الفصل الرابع .  
في معرفة أصناف التغيرات الحادثة عند المشتري وحكمها .  
وأما إن  تغير المبيع عند المشتري ، ولم يعلم بالعيب إلا بعد تغير المبيع عنده      : فالحكم في ذلك يختلف عند فقهاء الأمصار بحسب التغيير :  
 [ ص: 541 ] فأما إن تغير بموت أو فساد أو عتق : ففقهاء الأمصار على أنه فوت ، ويرجع المشتري على البائع بقيمة العيب . وقال   عطاء بن أبي رباح     : لا يرجع في الموت والعتق بشيء . وكذلك عندهم حكم من اشترى جارية فأولدها . وكذلك التدبير عندهم ، وهو القياس في الكتابة .  
وأما تغيره في البيع : فإنهم اختلفوا فيه :  
فقال  أبو حنيفة  ،   والشافعي     : إذا باعه لم يرجع بشيء ، وكذلك قال  الليث     .  
وأما  مالك  فله في البيع تفصيل : وذلك أنه لا يخلو أن يبيعه من بائعه منه أو من غير بائعه ، ولا يخلو أيضا أن يبيعه بمثل الثمن أو أقل أو أكثر ، فإن باعه من بائعه منه بمثل الثمن فلا رجوع له بالعيب . وإن باعه منه بأقل من الثمن رجع عليه بقيمة العيب ، وإن باعه بأكثر من الثمن نظر : فإن كان البائع الأول مدلسا ( أي عالما بالعيب ) لم يرجع الأول على الثاني بشيء ، وإن لم يكن مدلسا رجع الأول على الثاني في الثمن والثاني على الأول أيضا ، وينفسخ البيعان ويعود المبيع إلى ملك الأول .  
فإن باعه من عند بائعه منه :  
فقال  ابن القاسم     : لا رجوع له بقيمة العيب ، مثل قول  أبي حنيفة   والشافعي     .  
وقال   ابن عبد الحكم     : له الرجوع بقيمة العيب .  
وقال  أشهب     : يرجع بالأقل من قيمة العيب ، أو بقيمة الثمن ، هذا إذا باعه بأقل مما اشتراه ، وعلى هذا لا يرجع إذا باعه بمثل الثمن ، أو أكثر ، وبه قال   عثمان البتي     .  
ووجه قول  ابن القاسم  ،   والشافعي  ،  وأبي حنيفة     : أنه إذا فات بالبيع فقد أخذ عوضا من غير أن يعتبر تأثير بالعيب في ذلك العوض الذي هو الثمن ، ولذلك متى قام عليه المشتري منه بعيب رجع على البائع الأول بلا خلاف .  
ووجه القول الثاني : تشبيهه البيع بالعتق .  
ووجه قول  عثمان  ،  وأشهب     : أنه لو كان عنده المبيع لم يكن له إلا الإمساك ، أو الرد للجميع ، فإذا باعه فقد أخذ عوض ذلك الثمن ، فليس له إلا ما نقص إلا أن يكون أكثر من قيمة العيب .  
وقال  مالك     : إن وهب أو تصدق رجع بقيمة العيب . وقال  أبو حنيفة  لا يرجع; لأن هبته ، أو صدقته تفويت للملك بغير عوض ، ورضا منه بذلك طلبا للأجر ، فيكون رضاه بإسقاط حق العيب أولى وأحرى بذلك .  
وأما  مالك  فقاس الهبة على العتق ، وقد كان القياس أن لا يرجع في شيء من ذلك إذا فات ولم يمكنه الرد; لأن إجماعهم على أنه إذا كان في يده فليس يجب له إلا الرد ، أو الإمساك ; دليل على أنه ليس للعيب تأثير في إسقاط شيء من الثمن ، وإنما له تأثير في فسخ البيع فقط .  
وأما  العقود التي يتعاقبها الاسترجاع كالرهن ، والإجازة      : فاختلف في ذلك أصحاب  مالك  ، فقال  ابن القاسم     : لا يمنع ذلك من الرد بالعيب إذا رجع إليه المبيع . وقال  أشهب     : إذا لم يكن زمان خروجه عن يده زمانا بعيدا كان له الرد بالعيب . وقول  ابن القاسم  أولى ، والهبة للثواب عند  مالك  كالبيع في أنها فوت ، فهذه هي الأحوال التي تطرأ على المبيع من العقود الحادثة فيها وأحكامها .  
				
						
						
