[ المسألة الرابعة ]  
[  ذبح الكتابي لما حرم عليه في التوراة أو ما حرمه على نفسه      ]  
ومن فرق بين ما حرم عليهم من ذلك في أصل شرعهم وبين ما حرموا على أنفسهم قال : ما حرم عليهم هو أمر حق ، فلا تعمل فيه الذكاة ، وما حرموا على أنفسهم هو أمر باطل ، فتعمل فيه التذكية .  
قال القاضي : والحق أن ما حرم عليهم أو حرموا على أنفسهم هو في وقت شريعة الإسلام أمر باطل ، إذ كانت ناسخة لجميع الشرائع ، فيجب أن لا يراعى اعتقادهم في ذلك .  
ولا يشترط أيضا أن يكون اعتقادهم في تحليل الذبائح اعتقاد المسلمين ، ولا اعتقاد شريعتهم ، لأنه لو اشترط ذلك لما جاز أكل ذبائحهم بوجه من الوجوه ، لكون اعتقاد شريعتهم في ذلك منسوخا ، واعتقاد شريعتنا لا يصح منهم ، وإنما هذا حكم خصهم الله تعالى به ، فذبائحهم والله أعلم جائزة لنا على الإطلاق ، وإلا ارتفع حكم آية التحليل جملة . فتأمل هذا فإنه بين ، والله أعلم .  
وأما المجوس : فإن الجمهور على أنه لا تجوز ذبائحهم لأنهم مشركون ، وتمسك قوم في إجازتها بعموم قوله عليه الصلاة والسلام : "  سنوا بهم سنة أهل الكتاب     " .  
وأما الصابئون : فالاختلاف فيهم من قبل اختلافهم في : هل هم من أهل الكتاب أم ليسوا من أهل الكتاب ؟ .  
وأما المرأة والصبي : فإن الجمهور على أن ذبائحهم جائزة غير مكروهة ، وهو مذهب  مالك  ، وكره ذلك  أبو المصعب     .  
والسبب في اختلافهم : نقصان المرأة والصبي ، وإنما لم يختلف الجمهور في المرأة لحديث  معاذ بن سعيد     : "  أن جارية   لكعب بن مالك  كانت ترعى بسلع فأصيبت شاة ، فأدركتها فذبحتها بحجر ، فسئل      [ ص: 373 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : لا بأس بها فكلوها     " . وهو حديث صحيح .  
وأما المجنون والسكران : فإن  مالكا  لم يجز ذبيحتهما ، وأجاز ذلك   الشافعي     .  
وسبب الخلاف : اشتراط النية في الذكاة ، فمن اشترط النية منع ذلك ، إذ لا يصح من المجنون ولا من السكران وبخاصة الملتخ .  
وأما جواز تذكية السارق والغاصب : فإن الجمهور على جواز ذلك . ومنهم من منع ذلك ورأى أنها ميتة ، وبه قال  داود   وإسحاق ابن راهويه     .  
وسبب اختلافهم : هل النهي يدل على فساد المنهي عنه أو لا يدل ؟ فمن قال : يدل ، قال : السارق والغاصب منهي عن ذكاتها وتناولها وتملكها ، فإذا كان ذكاها فسدت التذكية . ومن قال : لا يدل إلا إذا كان المنهي عنه شرطا من شروط ذلك الفعل قال : تذكيتهم جائزة ، لأنه ليس صحة الملك شرطا من شروط التذكية . وفي موطأ  ابن وهب     : "  أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فلم ير بها بأسا     " . وقد جاء إباحة ذلك مع الكراهية فيما روي  عن النبي عليه صلى الله عليه وسلم في الشاة التي ذبحت بغير إذن ربها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطعموها الأسارى     " .  
وهذا القدر كاف في أصول هذا الكتاب ، والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					