الركن الثالث : الجناية نفسها ، وهي العقل ; ويتمهد فقهه ببيان العمد ، والخطأ ، وشبه العمد ، وكلها إما مباشرة أو تسببا ، أو هما ، أو بطريان أحدهما على الآخر والشركة فيها ، فهذه ثمانية
nindex.php?page=treesubj&link=25318أقسام .
القسم الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=9286العمد . في الجواهر :
nindex.php?page=treesubj&link=9287العمد ما قصد فيه إتلاف النفس ، وكان مما يقتل غالبا من محدد ، أو مثقل ، أو بإصابة المقاتل ، كعصر الأنثيين ، أو شده وضغطه ، أو يهدم عليه بنيانا ، أو يصرعه ويجر برجله على غير اللعب ، أو يغرقه ، أو يحرقه ، أو يمنعه من الطعام والشراب ، وأما اللطمة واللكزة ; فتتخرج على الروايتين في شبه العمد ، في نفيه وإثباته ، وفي الكتاب : إن طرحه في نهر ولا يعلم أنه يحسن العوم على وجه العداوة ، قتل ، أو على غير ذلك ، ففيه الدية ، وإن تعمد ضربه بلطمه ، أو بلكزه ، أو غير ذلك ، ففيه القود ، ومن العمد ما لا قود فيه كالمتصارعين والمتراميين على وجه اللعب ، أو يأخذ برجله على وجه اللعب ، ففيه دية الخطأ على العاقلة أخماسا ، فإن تعمد هؤلاء القتل بذلك ففيه القصاص . وفي التنبيهات : قيل هذا إذا كانا معا يتفاعلان ذلك ، كل واحد منهما مع الآخر ،
[ ص: 280 ] وهو ظاهر لفظه ، أما إذا فعل أحدهما على وجه اللعب ، والآخر لم يلاعبه ولا رماه ، فالقصاص ، قاله
مالك . وقيل : سواء اللعب وغيره منهما أو من أحدهما ، وهو الصواب ، والتفريق بعيد إذا عرف قصد اللعب ، وتكون رواية
عبد الملك : أنه ذلك كالخطأ خلافا ، وكذلك اختلف في الأدب والعقل الجامع كالحاكم ، والجلاد ، والمؤدب ، والأب ، والزوج ، والخاتن ، والطبيب ، فقيل : كالخطأ ويدخلهما الاختلاف في شبه العمد ، قال
اللخمي عن
ابن وهب : دية اللعب مغلظة الأخماس .
القسم الثاني : الخطأ . وفي الجواهر :
nindex.php?page=treesubj&link=9312الخطأ : ما لا قصد فيه للفعل ، كما لو سقط على غيره ، أو ما لا قصد فيه للفعل إلى الشخص ، كما لو رمى صيدا فقتل إنسانا ، وظن الإباحة تصير العمد خطأ ; كقاتل رجل في أرض الحرب غلبة وفي الكفار وهو مسلم ، فلا قصاص ، وفيه الكفارة والدية ، أو قتل رجلا عمدا يظنه ممن لو قتله لم يكن فيه قصاص ، فلا قصاص .
القسم الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=9305شبه العمد . وفي التنبيهات : هو ما أشكل أنه أريد به القتل ولم يره
مالك إلا في الآباء مع أبنائهم ، وغيره يرى فيه الدية مطلقا مثلثة عند ( ش ) ومربعة عند ( ح ) ، وصفته عندهم في غير الآباء : أن يضربه عمدا على وجه الفائدة والغضب ، ولا يقصد قتله ، وبغير آلة كالسوط والعصا ( قال
اللخمي : شبه العمد أربعة أقسام : بغير آلة كالسوط والعصا ) والبندقة إلا أن يقوم دليل العمد لقوة الضربة ، أو بآلة القتل ممن لا يتهم كالأبوين ، أو ممن . . . كالطبيب ، وصفته . . . ) وتقدم بسط منع إرادته كالمصارع . قال في المقدمات : إن قصد
[ ص: 281 ] الفعل دون القتل فثلاثة أقسام : لعب ، وأدب ، وفائدة . ففي الأول : ثلاثة أقوال ، قال
ابن القاسم : هو خطأ ، وروايته عن
مالك في الكتاب ، وروى
عبد الملك : هو عمد يقتص به ، وتأول الأول على أن صاحبه لاعبه ، وبقي الخلاف ، والظاهر : ثبوته ، والثالث ،
ابن وهب : هو شبه العمد ، تغلظ ديته على الجاني في ماله : ثلاثون حقة ، وثلاثون جذعة ، وأربعون خلفة ، والتفرقة بين أن يلاعبه أم لا ، قول رابع ، وفي الأدب تجري الثلاثة الأقوال الأول ، وقال
الباجي : إنما يختلف في تغليظ الدية ولا قصاص بحال ، وهذا إذا علم أنه ضربه أدبا ، وإن لم يعلم ذلك إلا من قوله ، ففي تصديقه قولان : إن الظاهر يقتضي القصاص ، وفي النائرة قولان : المشهور : القصاص إلا في الأب والأم والجد ، وعنه : لا قصاص ، وهو شبه العمد ، فعله فيه الدية ، وعليه أكثر أهل العلم ( ش ) و ( ح ) وغيرهما ، واختلفوا هل يختص بالتعيين ؟ قاله ( ح ) وصاحباه ، أم لا ، واختلفوا في صفته ، فقال ( ح ) : لا يقتص إلا فيمن قتل بحديدة أو ضهطة الغضب أو النار ، وقيل :
