصعد عليه ويستقبل البيت ويكبر ويهلل ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويرفع يديه ويدعو الله لحاجته ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام صعد الصفا حتى إذا نظر إلى البيت قام مستقبل القبلة يدعو الله }ولأن الثناء والصلاة يقدمان على الدعاء تقريبا إلى الإجابة كما في غيره من الدعوات ، والرفع سنة الدعاء وإنما صعد بقدر ما يصير البيت بمرأى منه لأن الاستقبال هو المقصود بالصعود ويخرج إلى الصفا من أي جنب شاء . [ ص: 133 - 134 ] وإنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني مخزوم وهو الذي يسمى باب الصفا لأنه كان أقرب الأبواب إلى الصفا إلا أنه سنة . [ ص: 135 ] قال : ( ثم ينحط نحو المروة ويمشي على هينته فإذا بلغ بطن الوادي يسعى بين الميلين الأخضرين سعيا ، ثم يمشي على هينته حتى يأتي المروة فيصعد عليها ويفعل كما فعل على الصفا ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام نزل من الصفا وجعل يمشي نحو المروة وسعى في بطن الوادي حتى إذا خرج من بطن الوادي مشى حتى صعد المروة وطاف بينهما سبعة أشواط }. [ ص: 136 ] قال : ( وهذا شوط واحد فيطوف سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ويسعى في بطن الوادي في كل شوط ) لما روينا ، وإنما يبدأ بالصفا لقوله عليه الصلاة والسلام فيه { ابدءوا بما بدأ الله تعالى به }ثم السعي بين الصفا والمروة واجب وليس بركن . [ ص: 137 ] وقال الشافعي رحمه الله : إنه ركن لقوله عليه الصلاة والسلام { إن الله تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا }. ولنا قوله تعالى: { فلا جناح عليه أن يطوف بهما }ومثله يستعمل للإباحة فينفي الركنية والإيجاب إلا أنا عدلنا عنه في الإيجاب ولأن الركنية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به ولم يوجد ، ثم معنى ما روي كتب استحبابا كما في قوله تعالى: { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت }الآية .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثامن والعشرون : روي أن { النبي عليه السلام صعد الصفا حتى إذا نظر إلى البيت قام مستقبل القبلة يدعو الله } ، قلت : تقدم من حديث جابر ، { فبدأ بالصفا ، فرقى عليه حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله وكبره } ، الحديث . قوله : والرفع سنة الدعاء ، قلت : فيه أحاديث : فمنها ما أخرجه أبو داود في " سننه في الدعاء " عن عبد العزيز بن محمد عن العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب عن أخيه إبراهيم بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك ، ونحوهما ، والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة ، والابتهال أن تمد يديك جميعا }انتهى . ثم أخرجه عن سفيان عن العباس بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس فذكره موقوفا .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أبو داود أيضا حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص [ ص: 133 ] عن السائب بن يزيد عن أبيه أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه } ، انتهى . وهو معلول بابن لهيعة .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أبو داود أيضا حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي حدثني عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { سلوا الله ببطون أكفكم ، ولا تسألوه بظهورها ، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم }.

                                                                                                        قال أبو داود : روي هذا الحديث من غير وجه كلها واهية ، وهذا الطريق أمثلها ، وهو ضعيف أيضا انتهى . قلت : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا محمد بن يزيد الواسطي ثنا عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس مرفوعا نحوه سواء ، ورواه ابن ماجه في " الدعاء " حدثنا محمد بن الصباح ثنا عائذ بن حبيب عن صالح بن حسان عن محمد بن كعب به .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود في " الصلاة " ، والترمذي في " الدعوات " ، وابن ماجه في " الدعاء " عن جعفر بن ميمون عن أبي عثمان النهدي عن سلمان عن النبي عليه السلام ، قال : { إن الله حيي كريم ، يستحيي من عبده أن يرفع يديه إليه فيردهما صفرا خائبتين }انتهى . قال الترمذي : حديث حسن غريب ، وبعضهم لم يرفعه انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الترمذي أيضا في " الدعوات " عن حماد بن عيسى الجهني عن حنظلة بن أبي سفيان عن سالم بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى ، وقد تفرد به انتهى . قال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : حماد بن عيسى الجهني يروي المقلوبات التي يظن أنها مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به انتهى .

