النوع الأول : لبس المخيط وليس المراد خصوص المخيط ، بل ما أوجب رفاهية للجسد ، كان مخيطا أو محيطا كالطير أو جلد حيوان يسلخ فيلبس ، وقد لا يمنع المخيط إذا استعمل استعمال غير المخيط ، كوضع القميص على الظهر ، أو ما يؤتزر به ، وقد تقدم في باب الإحرام سؤاله عليه السلام عما يلبس المحرم وما نبه عليه السلام عليه بذكر كل نوع على جنسه ، وفقه ذلك كله ، ونبين هنا ما يحرم مما لا يحرم .
( تفريعان ) الأول : في ( الكتاب ) : يكره إدخال المنكبين في القباء ، واليدين في كميه [ ص: 304 ] لأنهم اتفقوا على أن الطرح على الظهر لا شيء فيه ، ووافقنا ( ش ) وابن حنبل في إدخال المنكبين ، وسواهما ( ح ) بالطرح على الظهر ، لنا : أن لبسه بالمنكبين في العادة يوجب الفدية ، قال : وله طرح قميصه على ظهره وارتداؤه به ; لأنه ليس لبسا له عادة ، ولا يزرر الطيلسان عليه ، ولا يجلل كساءه فإن طال ذلك حتى انتفع به افتدى ; لأن العقد كالخياطة كما تجب الفدية في العمامة ، قال : ويجوز للمحرمة وغير المحرمة من النساء لبس الحرير والحلي والسراويل ، ويكره لهن القباء ; لأنه يصف ، قال سند : اختلف أصحابنا في تحريم الزينة فيها كالكحل والحلي للنساء قياسا على الطيب ، وكراهتها ; لأنها عبادة لها تحريم وتحليل ، فلا تحرم الزينة فيها كالصلاة أو يفرق - وهو المشهور - بين ما ظهر كالكحل ، وما بطن كالحلي ، قال : والأصل : حل الزينة لعدم منع السنة إياها ، بل هي كلبس المرقومات وأجناس الملونات ، والخاتم يلحق بالقلنسوة لإحاطته ، قال ابن حبيب : والإجماع على الرخصة للمرأة في الخفين والسراويل ، ووافقنا ( ش ) وابن حنبل في منعها من القفازين ، خلافا ل ( ح ) لنا : نهيه عليه السلام إياهن في إحرامهن عن القفازين ، وبالقياس على الوجه ، وخالف ابن حبيب في افتدائها لهما : والأصل في أن اللبس اليسير لا يوجب فدية ما في الصحاح أن رجلا أتى النبي - عليه السلام - وهو بالجعرانة ، وهو مصفر لحيته ورأسه وعليه جبة ، فقال يا رسول الله : أحرمت بعمرة وأنا كما ترى ؟ فقال له عليه السلام : ( انزع عنك الجبة ، واغسل عنك الصفرة ، وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك ) قال : والمعتبر في الطول دفع مضرة أو حر أو برد طال أو قصر ، فإن لم يقصد دفع ضرر فكاليوم لحصول الترفه ، قال ( ش ) : لا فدية على الناسي والجاهل بخلاف العامد ، طال الزمن أو قصر ، وقال ( ح ) : الاعتبار بيوم كامل أو ليلة ; لأنه عليه السلام لما قيل له : ماذا يلبس المحرم ؟ إنما سئل عن [ ص: 305 ] اللبس المعتاد ، وقلة ذلك عادة يوم أو ليلة . لنا على ( ش ) : أن الفدية جابرة لما وقع من خلل الإحرام ، والجابر لا يتوقف على القصد كقيم المتلفات ، وإنما يؤثر العمد في الإثم ، وعلى ( ح ) : أن اللبس يصدق لغة على اللحظة ، وما ذكره من العادة عرف فعلي لا قولي ، فلا يقضي على الأقوال بالتخصيص أو التقييد ، كما لو حلف المالك أن لا يدخل بيتا فدخل بيوت العامة حنث ، وإن كانت عادته القصور والقلاع نعم إذا غلب استعمال اللفظ في شيء قضي عليه به ; لأنه ينسخ وضعه الأول ، ويصير موضوعا للثاني فيحمل عليه ، وفرق بين غلبة استعمال اللفظ ، وبين غلبة مباشرة بعض أنواع مسماه ، ولا خلاف في دخوله تحت السقف والخيمة ، واختلف في تظلله بالجمل ، أجازه مالك والجمهور ، ومنعه سحنون ، واختلف في استظلاله إذا نزل بثوب على شجرة ، فمنعه مالك لما فيه من الترفه ، وجوزه عبد الملك قياسا على الخيمة ، وأما الراكب فلا يختلف في منعه من ذلك وهو راكب عندنا وعند ابن حنبل ، لما روي أن ابن عمر - رضي الله عنهما - رأى رجلا جعل على رجله عودا له شعبتان ، وجعل عليه ثوبا يستظل به وهو محرم فقال له : اضح للذي أحرمت له أي : ابرز للشمس ، وجوزه ( ش و ح ) في المحمل وعلى الأرض ، لما روت أم الحصين فقالت : حججت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأيت أسامة وبلالا أحدهما آخذ بزمام ناقته عليه السلام ، والآخر رافع ثوبه من الحر يستره حتى يرمي جمرة العقبة وجوابه : أن هذا يسير ، وإنما النزاع في الكثير وفي ( الجواهر ) : قال الرياشي : رأيت أحمد بن المعدل الفقيه في يوم شديد الحر ضاحيا للشمس فقلت له : يا أبا الفضل هذا أمر مختلف فيه ، فلو أخذت بالتوسعة فأنشأ يقول :
[ ص: 306 ]
ضحيت له كي أستظل بظله إذا الظل أمسى في القيامة قالصا فيا أسفا إن كان سعيك باطلا
ويا حسرتا إن كان حجك ناقصا
الثاني : في ( الكتاب ) : إذا شد منطقته فوق إزاره افتدى ، وأما من تحته فلا ، وروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تشد الهميان على وسطها لضرورة حفظ النفقة ، ولا يحتزم بحبل إذا لم يرد العمل ، فإن فعل افتدى لما فيه من الرفاهية بضم القماش للجسد ، ويكره جعل النفقة في العضد أو الفخذ أو الساق من غير فدية ; لأنه خلاف المعتاد ، فإن جعل نفقة غيره افتدى فإن شد نفقته ، ثم أودع نفقته فضمها إليها أو التجأ لتقليد السيف فلا فدية ، وإن شد جراحه بخرق أو عصب رأسه من صداع أو وضع على صدغيه للصداع افتدى ، فإن ألصق على القروح خرقا صغارا فلا شيء عليه ، قال سند : قال أصبغ : في شد النفقة على العضد الفدية ، ويعفى عن السيف لما في أبي داود : صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل الحديبية على أن لا يدخلوا إلا بجلبان السلاح يعني القراب بما فيه ، فإن حمله من غير خوف قال مالك : لا فدية فيه ; لأنه لا يصير كالشد ، وقال أصبغ : فيه الفدية لما فيه من لبس المخيط ولو شد فوق مئزره مئزرا ، قال محمد : يفتدي إلا أن يبسطهما ويتزر بهما ، واختلف قول مالك في الاستغفار عند الركوب والنزول بالكراهية والجواز ، وقال الشافعية : لا فدية في عصائب الجراح في غير الرأس ; لأنه لا يمنع [ ص: 307 ] من تغطية غير الرأس إلا المخيط ، وخرج بعض المتأخرين منا ذلك على قول في الجرح اليسير ، والفرق على المشهور بين المنطقة والحمل على الرأس للضرورة وبين شد الجراح : أن الأولين للضرورة فيها عامة فيجوز مطلقا كالقصر في السفر والمشقة في الجراح خاصة ، فلا تباح مطلقا كأكل الميتة لا تباح إلا للمضطر ، وقد تقدم في الإحرام بعض هذه الفروع .