nindex.php?page=treesubj&link=9142لا يقتص إلا في الحديدة ، وإن قصد القتل فقسمان : غيلة فيقتل على كل حال ; لأنه حرابة ، ونائرة ، خير الولي في القصاص والعفو إلا لمن يقتل بعد أخذ الدية ، فقيل : لا يجوز للولي العفو ، بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) ، وعن النبي عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349915لا أعفي رجلا قتل بعد أخذ الدية ) هذا نص المقدمات . والشافعية يسمونه عمد الخطأ ، والجناية شبه العمد . واحتج الأئمة على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم في
أبي داود وغيره : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349916ألا إن دية الخطأ في شبه العمد ما كان بالسوط والعصا : مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها [ ص: 282 ] - ويروى - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349917ألا إن في قتيل العمد الخطأ قتيل السوط والعصا : مائة من الإبل ) وفسره الأئمة بالضرب بما لا يقتل غالبا ، كالعصا الصغير والسوط ونحوه . وقال القاضي في المعونة : اجتمع شبه العمد ; لأنه ضربه بما لا يقتل غالبا ، وشبه الخطأ ، لأنه لم يقصد القتل ، فلم يعط حكم أحدها ، فغلظت الدية . واحتج أصحابنا بأن الله تعالى لم يذكر في كتابه العزيز إلا العمد والخطأ ، ولو كان ثالث لذكره لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38ما فرطنا في الكتاب من شيء ) .
القسم الرابع : في
nindex.php?page=treesubj&link=9169بيان المباشرة . وفي الجواهر : هي
nindex.php?page=treesubj&link=9169ما يترتب عليه زهوق الروح بغير واسطة ; كحز الرقبة ، أو بواسطة ; كالجراحات المفضية للموت ، أو ما يقوم مقامها كالخنق والحرق والتغريق وشبهه ، وتحديده : ما يعده أهل العادة علة الزهوق من غير واسطة .
القسم الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=9322السبب ، وفي الجواهر : هو كحفر البئر حيث لا يؤذن له قصد الإهلاك ، والإكراه ، وشهادة الزور في القصاص على إحدى الروايتين ، وتقديم الطعام المسموم للضيف ، وحفر بئر في الدهليز ، وتغطيته عند دخول الداخل أو حفره ليقع فيه ، ثم وقع فيه غيره ، وضابطه : ما تشهد العادة أنه لا يكفي في زهوق الروح ، وأن له مدخلا فيه .
القسم السادس :
nindex.php?page=treesubj&link=9321_9169اجتماع السبب والمباشرة ، وله ثلاث رتب :
الرتبة الأولى : تغليب السبب على المباشرة ، وفي الجواهر : هو ظاهر إذا لم تكن المباشرة عدوانا كحفر بئر على طريق الأعمى ليس فيها غيره ، ولا طريق له غيرها ، أو طرحه مع سبع في مكان ضيق أو أمسكه على ثعبان مهلك ، أو قدم الطعام المسموم ، أو غطى رأس البئر في الدهليز ، واتفقت الرواية على تغليب السبب في شهود القصاص إذا رجعوا بعد الاستيفاء والولي غير عالم بالتزوير ، وإلا
[ ص: 283 ] فالولي معهم شريك ; لاعتدال السبب مع السبب مع المباشرة . وعن
مالك : إن حدد قصبا أو عيدانا في باب الجنان لتدخل في رجل الداخل من سارق أو غيره : فيه الدية دون القود ; لأنه فعله في ملكه . قال
أشهب : وكذلك إن حفر بئرا في أرضه ; ليسقط فيه سارق أو طارق ، وكذلك إن جعل على حائطه شركا ، فإنه يضمن . قال
محمد : إن تمادى بالإشارة بالسيف عليه وهو يهرب - وهو عدوه - فهرب حتى مات ، فالقصاص ، وإن مات من أول الإشارة ، فالدية على عاقلته ، وقال
ابن القاسم : إن طلبه بالسيف فما زال يجري حتى مات ، يقسم ولاته ، لمات من خوفه ، ويقتل ، وإن أشار فقط فمات ، وبينهما عداوة ، فهو من الخطأ ، وقال
عبد الملك : إن طلبه بالسيف فعثر فمات ، فالقصاص ، وقاله
ابن القاسم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13587ابن ميسر : لا قصاص في هؤلاء ; لأنه قد يكون مات من شدة الجري لا من الخوف ، أو منهما ، ولا يمكن القصاص إلا على نفي شبهة العمد ، واستحسنه جماعة من القرويين ، وإن طرح عليه حية لا يلبث لديغها على غير وجه اللعب ، مثل تعود الجرأة ، قتل به ، ولا يصدق في إرادة اللعب ، وإنما اللعب ما يفعله الشباب بعضهم ببعض ، فإنهم لا يعرفون غائلة أنواع الحيات ، فهذا خطأ . قال
ابن يونس : إن قال له : اقطع يدي أو يد عبدي فعلى المأمور العقوبة لحق الله تعالى ، ولا غرم عليه في الحر ولا غيره للإذن .