                                                                                                        قال النووي : وأما قول عبد الحق ، قال فيه الترمذي : صحيح ، فليس في النسخ المعتمدة ، بل فيها أنه غريب ، قال : وقد ثبت { أنه عليه السلام رفع يديه في الدعاء } ، ذكرت من ذلك نحو عشرين حديثا في " شرح المهذب " ، والله أعلم . [ ص: 134 ]

                                                                                                        الحديث التاسع والعشرون : قال المصنف : ويخرج إلى الصفا من أي باب شاء ، إنما خرج النبي عليه السلام من باب بني مخزوم ، وهو يسمى باب الصفا ، لأنه كان أقرب الأبواب إلى الصفا ، لا أنه سنة ، قلت : روي من حديث ابن عمر ، ومن حديث جابر .

                                                                                                        فحديث ابن عمر : أخرجه النسائي في " سننه " أخبرنا محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت ابن عمر يقول : { لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت سبعا . ثم صلى خلف المقام ركعتين ، ثم خرج إلى الصفا من الباب الذي يخرج منه ، فطاف بالصفا والمروة }.

                                                                                                        قال شعبة : وأخبرني أيوب عن عمرو بن دينار عن ابن عمر أنه قال : سنة انتهى .

                                                                                                        ورواه أحمد في " مسنده " ، وابن حبان في " صحيحه " ، ورواه الطبراني في " معجمه الكبير " حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ثنا سعيد بن زنبور ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، وعبيد الله بن عمر بن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد إلى الصفا من باب بني مخزوم }انتهى . وأما حديث جابر : فرواه الطبراني في " معجمه الصغير " حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بكر البصري القاضي بطبرية ثنا نصر بن علي الجهضمي ثنا أبي ثنا القاسم بن معن عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر { أن النبي عليه السلام طاف بالبيت سبعا ، ثم خرج من باب الصفا ، فارتقى الصفا ، فقال : نبدأ بما بدأ الله به ، ثم قرأ { إن الصفا والمروة }الآية }انتهى .

                                                                                                        وقال : لم نكتبه إلا عن الشيخ انتهى . ورواه الدارقطني في " غرائب مالك " ثنا محمد بن الحسن النقاش ثنا إبراهيم بن محمود النيسابوري ثنا محمد بن عبيد بن عتبة ثنا إسماعيل بن محمد الطلحي ثنا سهيل أبو عمرو ثنا مالك بن أنس عن أبي الزبير عن { جابر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من باب الصفا وهو يقول : نبدأ بما بدأ الله به }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : كذا قال ، والصواب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر انتهى .

                                                                                                        واعلم أن الذي في حديث جابر الطويل : { ثم خرج من الباب إلى الصفا } ، وليس فيه [ ص: 135 ] المقصود .

                                                                                                        { حديث آخر } مرسل : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو أسامة عن ابن جريج عن عطاء { أن النبي عليه السلام خرج إلى الصفا من باب بني مخزوم }انتهى .

                                                                                                        ورواه الأزرقي في " تاريخ مكة " عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج به .

                                                                                                        الحديث الثلاثون : روي { أنه عليه السلام نزل من الصفا وجعل يمشي نحو المروة ، وسعى في بطن الوادي حتى إذا خرج من بطن الوادي ، مشى حتى صعد المروة ، فطاف بينهما سبعة أشواط } ، قلت : تقدم في حديث جابر : { ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي رمل ، حتى إذا صعد مشى ، حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، حتى إذا كان آخر الطواف على المروة } ، الحديث ، وأخرجا في " الصحيحين " عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ، ومشى أربعا ، وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة ، وكان ابن عمر يفعل ذلك }انتهى .

                                                                                                        والحديثان ليس فيهما ذكر الأشواط ، وهي في حديث أخرجه البخاري ، ومسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عمر ، قال : { قدم النبي عليه السلام مكة فطاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، وطاف بين الصفا والمروة سبعا } ، وفي لفظ لهما : { ثم سعى بين الصفا والمروة } ، وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة انتهى .

                                                                                                        وأخرجا عن عائشة في حديث طويل : { قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما } ، مختصر .

