المقصد التاسع : طواف الإفاضة ، وهو  الطواف الذي هو ركن في الحج ، وفيه تفريعات أربعة ، الأول في ( الكتاب ) : تعجيل طواف الإفاضة يوم النحر  أفضل ، وإن أخره حتى مضت أيام التشريق ، وذهب من منى  إلى مكة  فلا بأس ، خلافا ل ( ش ) : إن أخره مع السعي بعد منى  حتى تطاول طاف وسعى وأهدى ، وله تأخير السعي إلى وقت تأخير الإفاضة  ، وكره  مالك  تسمية طواف الزيارة  ، وقولهم زرنا قبر النبي - عليه السلام - تعظيما له عليه السلام ; لأن العادة أن الزائر متفضل على المزور ، ولا يحسن أن يقال : زرنا السلطان ، لما فيه من إبهام المكافأة والمماثلة . 
وأصل فرضيته حديث  جابر  المتقدم ، قال  سند     : أما أول وقته فلا يجوز   [ ص: 271 ] قبل يوم عرفة  إجماعا . وتحديد أول الوقت  مبني على تحديد أول وقت الرمي ، هل هو طلوع الشمس يوم النحر أو طلوع الفجر أو نصف الليل ؟ وأما تحديد آخر وقته  فالمختار عند أصحابنا : لتمام الشهر ، وعليه الدم بدخول المحرم ، وقال ( ح ) : آخره اليوم الثاني ، فبدخول الثالث من أيام التشريق يجب الدم ، وقال ( ش )   وابن حنبل     : ليس لآخر وقته حد ; لأنه لو كان له حد لما صح فعله بعده كالرمي والوقوف . لنا : قوله تعالى : ( الحج أشهر معلومات    ) [ البقرة : 197 ] فحصره في الأشهر ، والفرق بينه وبين الوقوف : أنه إنما يأتي بعد التحليل ، وحصول معظم الحج بالوقوف وهو ركن ، فلو تعذر فعله لبطل الحج بعد حصول معظمه ، وكره  مالك  أن ينتقل بالطواف بعد الإفاضة ; لأنه ليس من عمل الناس ، وإن سمع الإقامة  فله أن يقف حتى يصلي ، قال  مالك     : وإن أفاض يوم الجمعة أحب إلي الرجوع إلى منى  ، ولا يقيم لصلاة الجمعة ، وقال  ابن حبيب     : لمن أفاض أن ينتقل بالطواف ، وفي ( الجواهر ) : لو قدم الإفاضة على جمرة العقبة  أجزأته الإفاضة عند  مالك  وابن القاسم  وعليه الهدي ، وقال  مالك     : لا يجزئه واستحب أصبغ الإعادة . 
الثاني : في ( الكتاب ) : إذا حاضت قبل الإفاضة أو نفست  لا تبرح حتى تفيض ويحبس عليها كريها أقصى جلوس النساء في الحيض والاستطهار أو النفاس من غير سقم ، لما في الموطأ أنه عليه السلام ( ذكر  صفية بنت حيي  فقيل له : إنها حاضت فقال عليه السلام : أحابستنا هي ؟ فقالوا يا رسول الله : إنها قد طافت ، فقال عليه السلام : فلا إذا   ) وفي ( الجواهر ) : قال  أشهب     : يحبس الكري خمسة عشر يوما . روى غيره ذلك مع الاستطهار بيوم أو يومين ، وقال  ابن اللباد     : هذا في زمن الأمن ، أما في هذا الوقت فيفسخ الكراء بينهما ، وإذا قلنا برواية  ابن   [ ص: 272 ] القاسم  ، فيتجاوز الدم مدة الحبس ، فهل تطوف أو يفسخ الكراء ؟  قولان . قال  سند     : هذا إن كان الكري يمكنه الانفراد بالسير ، أما أهل الآفاق البعيدة الذين لا يروحون إلا حمية ، فأمره محمول على زمن الحج عادة ، ولا يحبس عليها بعد ذلك ; لأنها لو صرحت له بذلك عند العقد لأباه بخلاف الأول وهي كالمحصورة بالعدو ، ولا يلزمها جميع الأجرة ، ويحتمل أن يقال عليها ; لأن الامتناع منها ، وروى   سحنون  أنها تطوف ، للخلاف في اشتراط الطهارة في الطواف ؛ ولأنه يستباح للضرورة كقراءة القرآن للحائض لضرورة النسيان . وههنا أعظم قال  مالك     : وتحبس القافلة إن كانت إقامتها اليومين ، قال  مالك     : فلو شرطنا عليه عمرة في الحرم فحاضت قبلها  لا يحبس ، ولا يوضع من الكراء شيء ; لأن المقصود الحج ، وفرق  مالك  مرة بين الحائض والنفساء إذا لم يعلم به الكري  فقال : الحيض شأن النساء فهو دخل عليه بخلاف النفاس ، وحيث قلنا : تحبسه ، فلا يزاد شيئا . 
الثالث : في ( الكتاب ) : إذا أحرم مكي من مكة  بالحج  أجزأه الطواف مع السعي بعد الوقوف ، ولو عجلهما قبله لم يجزئه ، وأعادها بعده فإن لم يعد ورجع إلى بلده أجزأه وأهدى ، وفي ( الجلاب ) : إذا أخر غير المراهق الطواف والسعي عامدا حتى خرج إلى منى   فليطف ، وليسع إذا رجع ويهدي ، فإن تركها ناسيا فليسع من طواف الإفاضة ولا دم عليه عند  ابن القاسم  ، والقياس - عندي - في الدم بخلاف المراهق ، وقاله  الأبهري  ، ولا بأس بتأخير الإفاضة إلى آخر أيام التشريق  ، وتعجيلها أفضل ، فإن أخرها بعد ذلك إلى المحرم فعليه دم ، ومن نسي الإفاضة وقد طاف للوداع  أجزأه إذا بعد ، إما للمشقة ، وإما لأن أركان الحج لا تفتقر إلى النية فيما يعين الطواف الفرض من غيره  ، قال  اللخمي     : وقال   ابن عبد الحكم     : لا يجزئه ، قال  سند     : يرجع للإفاضة إلا أن يكون طاف تطوعا ، ولم يعين الوداع . 
نظائر : يجزئ غير الواجب عن الواجب في المذهب في سبع مسائل على   [ ص: 273 ] الخلاف فيها : من جدد وضوءه ثم تبين حدثه أو اغتسل للجمعة ناسيا للجنابة  ، أو نسي لمعة من الغسلة الأولى في وضوئه ثم غسل الثانية بنية السنة  ، أو من سلم من اثنتين ثم أعقبهما بركعتين نافلة ، أو اعتقد السلام ولم يكن سلم ، ثم كمل بنية النافلة ، أو نسي سجدة من الرابعة وقام إلى خامسة ، أو نسي طواف الإفاضة وطاف للوداع . 
الرابع : في ( الكتاب ) : يجزئ القارن طواف واحد  ، وقاله ( ش )   وابن حنبل     ; لقوله عليه السلام في  الترمذي     : ( من أحرم بحج أو عمرة أجزأه طواف واحد   ) . وقال ( ح ) : عليه طوافان وسعيان ، لما يروى ( أن  عليا     - رضي الله عنه - حج قارنا وطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ، ثم قال : هكذا رأيته عليه السلام فعل   ) وجوابه : أنه ضعيف سلمنا صحته ، لكن القول مقدم على الفعل ، لما تقرر في علم الأصول . 
ومن دخل مكة  مراهقا يخشى فوات الحج وهو مفرد أو قارن    : فليدع الطواف بعد الوقوف ولا دم عليه ; لأن عائشة    - رضي الله عنها - أخرته للحيض ، فإن كان غير مراهق فعليه دم دخل مكة  أو الحرم  أم لا ، وقال  أشهب  في ( الموازية ) : لا دم عليه ; لأن حكمه يتعلق بمكة  لا بالحج كطواف الوداع ، والمذهب يرى : أنه متعلق بالإحرام ، والمفرد إذا طاف الطواف الواجب ، وسعى على غير وضوء ثم طاف للإفاضة بعد الوقوف على وضوء  ، ولم يسع حتى أصاب النساء والصيد والطيب والثياب ، فليرجع لابسا للثياب حلالا إلا من النساء والصيد والطيب ، فيعتمر ويسعى ثم يعتمر ويهدي ، وليس عليه أن يحلق ; لأنه حلق بمنى  ولا دم عليه في الثياب ; لأن جمرة العقبة  أحلتها له بخلاف المعتمر لا تحل له الثياب حتى يفرغ من السعي ، وعليه لكل صيد أصابه الجزاء ، ولا دم لتأخير الطواف الذي طافه على   [ ص: 274 ] غير وضوء ; لأنه لم يتعمد ذلك فهو معذور كالمراهق ، والعمرة مع الهدي تجزئه لذلك كله ، وأكثر الناس يقولون : لا عمرة عليه ، قال  سند     : قال  أشهب     : إذا أصاب النساء عليه هديان : للفساد والتفريق ، ويختلف في وجوب الدم عليه لطوافه الذي طافه على غير وضوء ، كما اختلف فيمن تركه ناسيا ، وأما لو طاف المعتمر بغير وضوء أو في طواف الإفاضة    : ففي ( الكتاب ) : إن ذكر بعد تحلله بمكة  أو بلده فليرجع حراما ، فيطوف ، وإن حلق افتدى ، وعليه لكل صيد جزاء ; لأنه باق على إحرامه . 
				
						
						
