الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : ولا بدهن في عظم فيل ، واحتج بكراهية ابن عمر لذلك .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال .

                                                                                                                                            والفيل في الأصل طاهر الخلقة حيا .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : هو نجس ، لأنه سبع ، والسباع عنده نجسة والكلام معه يأتي .

                                                                                                                                            وهو غير مأكول . وقال مالك : هو مأكول والكلام معه يأتي من الدليل عليه حديث ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم : " نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطيور " . والفيل من أعظمها نابا ، وبيعه إن كان منتفعا به جائز ، وإن كان غير منتفع به فباطل ، لأنه من أكل المال بالباطل .

                                                                                                                                            فأما إذا مات أو ذكي فالحكم فيهما قد عم سوى ، وكله نجس لا يطهر شيء منه إلا جلده بالدباغة ، وحكى عن طائفة أن جلده لا يطهر بالدباغ لثخنه ، وأن الدباغة لا تصل إلى [ ص: 75 ] باطنه ، وهذا خطأ لما فيه من دفع العيان من وصول الدباغة إليه فتأثيرها فيه مع العموم المشتمل عليه .

                                                                                                                                            فأما عظمه ونابه الذي هو العاج فنجس لا يطهر بحال .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : هو طاهر سواء مات أو ذكي بناء على أصله في أن العظم لا تحله الحياة .

                                                                                                                                            وقال مالك : إن ذكي كان عظمه طاهرا ، لأنه مأكول عنده وإن مات كان نجسا ، لأن العظم تحله الحياة عنده ، وكلا المذهبين فاسد ، وما مهدنا من الأصول كاف .

                                                                                                                                            فإذا ثبت أنه نجس فلا يطهر بحال .

                                                                                                                                            وقال إبراهيم النخعي : طهارة العاج خرطه ، فإذا خرط صار طاهرا .

                                                                                                                                            واستدل بأنه في جهاز فاطمة سواران من عاج .

                                                                                                                                            وهذا غلط : لأن جملة العين نجسة ، والعين النجسة لا تطهر بذهاب بعض الجملة وبقاء بعضها ، وما روي أنه كان في جهاز فاطمة عليها السلام سواران من عاج ، فقد قيل : إنه من عظم بعير .

                                                                                                                                            وقيل : من ذبل وهو عظم سمكة في البحر سمي عاجا لبياضه .

                                                                                                                                            فأما استدلال الشافعي بكراهة ابن عمر فهي كراهة تحريم ، لأن عمرو بن دينار روى أنه كره ، لأنه ميتة وإنما خص الشافعي عظم الفيل بالذكر وإن كان داخلا في عموم ما بينه من عظم ما لا يؤكل لحمه للخلاف فيه وكثرة الاستعمال له ، فعلى هذا لو أخذ رجل إناء من عاج واستعمله في الذائبات صار نجسا إلا أن يكون قلتين من ماء ، وإن استعمله في يابس كرهناه وإن كان جائزا ، ولو اتخذ مشطا من عاج ثم سرح به شعره كرهناه ، وإن استعمله وكان المشط أو الشعر نديا فقد نجس ، ووجب غسل شعره وإن كان يابسا جاز .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية