الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ المسألة الرابعة ]

[ متى يفطر المسافر ؟ ومتى يمسك ؟ ]

وأما المسألة الرابعة : وهي متى يفطر المسافر ومتى يمسك ؟ فإن قوما قالوا : يفطر يومه الذي خرج فيه مسافرا ، وبه قال الشعبي والحسن وأحمد . وقالت طائفة : لا يفطر يومه ذلك ، وبه قال فقهاء الأمصار . واستحب جماعة العلماء لمن علم أنه يدخل المدينة أول يومه ذلك أن يدخل صائما . وبعضهم في ذلك أكثر تشديدا من بعض ، وكلهم لم يوجبوا على من دخل مفطرا كفارة .

واختلفوا فيمن دخل وقد ذهب بعض النهار ، فذهب مالك والشافعي على أنه يتمادى على فطره . وقال أبو حنيفة وأصحابه : يكف عن الأكل ، وكذلك الحائض عندما تطهر تكف عن الأكل .

والسبب في اختلافهم : في الوقت الذي يفطر فيه المسافر هو معارضة الأثر للنظر .

أما الأثر : فإنه ثبت من حديث ابن عباس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صام حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطر الناس معه " . وظاهر هذا أنه أفطر بعد أن بيت الصوم ، وأما الناس فلا يشك أنهم أفطروا بعد تبييتهم الصوم . وفي هذا المعنى أيضا حديث جابر بن عبد الله : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة ، فسار حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس ، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب ، فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال : " أولئك العصاة أولئك العصاة " . وخرج أبو داود عن أبي نضرة الغفاري أنه لما تجاوز البيوت دعا بالسفرة ، قال جعفر راوي الحديث : فقلت : ألست تؤم البيوت ؟ فقال : أترغب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال جعفر : فأكل .

وأما النظر : فلما كان المسافر لا يجوز له إلا أن يبيت الصوم ليلة سفره لم يجز له أن يبطل صومه وقد بيته لقوله تعالى : ( ولا تبطلوا أعمالكم ) .

وأما اختلافهم في إمساك الداخل في أثناء النهار عن الأكل أو لا إمساكه : فالسبب في اختلافهم في تشبيه من يطرأ عليه في يوم شك أفطر فيه الثبوت أنه من رمضان ، فمن شبهه به قال يمسك عن الأكل ، ومن لم يشبهه به قال لا يمسك عن الأكل ، لأن الأول أكل لموضع الجهل ، وهذا أكل لسبب مبيح أو موجب للأكل . والحنفية تقول : كلاهما سببان موجبان للإمساك عن الأكل بعد إباحة الأكل .

التالي السابق


الخدمات العلمية