                                                                                                        وروى أبو الوليد الأزرقي في " تاريخ مكة " حدثني جدي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي حدثني مسلم بن خالد الزنجي ثنا ابن جريج عن صالح مولى التوأمة عن [ ص: 136 ] أبي هريرة ، قال : { السنة في الطواف بين الصفا والمروة أن ينزل من الصفا ، ثم يمشي حتى يأتي بطن المسيل ، فإذا جاءه سعى حتى يظهر منه ، ثم يمشي حتى يأتي المروة }انتهى .

                                                                                                        الحديث الحادي والثلاثون : قال عليه السلام : { ابدءوا بما بدأ الله به } ، قلت : اعلم أن هذا الحديث ورد بصيغة الخبر ، وهي : أبدأ ، كما رواه مسلم في حديث جابر الطويل ، أو : نبدأ ، كما رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، ومالك في " الموطأ " ، والثاني بصيغة الأمر ، فهي ابدءوا ، وهذا هو حديث الكتاب ، وهو عند النسائي ، والدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " وإنما ذكرت ذلك لأن بعض الفقهاء عزا لفظ الأمر لمسلم ، وهو وهم منه ، وقد يحتمل هذا من المحدث لأن المحدث إنما ينظر في الإسناد وما يتعلق به ، ولا يحتمل ذلك من الفقيه ، لأن وظيفته استنباط الأحكام من الألفاظ ، فالمحدث إذا قال : أخرجه فلان ، فإنه يريد أصل الحديث لا بتلك الألفاظ بعينها ، ولذلك اقتصر أصحاب الأطراف على ذكر طرف الحديث ، فعلى الفقيه إذا أراد أن يحتج بحديث على حكم أن تكون تلك اللفظة التي تعطيه موجودة فيه ، حتى إن بعض الفقهاء احتج بهذه اللفظة : أعني قوله : { ابدءوا بما بدأ الله به }على وجوب الترتيب في الوضوء ، وقد بسط القول في ذلك الشيخ تقي الدين في " شرح الإلمام " ، ولم يحسن شيخنا علاء الدين رحمه الله إذ أهمل ذكر هذا الحديث ، معتمدا على ما في حديث جابر ، فإنه خلافه ، ولكنه قلد غيره ، فأهملاه ، وقال في " الإمام " : الحديث واحد ، ومخرجه واحد ، ولكنه اختلف اللفظ ، وقد يؤخذ الوجوب بلفظ الخبر أيضا مع ضميمة قوله عليه السلام : { خذوا عني مناسككم } ، أخرجه مسلم عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ، ويقول لنا : خذوا مناسككم ، فإنى لا أدري لعلي [ ص: 137 ] لا أحج بعد حجتي هذه }انتهى .

                                                                                                        الحديث الثاني والثلاثون : قال عليه السلام : { إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا } ، قلت : روي من حديث ابن عباس ، ومن حديث حبيبة بنت أبي تجزأة ، ومن حديث تملك العبدرية ، ومن حديث صفية بنت شيبة .

                                                                                                        فحديث ابن عباس : رواه الطبراني في " معجمه " ثنا محمد بن النضر الأزدي عن معاوية بن عمرو عن المفضل بن صدقة عن ابن جريج ، وإسماعيل بن مسلم عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس ، قال : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرمل ، فقال : إن الله عز وجل كتب عليكم السعي فاسعوا }انتهى .

                                                                                                        وأما حديث حبيبة بنت أبي تجزأة : فرواه الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق بن راهويه ، والحاكم في " المستدرك " ، وسكت عنه ، وأعله ابن عدي في " الكامل " بابن المؤمل ، وأسند تضعيفه عن أحمد ، والنسائي ، وابن معين ، ووافقهم ، ومن طريق أحمد الطبراني في " معجمه " ، ومن طريق الشافعي رواه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " ، قال الشافعي : أخبرنا عبد الله بن المؤمل العابدي عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجزأة إحدى نساء بني عبد الدار ، قالت : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة ، والناس بين يديه [ ص: 138 ] وهو وراءهم ، وهو يسعى ، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي ، وهو يقول : اسعوا ، فإن الله تعالى كتب عليكم السعي }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الحاكم في " المستدرك " أيضا في " الفضائل " عن عبد الله بن نبيه عن جدته صفية عن حبيبة بنت أبي تجزأة بنحوه ، وسكت عنه أيضا ، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا محمد بن عبد الله بن المؤمل حدثنا عبد الله بن أبي حسين عن عطاء عن حبيبة بنت أبي تجزأة ، فذكره ، قال ابن عمر بن عبد البر : أخطأ ابن أبي شيبة ، أو شيخه في موضعين منه : أحدهما : أنه جعل موضع ابن محيصن عبد الله بن أبي حسين ، والآخر : أنه أسقط صفية بنت شيبة ، قال ابن القطان في " كتابه " : وعندي أن الوهم من عبد الله بن المؤمل ، فإن ابن أبي شيبة إمام كبير ، وشيخه محمد بن بشر ثقة ، وابن المؤمل سيئ الحفظ ، وقد اضطرب في هذا الحديث اضطرابا كثيرا ، فأسقط عطاء مرة ، وابن محيصن أخرى ، وصفية بنت شيبة أخرى ، وأبدل ابن محيصن ، بابن أبي حسين أخرى ، وجعل المرأة عبدرية تارة ، ويمنية أخرى ، وفي الطواف تارة ، وفي السعي بين الصفا والمروة أخرى ، وكل ذلك دليل على سوء حفظه ، وقلة ضبطه ، والله أعلم انتهى .

                                                                                                        طريق آخر : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن ابن المبارك أخبرني معروف بن مشكان ، قال : أخبرني منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية ، قالت : أخبرني نسوة من بني عبد الدار اللاتي أدركن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلن : { دخلنا دار ابن أبي حسين ، فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف ، إلى آخره } ، قال صاحب " التنقيح " : إسناده صحيح ، ومعروف بن مشكان باني كعبة الرحمن ، صدوق لا نعلم من تكلم فيه ، ومنصور هذا ثقة ، مخرج له في " الصحيحين " انتهى .

                                                                                                        وأما حديث تملك العبدرية : فأخرجه البيهقي في " سننه " ، والطبراني في " معجمه " عن مهران بن أبي عمر ثنا سفيان ثنا المثنى بن الصباح عن المغيرة بن حكيم عن صفية بنت شيبة عن { تملك العبدرية ، قالت : نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في غرفة لي بين الصفا والمروة ، وهو يقول : أيها الناس إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا }انتهى . تفرد [ ص: 139 ] به مهران بن أبي عمر ، قال البخاري : في حديثه اضطراب .

                                                                                                        وأما حديث صفية بنت شيبة : فرواه الطبراني في " معجمه " حدثنا محمد بن عبد الحضرمي ثنا علي بن الحكم الأودي ثنا حميد بن عبد الرحمن عن المثنى بن الصباح عن المغيرة بن حكيم عن صفية بنت شيبة ، قالت : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي }انتهى .

                                                                                                        وذكر الدارقطني في " علله " في هذا الحديث اضطرابا كثيرا ، ثم قال : والصحيح قول من قال : عن عمر بن محيصن عن عطاء عن صفية عن حبيبة بنت أبي تجزأة ، وهو الصواب انتهى .

                                                                                                        وقال الحازمي في " كتاب الناسخ والمنسوخ " ، الوجه السادس والعشرون من وجوه الترجيحات ، وهو أن يكون أحد الحديثين من قول النبي عليه السلام ، وهو مقارن فعله ، والآخر مجرد قوله لا غير ، فيكون الأول أولى بالترجيح ، نحو ما روته { حبيبة بنت أبي تجراة ، قالت : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في بطن المسيل يسعى ، وهو يقول : اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي } ، فهو أولى من حديث : { الحج عرفة } ، لأنه مجرد قول ، والأول قول وفعل ، وفيه أيضا إخباره عن الله تعالى أنه أوجبه علينا ، فكان أولى انتهى كلامه . ورواه الواقدي في " كتاب المغازي " حدثني علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه عن برة بنت أبي تجراة ، قالت : { لما انتهى النبي عليه السلام إلى السعي ، قال : أيها الناس إن الله كتب عليكم السعي ، فاسعوا ، قالت : فسعى حتى رأيت إزاره انكشف عن فخذه }انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية