الفصل الثاني  
في الأفعال التي هي أركان  
وفي هذا الفصل من قواعد المسائل ثماني مسائل :  
المسألة الأولى  
[ رفع اليدين ]  
اختلف العلماء في  رفع اليدين في الصلاة   في ثلاثة مواضع : أحدها : في حكمه . والثاني : في المواضع التي يرفع فيها من الصلاة . والثالث : إلى أين ينتهي برفعها . فأما الحكم ، فذهب الجمهور إلى أنه سنة في الصلاة ، وذهب  داود  وجماعة من أصحابه إلى أن ذلك فرض ، وهؤلاء انقسموا أقساما فمنهم من أوجب ذلك في تكبيرة الإحرام فقط . ومنهم من أوجب ذلك في الاستفتاح وعند الركوع : ( أعني : عند الانحطاط فيه وعند الارتفاع منه ) ، ومنهم من أوجب ذلك في هذين الموضعين وعند السجود ، وذلك بحسب اختلافهم في المواضع التي يرفع فيها .  
وسبب اختلافهم : معارضة ظاهر حديث   أبي هريرة  الذي فيه تعليم فرائض الصلاة لفعله - عليه الصلاة والسلام - وذلك أن حديث   أبي هريرة  إنما فيه أنه قال له : وكبر ولم يأمره برفع يديه ، وثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - من حديث   ابن عمر  وغيره "  أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة     " وأما اختلافهم في المواضع التي ترفع فيها فذهب أهل الكوفة  أبو حنيفة   وسفيان الثوري  وسائر فقهائهم إلى أنه لا يرفع المصلي يديه إلا عند تكبيرة الإحرام فقط ، وهي رواية  ابن القاسم  عن  مالك  ، وذهب   الشافعي  وأحمد  وأبو عبيد   وأبو ثور  ، وجمهور أهل الحديث وأهل الظاهر إلى الرفع عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع ، وعند الرفع من الركوع وهو مروي عن  مالك  إلا أنه عند بعض أولئك فرض وعند  مالك  سنة .  
وذهب بعض أهل الحديث إلى رفعها عند السجود وعند الرفع منه .  
والسبب في هذا الاختلاف كله اختلاف الآثار الواردة في ذلك ، ومخالفة العمل  بالمدينة   لبعضها ، وذلك أن في ذلك أحاديث : أحدها : حديث   عبد الله بن مسعود  ، وحديث   البراء بن عازب     "  أنه كان - عليه الصلاة والسلام - يرفع يديه عند الإحرام مرة واحدة لا يزيد عليها  ، والحديث الثاني : حديث   ابن عمر  عن أبيه  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو      [ ص: 114 ] منكبيه ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضا كذلك وقال : " سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد " كان لا يفعل ذلك في السجود  ، وهو حديث متفق على صحته وزعموا أنه روى ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة عشر رجلا من أصحابه .  
والحديث الثالث حديث   وائل بن حجر  ، وفيه زيادة على ما في حديث  عبد الله بن عمر "  أنه كان يرفع يديه عند السجود     " فمن حمل الرفع ههنا على أنه ندب أو فريضة ، فمنهم من اقتصر به على الإحرام فقط ترجيحا لحديث   عبد الله بن مسعود  ، وحديث   البراء بن عازب  وهو مذهب  مالك  لموافقة العمل به ، ومنهم من رجح حديث  عبد الله بن عمر  ، فرأى الرفع في الموضعين ( أعني : في الركوع وفي الافتتاح لشهرته ) واتفق الجميع عليه ، ومن كان رأيه من هؤلاء أن الرفع فريضة حمل ذلك على الفريضة ، ومن كان رأيه أنه ندب حمل ذلك على الندب ، ومنهم من ذهب مذهب الجمع وقال : إنه يجب أن تجمع هذه الزيادات بعضها إلى بعض على ما في حديث   وائل بن حجر  ، فإذا العلماء ذهبوا في هذه الآثار مذهبين : إما مذهب الترجيح ، وإما مذهب الجمع .  
والسبب في اختلافهم في حمل رفع اليدين في الصلاة : هل هو على الندب أو على الفرض ؟ هو السبب الذي قلناه قبل من أن بعض الناس يرى أن الأصل في أفعاله - صلى الله عليه وسلم - أن تحمل على الوجوب حتى يدل الدليل على غير ذلك ، ومنهم من يرى أن الأصل أن لا يزاد فيما صح بدليل واضح من قول ثابت أو إجماع أنه من فرائض الصلاة إلا بدليل واضح ، وقد تقدم هذا من قولنا ، ولا معنى لتكرير الشيء الواحد مرات كثيرة ، وأما الحد الذي ترفع إليه اليدان ، فذهب بعضهم إلى أنه المنكبان ، وبه قال  مالك  ،   والشافعي  ، وجماعة ، وذهب بعضهم إلى رفعهما إلى الأذنين ، وبه قال  أبو حنيفة  ، وذهب بعضهم إلى رفعهما إلى الصدر ، وكل ذلك مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أن أثبت ما في ذلك أنه كان يرفعهما حذو منكبيه وعليه الجمهور ، والرفع إلى الأذنين أثبت من الرفع إلى الصدر وأشهر .  
				
						
						