الرتبة الثانية : أن تغلب المباشرة لسبب ، كحافر البئر في داره لنفع نفسه فردى فيها رجل رجلا فالقود على المردي دون الحافر تغليبا للمباشرة لعدم العدوان في السبب ، وتحقق فيه .
الرتبة الثالثة : اعتدال السبب والمباشرة فيقتص منها ; كالإكراه على الفعل ، يقتل المكره لقوة إلجائه ، والمكره لأنه المباشر ، ويلحق به من تتعذر مخالفته ، كالسيد
[ ص: 284 ] يأمر عبده ، والسلطان يأمر رجلا ، فأما الأب يأمر ولده ، والمعلم يأمر صبيا ، والصانع بعض متعلميه ، والمأمور محتلم ، قتل وحده دون الآمر ، أو غير محتلم ، قتل الآمر لقوة إلجائه لضعف جنان الصبي ، وعلى عاقلة الصبي نصف الدية لمشاركته ، قاله
ابن القاسم ، وقال
ابن نافع : لا يقتل الأب ولا السيد ، وإن أمر أعجميا ، أما من تخاف مخالفته ، فيقتل المأمور دون الآمر ، ويضرب الآمر ويحبس ، فإن أمسك القاتل اقتص منهما للاعتدال ، وشرط
القاضي أبو عبد الله البصري من أصحابنا في الممسك أن يعلم أنه لولاه لم يقدر الآخر على القتل ، وكالحافر عدوانا مع المردي ، كمن حفر بئرا ليقع فيها رجل فردى ذلك الرجل فيها غير الحافر . قال القاضي
أبو الحسن : يقتلان للاعتدال ، وقال القاضي
أبو عبد الله بن هرون : يقتل المردي دون الحافر ، تغليبا للمباشرة ، وكشهود القصاص مع الوالي كما سبق بيانه .
فرع :
في الكتاب : إن
nindex.php?page=treesubj&link=9169_9232سقاه سما قتل به بقدر ما يرى الإمام . قال
ابن يونس : قال
ابن حبيب : إن قال : سقاني سما وقد تقيأ منه ، ( أو لم يتقيأ ) فمات منه ففيه القسامة ( ولا يقاد من ساقي السم ، وإن شهد شاهدان أنه سقاه سما ، ففيه القسامة ) قال
أصبغ : إن قدمت إليه امرأته طعاما فلما أكله تقيأ أمعاءه مكانه ، فأشهد أنها امرأته وخالتها فلانة ، فإن أقرت امرأته أن الطعام أتت به خالتها ففيه القسامة ، وقوله : امرأتي وخالتها ، يكفي ، وإن لم يقل منه أموت ، فإذا ثبت قوله بشاهدين أقسموا على إحدى المرأتين فتقتل ، ولا ينفع المرأة قولها : خالتي أتتني به ، وتضرب الأخرى مائة وتحبس سنة .
[ ص: 285 ] فرع :
في الكتاب : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=9170_9324_9323دفع لصبي دابة يهيئها ، أو سلاحا فمات بذلك فديته على عاقلته ، ويعتق رقبة ، وإن حمله على دابته يمسكها ، فوطئت رجلا فقتلته ، فالدية على عاقلة الصبي ; لأنه المحرك للدابة بركوبه عليها ، ولا رجوع لعاقلته على العاقلة الأخرى .
القسم السابع : في طريان المباشرة على المباشرة فيقدم الأقوى ، فإن جرح الأول وحز الثاني الرقبة اقتص من الثاني ، أو أنفذ الأول المقاتل وأجهز الثاني ، اقتص من الأول بغير قسامة ، وبولغ في عقوبة الثاني ، قاله
ابن القاسم ، وعنه : يقتل المجهز ويعاقب الأول ، وإن اجتمعوا على ضربه فقطع هذا يده ، وقلع الآخر عينه ، وجدع الآخر أنفه ، وقتله آخر ، وقد اجتمعوا على قتله فمات مكانه ; قتلوا به ; لاشتراكهم فيه ، وإن كان جرح بعضهم أنكى ، ولا قصاص له في الجراح ما لم يتعمدوا المثلة مع القتل ، وإن لم يريدوا قتله اقتص من كل بجرحه ، وقتل قاتله ، وإن قتل مريضا مشرفا قتل .
القسم الثامن : في الشركة في الموجب ، وفي الجواهر : كما إذا حفر بئرا فانهارت عليهم فمات أحدهما : قال
أشهب : على عاقلة الآخر نصف الدية ، وكما لو جرح نفسه وجرحه غيره فمات ، فيجب له أرش ما يقابل فعل الغير .
الرُّكْنُ الثَّالِثُ : الْجِنَايَةُ نَفْسُهَا ، وَهِيَ الْعَقْلُ ; وَيَتَمَهَّدُ فِقْهُهُ بِبَيَانِ الْعَمْدِ ، وَالْخَطَأِ ، وَشِبْهِ الْعَمْدِ ، وَكُلُّهَا إِمَّا مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا ، أَوْ هُمَا ، أَوْ بِطَرَيَانِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَالشَّرِكَةِ فِيهَا ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=25318أَقْسَامٍ .
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=9286الْعَمْدُ . فِي الْجَوَاهِرِ :
nindex.php?page=treesubj&link=9287الْعَمْدُ مَا قُصِدَ فِيهِ إِتْلَافُ النَّفْسِ ، وَكَانَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا مِنْ مُحَدَّدٍ ، أَوْ مُثَقَّلٍ ، أَوْ بِإِصَابَةِ الْمَقَاتِلِ ، كَعَصْرِ الْأُنْثَيَيْنِ ، أَوْ شَدِّهِ وَضَغْطِهِ ، أَوْ يَهْدِمُ عَلَيْهِ بُنْيَانًا ، أَوْ يَصْرَعُهُ وَيَجُرُّ بِرِجْلِهِ عَلَى غَيْرِ اللَّعِبِ ، أَوْ يُغْرِقُهُ ، أَوْ يَحْرِقُهُ ، أَوْ يَمْنَعُهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَأَمَّا اللَّطْمَةُ وَاللَّكْزَةُ ; فَتَتَخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ، فِي نَفْيِهِ وَإِثْبَاتِهِ ، وَفِي الْكِتَابِ : إِنْ طَرَحَهُ فِي نَهْرٍ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحْسِنُ الْعَوْمَ عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ ، قُتِلَ ، أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، فَفِيهِ الدِّيَةُ ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِلَطْمِهِ ، أَوْ بِلَكْزِهِ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَفِيهِ الْقَوَدُ ، وَمِنَ الْعَمْدِ مَا لَا قَوَدَ فِيهِ كَالْمُتَصَارِعَيْنِ وَالْمُتَرَامِيَيْنِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ ، أَوْ يَأْخُذُ بِرِجْلِهِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ ، فَفِيهِ دِيَةُ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَخْمَاسًا ، فَإِنْ تَعَمَّدَ هَؤُلَاءِ الْقَتْلَ بِذَلِكَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ . وَفِي التَّنْبِيهَاتِ : قِيلَ هَذَا إِذَا كَانَا مَعًا يَتَفَاعَلَانِ ذَلِكَ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ ،
[ ص: 280 ] وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ ، أَمَّا إِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ ، وَالْآخِرُ لَمْ يُلَاعِبْهُ وَلَا رَمَاهُ ، فَالْقِصَاصُ ، قَالَهُ
مَالِكٌ . وَقِيلَ : سَوَاءٌ اللَّعِبُ وَغَيْرُهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالتَّفْرِيقُ بَعِيدٌ إِذَا عُرِفَ قَصْدُ اللَّعِبِ ، وَتَكُونُ رِوَايَةُ
عَبْدِ الْمَلِكِ : أَنَّهُ ذَلِكَ كَالْخَطَأِ خِلَافًا ، وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي الْأَدَبِ وَالْعَقْلِ الْجَامِعِ كَالْحَاكِمِ ، وَالْجَلَّادِ ، وَالْمُؤَدِّبِ ، وَالْأَبِ ، وَالزَّوْجِ ، وَالْخَاتِنِ ، وَالطَّبِيبِ ، فَقِيلَ : كَالْخَطَأِ وَيَدْخُلُهُمَا الِاخْتِلَافُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ، قَالَ
اللَّخْمِيُّ عَنِ
ابْنِ وَهْبٍ : دِيَةُ اللَّعِبِ مُغَلَّظَةُ الْأَخْمَاسِ .
الْقِسْمُ الثَّانِي : الْخَطَأُ . وَفِي الْجَوَاهِرِ :
nindex.php?page=treesubj&link=9312الْخَطَأُ : مَا لَا قَصْدَ فِيهِ لِلْفِعْلِ ، كَمَا لَوْ سَقَطَ عَلَى غَيْرِهِ ، أَوْ مَا لَا قَصْدَ فِيهِ لِلْفِعْلِ إِلَى الشَّخْصِ ، كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَقَتَلَ إِنْسَانًا ، وَظَنُّ الْإِبَاحَةِ تُصَيِّرُ الْعَمْدَ خَطَأً ; كَقَاتِلِ رَجُلٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ غَلَبَةً وَفِي الْكُفَّارِ وَهُوَ مُسْلِمٌ ، فَلَا قِصَاصَ ، وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ ، أَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا يَظُنُّهُ مِمَّنْ لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ ، فَلَا قِصَاصَ .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=9305شِبْهُ الْعَمْدِ . وَفِي التَّنْبِيهَاتِ : هُوَ مَا أَشْكَلَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْقَتْلُ وَلَمْ يَرَهُ
مَالِكٌ إِلَّا فِي الْآبَاءِ مَعَ أَبْنَائِهِمْ ، وَغَيْرُهُ يَرَى فِيهِ الدِّيَةَ مُطْلَقًا مُثَلَّثَةً عِنْدَ ( ش ) وَمُرَبَّعَةً عِنْدَ ( ح ) ، وَصِفَتُهُ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ الْآبَاءِ : أَنْ يَضْرِبَهُ عَمْدًا عَلَى وَجْهِ الْفَائِدَةِ وَالْغَضَبِ ، وَلَا يَقْصِدُ قَتْلَهُ ، وَبِغَيْرِ آلَةٍ كَالسَّوْطِ وَالْعَصَا ( قَالَ
اللَّخْمِيُّ : شِبْهُ الْعَمْدِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : بِغَيْرِ آلَةٍ كَالسَّوْطِ وَالْعَصَا ) وَالْبُنْدُقَةِ إِلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلُ الْعَمْدِ لِقُوَّةِ الضَّرْبَةِ ، أَوْ بِآلَةِ الْقَتْلِ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ كَالْأَبَوَيْنِ ، أَوْ مِمَّنْ . . . كَالطَّبِيبِ ، وَصِفَتُهُ . . . ) وَتَقَدَّمَ بَسْطُ مَنْعِ إِرَادَتِهِ كَالْمُصَارِعِ . قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ : إِنْ قَصَدَ
[ ص: 281 ] الْفِعْلَ دُونَ الْقَتْلِ فَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : لَعِبٌ ، وَأَدَبٌ ، وَفَائِدَةٌ . فَفِي الْأَوَّلِ : ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : هُوَ خَطَأٌ ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ
مَالِكٍ فِي الْكِتَابِ ، وَرَوَى
عَبْدُ الْمَلِكِ : هُوَ عَمْدٌ يُقْتَصُّ بِهِ ، وَتَأَوَّلَ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ لَاعَبَهُ ، وَبَقِيَ الْخِلَافُ ، وَالظَّاهِرُ : ثُبُوتُهُ ، وَالثَّالِثُ ،
ابْنُ وَهْبٍ : هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ ، تُغَلَّظُ دِيَتُهُ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ : ثَلَاثُونَ حِقَّةً ، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً ، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً ، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يُلَاعِبَهُ أَمْ لَا ، قَوْلٌ رَابِعٌ ، وَفِي الْأَدَبِ تَجْرِي الثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالِ الْأُوَلِ ، وَقَالَ
الْبَاجِيُّ : إِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي تَغْلِيظِ الدِّيَةِ وَلَا قِصَاصَ بِحَالٍ ، وَهَذَا إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ أَدَبًا ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ قَوْلِهِ ، فَفِي تَصْدِيقِهِ قَوْلَانِ : إِنَّ الظَّاهِرَ يَقْتَضِي الْقِصَاصَ ، وَفِي النَّائِرَةِ قَوْلَانِ : الْمَشْهُورُ : الْقِصَاصُ إِلَّا فِي الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْجَدِّ ، وَعَنْهُ : لَا قِصَاصَ ، وَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ ، فِعْلُهُ فِيهِ الدِّيَةُ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ ( ش ) وَ ( ح ) وَغَيْرُهُمَا ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَخْتَصُّ بِالتَّعْيِينِ ؟ قَالَهُ ( ح ) وَصَاحِبَاهُ ، أَمْ لَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهِ ، فَقَالَ ( ح ) : لَا يُقْتَصُّ إِلَّا فِيمَنْ قَتَلَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ ضَهْطَةِ الْغَضَبِ أَوِ النَّارِ ، وَقِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=9142لَا يُقْتَصُّ إِلَّا فِي الْحَدِيدَةِ ، وَإِنْ قَصَدَ الْقَتْلَ فَقِسْمَانِ : غِيلَةً فَيُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ; لِأَنَّهُ حِرَابَةٌ ، وَنَائِرَةٌ ، خُيِّرَ الْوَلِيُّ فِي الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ إِلَّا لِمَنْ يُقْتَلُ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ ، فَقِيلَ : لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْعَفُوُ ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ، وَعَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349915لَا أُعْفِي رَجُلًا قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ ) هَذَا نَصُّ الْمُقَدِّمَاتِ . وَالشَّافِعِيَّةُ يُسَمُّونَهُ عَمْدَ الْخَطَأِ ، وَالْجِنَايَةُ شِبْهُ الْعَمْدِ . وَاحْتَجَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349916أَلَا إِنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا : مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا [ ص: 282 ] - وَيُرْوَى - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349917أَلَا إِنَّ فِي قَتِيلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ قَتِيلِ السَّوْطِ وَالْعَصَا : مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ ) وَفَسَّرَهُ الْأَئِمَّةُ بِالضَّرْبِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا ، كَالْعَصَا الصَّغِيرِ وَالسَّوْطِ وَنَحْوِهِ . وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمَعُونَةِ : اجْتَمَعَ شِبْهُ الْعَمْدِ ; لِأَنَّهُ ضَرَبَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا ، وَشِبْهُ الْخَطَأِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ الْقَتْلَ ، فَلَمْ يُعْطَ حُكْمَ أَحَدِهَا ، فَغُلِّظَتِ الدِّيَةُ . وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ إِلَّا الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ ، وَلَوْ كَانَ ثَالِثٌ لَذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) .
الْقِسْمُ الرَّابِعُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=9169بَيَانِ الْمُبَاشَرَةِ . وَفِي الْجَوَاهِرِ : هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=9169مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ زُهُوقُ الرُّوحِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ ; كَحَزِّ الرَّقَبَةِ ، أَوْ بِوَاسِطَةٍ ; كَالْجِرَاحَاتِ الْمُفْضِيَةِ لِلْمَوْتِ ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا كَالْخَنْقِ وَالْحَرْقِ وَالتَّغْرِيقِ وَشِبْهِهِ ، وَتَحْدِيدُهُ : مَا يَعُدُّهُ أَهْلُ الْعَادَةِ عِلَّةَ الزُّهُوقِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ .
الْقِسْمُ الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=9322السَّبَبُ ، وَفِي الْجَوَاهِرِ : هُوَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ حَيْثُ لَا يُؤْذَنُ لَهُ قَصْدَ الْإِهْلَاكِ ، وَالْإِكْرَاهِ ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْقِصَاصِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَتَقْدِيمِ الطَّعَامِ الْمَسْمُومِ لِلضَّيْفِ ، وَحَفْرِ بِئْرٍ فِي الدِّهْلِيزِ ، وَتَغْطِيَتِهِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّاخِلِ أَوْ حَفْرِهِ لِيَقَعَ فِيهِ ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ غَيْرُهُ ، وَضَابِطُهُ : مَا تَشْهَدُ الْعَادَةُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي زُهُوقِ الرُّوحِ ، وَأَنَّ لَهُ مَدْخَلًا فِيهِ .
الْقِسْمُ السَّادِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=9321_9169اجْتِمَاعُ السَّبَبِ وَالْمُبَاشَرَةِ ، وَلَهُ ثَلَاثُ رُتَبٍ :
الرُّتْبَةُ الْأُولَى : تَغْلِيبُ السَّبَبِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ ، وَفِي الْجَوَاهِرِ : هُوَ ظَاهِرٌ إِذَا لَمْ تَكُنِ الْمُبَاشَرَةُ عُدْوَانًا كَحَفْرِ بِئْرٍ عَلَى طَرِيقِ الْأَعْمَى لَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُ ، وَلَا طَرِيقَ لَهُ غَيْرُهَا ، أَوْ طَرْحِهِ مَعَ سَبُعٍ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ أَوْ أَمْسَكَهُ عَلَى ثُعْبَانٍ مُهْلِكٍ ، أَوْ قَدَّمَ الطَّعَامَ الْمَسْمُومَ ، أَوْ غَطَّى رَأْسَ الْبِئْرِ فِي الدِّهْلِيزِ ، وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَةُ عَلَى تَغْلِيبِ السَّبَبِ فِي شُهُودِ الْقِصَاصِ إِذَا رَجَعُوا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَالْوَلِيُّ غَيْرُ عَالِمٍ بِالتَّزْوِيرِ ، وَإِلَّا
[ ص: 283 ] فَالْوَلِيُّ مَعَهُمْ شَرِيكٌ ; لِاعْتِدَالِ السَّبَبِ مَعَ السَّبَبِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ . وَعَنْ
مَالِكٍ : إِنْ حَدَّدَ قَصَبًا أَوْ عِيدَانًا فِي بَابِ الْجِنَانِ لِتَدْخُلَ فِي رِجْلِ الدَّاخِلِ مِنْ سَارِقٍ أَوْ غَيْرِهِ : فِيهِ الدِّيَةُ دُونَ الْقَوَدِ ; لِأَنَّهُ فَعَلَهُ فِي مِلْكِهِ . قَالَ
أَشْهَبُ : وَكَذَلِكَ إِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضِهِ ; لِيَسْقُطَ فِيهِ سَارِقٌ أَوْ طَارِقٌ ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَعَلَ عَلَى حَائِطِهِ شَرَكًا ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ . قَالَ
مُحَمَّدٌ : إِنْ تَمَادَى بِالْإِشَارَةِ بِالسَّيْفِ عَلَيْهِ وَهُوَ يَهْرُبُ - وَهُوَ عَدُوُّهُ - فَهَرَبَ حَتَّى مَاتَ ، فَالْقِصَاصُ ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ أَوَّلِ الْإِشَارَةِ ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : إِنْ طَلَبَهُ بِالسَّيْفِ فَمَا زَالَ يَجْرِي حَتَّى مَاتَ ، يُقْسِمُ وُلَاتُهُ ، لَمَاتَ مِنْ خَوْفِهِ ، وَيُقْتَلُ ، وَإِنْ أَشَارَ فَقَطْ فَمَاتَ ، وَبَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ ، فَهُوَ مِنَ الْخَطَأِ ، وَقَالَ
عَبْدُ الْمَلِكِ : إِنْ طَلَبَهُ بِالسَّيْفِ فَعَثَرَ فَمَاتَ ، فَالْقِصَاصُ ، وَقَالَهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13587ابْنُ مُيَسَّرٍ : لَا قِصَاصَ فِي هَؤُلَاءِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَاتَ مِنْ شِدَّةِ الْجَرْيِ لَا مِنَ الْخَوْفِ ، أَوْ مِنْهُمَا ، وَلَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ إِلَّا عَلَى نَفْيِ شُبْهَةِ الْعَمْدِ ، وَاسْتَحْسَنَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقَرَوِيِّينَ ، وَإِنْ طَرَحَ عَلَيْهِ حَيَّةً لَا يَلْبَثُ لَدِيغُهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ اللَّعِبِ ، مِثْلَ تَعَوُّدِ الْجُرْأَةِ ، قُتِلَ بِهِ ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي إِرَادَةِ اللَّعِبِ ، وَإِنَّمَا اللَّعِبُ مَا يَفْعَلُهُ الشَّبَابُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ غَائِلَةَ أَنْوَاعِ الْحَيَّاتِ ، فَهَذَا خَطَأٌ . قَالَ
ابْنُ يُونُسَ : إِنْ قَالَ لَهُ : اقْطَعْ يَدِي أَوْ يَدَ عَبْدِي فَعَلَى الْمَأْمُورِ الْعُقُوبَةُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي الْحُرِّ وَلَا غَيْرِهِ لِلْإِذْنِ .
الرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ تَغْلِبَ الْمُبَاشَرَةُ لِسَبَبٍ ، كَحَافِرِ الْبِئْرِ فِي دَارِهِ لِنَفْعِ نَفْسِهِ فَرَدَّى فِيهَا رَجُلٌ رَجُلًا فَالْقَوَدُ عَلَى الْمَرَدِّي دُونَ الْحَافِرِ تَغْلِيبًا لِلْمُبَاشَرَةِ لِعَدَمِ الْعُدْوَانِ فِي السَّبَبِ ، وَتَحَقَّقْ فِيهِ .
الرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ : اعْتِدَالُ السَّبَبِ وَالْمُبَاشَرَةِ فَيُقْتَصُّ مِنْهَا ; كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْفِعْلِ ، يُقْتَلُ الْمُكْرِهُ لِقُوَّةِ إِلْجَائِهِ ، وَالْمُكْرَهُ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ تَتَعَذَّرُ مُخَالَفَتُهُ ، كَالسَّيِّدِ
[ ص: 284 ] يَأْمُرُ عَبْدَهُ ، وَالسُّلْطَانِ يَأْمُرُ رَجُلًا ، فَأَمَّا الْأَبُ يَأْمُرُ وَلَدَهُ ، وَالْمُعَلِّمُ يَأْمُرُ صَبِيًّا ، وَالصَّانِعُ بَعْضَ مُتَعَلِّمِيهِ ، وَالْمَأْمُورُ مُحْتَلِمٌ ، قُتِلَ وَحْدَهُ دُونَ الْآمِرِ ، أَوْ غَيْرُ مُحْتَلِمٍ ، قُتِلَ الْآمِرُ لِقُوَّةِ إِلْجَائِهِ لِضَعْفِ جَنَانِ الصَّبِيِّ ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ لِمُشَارَكَتِهِ ، قَالَهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَقَالَ
ابْنُ نَافِعٍ : لَا يُقْتَلُ الْأَبُ وَلَا السَّيِّدُ ، وَإِنْ أَمَرَ أَعْجَمِيًّا ، أَمَّا مَنْ تُخَافُ مُخَالَفَتُهُ ، فَيُقْتَلُ الْمَأْمُورُ دُونَ الْآمِرِ ، وَيُضْرَبُ الْآمِرُ وَيُحْبَسُ ، فَإِنْ أُمْسِكَ الْقَاتِلُ اقْتُصَّ مِنْهُمَا لِلِاعْتِدَالِ ، وَشَرَطَ
الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْمُمْسِكِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْلَاهُ لَمْ يَقْدِرِ الْآخَرُ عَلَى الْقَتْلِ ، وَكَالْحَافِرِ عُدْوَانًا مَعَ الْمُرَدِّي ، كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِيَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَرَدَّى ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهَا غَيْرُ الْحَافِرِ . قَالَ الْقَاضِي
أَبُو الْحَسَنِ : يُقْتَلَانِ لِلِاعْتِدَالِ ، وَقَالَ الْقَاضِي
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ هَرُونَ : يُقْتَلُ الْمُرَدِّي دُونَ الْحَافِرِ ، تَغْلِيبًا لِلْمُبَاشَرَةِ ، وَكَشُهُودِ الْقِصَاصِ مَعَ الْوَالِي كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ .
فَرْعٌ :
فِي الْكِتَابِ : إِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=9169_9232سَقَاهُ سُمًّا قُتِلَ بِهِ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ . قَالَ
ابْنُ يُونُسَ : قَالَ
ابْنُ حَبِيبٍ : إِنْ قَالَ : سَقَانِي سُمًّا وَقَدْ تَقَيَّأَ مِنْهُ ، ( أَوْ لَمْ يَتَقَيَّأْ ) فَمَاتَ مِنْهُ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ ( وَلَا يُقَادُ مِنْ سَاقِي السُّمِّ ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ سَقَاهُ سُمًّا ، فَفِيهِ الْقَسَامَةُ ) قَالَ
أَصْبَغُ : إِنْ قَدَّمَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَعَامًا فَلَمَّا أَكَلَهُ تَقَيَّأَ أَمْعَاءَهُ مَكَانَهُ ، فَأَشْهَدَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَخَالَتُهَا فُلَانَةٌ ، فَإِنْ أَقَرَّتِ امْرَأَتُهُ أَنَّ الطَّعَامَ أَتَتْ بِهِ خَالَتُهَا فَفِيهِ الْقَسَامَةُ ، وَقَوْلُهُ : امْرَأَتِي وَخَالَتُهَا ، يَكْفِي ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْهُ أَمُوتُ ، فَإِذَا ثَبَتَ قَوْلُهُ بِشَاهِدَيْنِ أَقْسَمُوا عَلَى إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ فَتُقْتَلُ ، وَلَا يَنْفَعُ الْمَرْأَةَ قَوْلُهَا : خَالَتِي أَتَتْنِي بِهِ ، وَتُضْرَبُ الْأُخْرَى مِائَةً وَتُحْبَسُ سَنَةً .
[ ص: 285 ] فَرْعٌ :
فِي الْكِتَابِ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=9170_9324_9323دَفَعَ لِصَبِيٍّ دَابَّةً يُهَيِّئُهَا ، أَوْ سِلَاحًا فَمَاتَ بِذَلِكَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَيُعْتِقُ رَقَبَةً ، وَإِنْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّتِهِ يُمْسِكُهَا ، فَوَطِئَتْ رَجُلًا فَقَتَلَتْهُ ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ ; لِأَنَّهُ الْمُحَرِّكُ لِلدَّابَّةِ بِرُكُوبِهِ عَلَيْهَا ، وَلَا رُجُوعَ لِعَاقِلَتِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ الْأُخْرَى .
الْقِسْمُ السَّابِعُ : فِي طَرَيَانِ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْوَى ، فَإِنْ جَرَحَ الْأَوَّلَ وَحَزَّ الثَّانِي الرَّقَبَةَ اقْتُصَّ مِنَ الثَّانِي ، أَوْ أَنْفَذَ الْأَوَّلُ الْمَقَاتِلَ وَأَجْهَزَ الثَّانِي ، اقْتُصَّ مِنَ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ ، وَبُولِغَ فِي عُقُوبَةِ الثَّانِي ، قَالَهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَعَنْهُ : يُقْتَلُ الْمُجْهِزُ وَيُعَاقَبُ الْأَوَّلُ ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى ضَرْبِهِ فَقَطَعَ هَذَا يَدَهُ ، وَقَلَعَ الْآخَرُ عَيْنَهُ ، وَجَدَعَ الْآخَرُ أَنْفَهُ ، وَقَتَلَهُ آخَرُ ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ ; قُتِلُوا بِهِ ; لِاشْتِرَاكِهِمْ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ جُرْحُ بَعْضِهِمْ أَنَكَى ، وَلَا قِصَاصَ لَهُ فِي الْجِرَاحِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدُوا الْمُثْلَةَ مَعَ الْقَتْلِ ، وَإِنْ لَمْ يُرِيدُوا قَتْلَهُ اقْتُصَّ مِنْ كُلٍّ بِجُرْحِهِ ، وَقُتِلَ قَاتِلُهُ ، وَإِنْ قَتَلَ مَرِيضًا مُشْرِفًا قُتِلَ .
الْقِسْمُ الثَّامِنُ : فِي الشَّرِكَةِ فِي الْمُوجَبِ ، وَفِي الْجَوَاهِرِ : كَمَا إِذَا حَفَرَ بِئْرًا فَانْهَارَتْ عَلَيْهِمْ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا : قَالَ
أَشْهَبُ : عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَكَمَا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ فَمَاتَ ، فَيَجِبُ لَهُ أَرْشُ مَا يُقَابِلُ فِعْلَ الْغَيْرِ .