الفصل الثاني : في موجب الضمان . 
( قاعدة ) : أسباب الضمان في الشريعة ثلاثة : الإتلاف  ، أو التسبب للإتلاف  ، أو وضع اليد التي ليست مؤمنة  كيد الغاصب والمشتري في الخيار ، وإذا اجتمع التسبب والمباشرة غلبت المباشرة إلا أن تكون معمورة كقتل المكره وتقديم السم لإنسان فأكله ، وإذا لم يترتب على السبب مسببه سقط اعتباره ، وعلى هذه القاعدة تخرج فروع هذا الفصل والجنايات والضمانات . 
تفريعات سبعة : الأول في ( الكتاب ) : لا شيء في الصيد إذا جرح وسلم  ، وقاله  ابن القاسم     : ولو زمن ولم يلحق بالصيد ففي ( الجلاب ) : عليه   [ ص: 318 ] جزاؤه ، وقاله ( ح ) و ( ش ) فلو رمى على شيئين : قال  ابن القاسم  في ( الكتاب ) : لا شيء عليه ; لأن الضمان رتبه الله تعالى على القتل وقد سماه كفارة ، والكفارة لا تتبعض على أجزاء المكفر عنه ، قال  سند     : ، وقال  أشهب  و ( ش ) : عليه ما نقص بناء على أن الجراحات ، والجوابر تتبعض كقيم المتلفات والمشهور : أنه كفارة لوجوب كفارات عدة على قتلة صيد واحد كالشركاء في قتل المسلم ، قال : وعلى هذا يخرج إذا من قطع عضوا من أعضائه وسلمت بقيته  ، قال  ابن الجلاب     : لا شيء عليه ، وقيل : عليه بقدر النقص ، وإذا قلنا يضمن ما نقص ففي غير الهدي لتعذر تبعيض الهدي بل يضمن طعاما أو صياما ، وقال ( ش ) : إن نقص عشر قيمته فعليه عشر قيمة شاة ، وهو على أصله في تقويم المثل من النعم لمزيد الإطعام ، وعندنا يقوم الصيد نفسه ، وإن برئ من غير شين فعلى رأي  ابن حبيب  يطعم ; لأنه قال : يطعم إذا نتف ريش طائر أو مسكه حتى تنسل ، وعلى قول  مالك  في الطائر إذا نتف ريشه بحبسه حتى ينسل : يحبس الصيد ههنا إذا كان الجرح مخوفا ، وليس هو مثل الصيد الممنوع ; لأن هذا إمساك حفظ لا إمساك تملك ، وإن أرسله والجرح عظيم ، قال في ( الكتاب ) : عليه الجزاء ولم يحدد الجرح ، وقال  عبد الملك     : إن كان يتيقن موته ضمن ، وإذا قلنا بالجزاء فليؤخره ; لئلا يكفر قبل فوت الصيد ، فإن كفر ثم عطب الصيد فعليه جزاءان ، قال  عبد الملك     : إلا أن يتيقن أن عطبه من غير الجراحة فإن شك أضافه للجراحة ; لأن الأصل عدم سبب آخر فإن قتله بعد الجراحة أخر ، قال  أشهب     : الجزاء عليهما ، قال  محمد     : إن كان في فور واحد بخلاف الإنسان يجهز عليه غير من جرحه ; لأن الصيد لو لم يقتله الثاني لزم الأول الجزاء ، فلو حبسه ليبرأ فحل قبل برئه فعلى رأي  أشهب     : لا يضمنه ولو ذبحه بعد ذلك ، وقال  ابن القاسم     : يضمنه إن خاف هلاكه ، ولو جرحه ثم قتله من فوره أو قبل الأمان من الجرح الأول فجزاء واحد ، قال  محمد     : وإن برئ من الأول فجزاءان . 
الثاني : في ( الكتاب ) : إذا تعلق بأطناب فسطاطه صيد فعطب  ، أو حفر   [ ص: 319 ] بئرا للماء فوقع فيها صيد فعطب  فلا جزاء فيه ; لأن ذلك من فعل الصيد ، وفي ( الجلاب ) : عن  ابن قاسم  عليه الجزاء في الفسطاط ، كما لو جاز الطائر على رمحه المركوز فعطب ، ووجه المذهب : أن هذا لا يضمن دية الآدمي فلا يضمن الصيد ، وإذا أخذ المحرم بيضا فحصنه حتى خرج فراخا وطار  فلا شيء عليه فإن جعله مع بيض وحش فنفر الوحش وفسد الجميع ضمن الجميع . 
الثالث : في ( الكتاب ) : إذا رأى الصيد محرما فهرب منه وفزع ومات في هربه  فعليه جزاؤه ; لأن رؤيته مكرهة له على الهرب بخلاف حفر البئر . قال  ابن القاسم     : ولو نصب شركا ليصيد به ما يفترس غنمه فعطب فيه صيد ضمنه كمن حفر بئرا للسارق فعطب فيها غير السارق وداه ، قال  ابن يونس     : قال   ابن سحنون     : لا شيء عليه ; لأن العطب من قتل الصيد . 
الرابع : في ( الكتاب ) : إذا أمر المحرم عبده بإرسال صيد كان معه ، فظن العبد أنه أمره بذبحه فذبحه  ، قال  ابن القاسم     : على السيد جزاؤه ; لأنه عطب تحت يده ، ولو أمره فأطاعه في الذبح فعليهما جميعا الجزاء ، وإن دل محرم محرما أو حلالا على صيد فقتله  فليستغفر الدال الله ولا شيء عليه ، وكذلك إن أشار إليه أو أمره إلا أن يكون المأمور عبده فعليه الجزاء ، وعلى العبد جزاء آخر إن كان محرما ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) على الدال جزاء ، وعلى المدلول آخر إن كان محرما ، وإلا فعلى الدال فقط ، وقال   ابن حنبل     : عليهما جزاء واحد إن كانا محرمين أو على المحرم منهما ، قال  ابن يونس  ، وقال  أشهب     : إن كانا محرمين فعلى كل واحد منهما جزاء ; لأنه أمر أمرا محرما والمدلول حلالا فلا شيء على الدال ; لأنه لم يأمر المحرم ، قال  سند     : وروي عن  أشهب  الفدية ، وإن كان المدلول حلالا ، وإذا قلنا : لا جزاء عليه فلا يأكل منه ، فإن فعل فعليه الجزاء ، قال  عبد الوهاب     : لما في   [ ص: 320 ] الصحيحين في حديث  أبي قتادة  ، قال عليه السلام : ( ما منكم أحد أمره ؟   ) وأشار إليه ، وفي ( الجواهر ) : لو دل على صيد عصى ولا جزاء عليه ، وقيل : عليه ، وقيل : يختص بدلالة المحرم دون الحلال ، وقيل : بالعكس . 
الخامس : في ( الكتاب ) : وإذا اجتمع محرمون على قتل صيد  ، أو مخلوق على قتل صيد في الحرم ، أو محل وحرام فقتلا في الحرم فعلى كل واحد جزاء كامل ، وقاله ( ح ) ، وقال ( ش ) : على الجميع جزاء واحد ، والخلاف ينبني على أنه كفارة أو قيمة ، وقد تقدم تقريره ، وإذا جرح محرم صيدا فغاب عنه  فعليه جزاؤه ، قال  ابن القاسم     : قال  مالك     : إذا جرح محرم صيدا فغاب عنه فعليه جزاؤه ، قال  سند     : يريد أن  مالكا  أوجب الجزاء بمجرد الجرح وكل واحد منهم جارح ، قال : وإذا أمسك محرم صيد البر لمثله فقتله حرام  فعلى القاتل جزاؤه ، أو حلال فعلى الممسك جزاؤه ، وإن أمسكه لمن يقتله فقتله محرم فعليهما جزاءان ، أو حلال فعلى المحرم جزاؤه وحده ، قال  سند     : إن أراد إرساله فقتله حلال وكان ملك المحرم على الصيد متقدما فيختلف في ضمانه لربه بقيمته ، فروى ابن القاسم  فيمن أحرم ، وبيده صيد فأرسل فلا ضمان عليه ، وروى  أشهب  يضمنه بقيمته ، ومنشأ الخلاف أن الإحرام هل يزيل الملك وهو مذهب  ابن القاسم  أو لا يزيل ، وإنما عليه الإرسال وهو مذهب  الأبهري  ؟ ويتخرج القتل على هذه القاعدة ، ولو أمسكه ولم يرد إرساله ولا قتله فقتله محرم  فعليه جزاؤه دون الماسك ; لأنه لم يقصد   [ ص: 321 ] إتلافه ، وجعل بعض الشافعية الجزاء عليهما ، وهو باطل كمن أمسك إنسانا بقصد القتل فقتله آخر فلا شيء على الممسك إجماعا ، وأما لو قتله حلال فالجزاء على ربه ; لأنه بإمساكه قتل ، والآخر مأذون له . 
السادس : في ( الكتاب ) : ما صاده في إحرامه أرسله فإن أرسله آخر من يده لم يضمنه  ، وإن نازعه محرم فقتلاه فعلى كل واحد منهما الجزاء ، وإن نازعه حلال فلا شيء على الحلال ولا يضمن له هو شيئا ، قال  سند     : وكما يحرم الاصطياد يحرم ابتياعه بحضرته    . وقبول هبته ففي ( الموطأ ) : أن رجلا أهدى له - عليه السلام - حمار وحش وهو بالأبواء أو بودان فرده ، قال الرجل : فلما رأى ما في وجهي قال : ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) فإن ابتاعه ففي ( الموازية ) : عليه إرساله ، قال  ابن حبيب     : فإن رده على بائعه فعليه جزاؤه ، وقال في ( الموازية ) : أيضا يرده على البائع ويلزمه القبول ; لأنه بيع فاسد لم يفت ( جزاء البيع قبل حرام ) ، فلو ابتاعه بالخيار وهما حلالان ثم أحرما فإن اختار المبتاع البيع غرم الثمن وأطلق الصيد ، وإن رده فلا ثمن عليه ويطلق على البائع ، فلو تأخر البيع قبل الإحرام ، ثم أحرم البائع وفلس المبتاع فله أخذه وإرساله ، أو يتبع المبتاع بثمنه ، وقال الشافعية : ليس له الرجوع فيه ; لأنه ممنوع من تملك الصيد وهذه جهة من جهات التملك ، وما قلناه أبين ; لأنه يختاره من بيعه الماضي وهو صحيح ، ولو ابتاع به سلعة قبل الإحرام فوجد بها عيبا بعده فردها  ما لم يلزم البائع غرم الثمن   [ ص: 322 ] مع وجوده ، وله رده عليه ، وكذلك لو كان العيب بالصيد بقي على ملكه ، أو تحصن به ملكه وأرسل عليه ، قال  أشهب     : وإذا صاد المحرم صيدا فقتله في يده حلال في الحرم  ، فعلى كل واحد منهما جزاء ويغرم الحلال قيمته للمحرم كان القاتل حرا أو عبدا أو صبيا أو كافرا ، غير أن الكافر لا جزاء عليه ، قال : وظاهر هذا الكلام أنه أثبت ملكه عليه بالاصطياد ، وإنما يجب إرساله عليه لينجو الصيد بنفسه فإذا قتله فقد أبطل ملكه بغير الوجه الذي وجب إرساله ، وخالفه  ابن القاسم  في تضمين الحلال القيمة ، ولو أرسله المحرم فأخذه حلال فليس للمحرم أخذه منه بعد إحلاله ، قاله  ابن القاسم  وأشهب     . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					