بسم الله الرحمن الرحيم  
وصلى الله على سيدنا  محمد   وعلى آله وصحبه وسلم تسليما  
كتاب في أحكام الزنى  
والنظر في أصول هذا الكتاب في حد الزنا ، وفي أصناف الزناة ، وفي العقوبات لكل صنف منهم ، وفيما تثبت به هذه الفاحشة .  
الباب الأول  
في حد الزنى  
فأما  الزنى فهو كل وطء وقع على غير نكاح ولا شبهة نكاح ولا ملك يمين   ، وهذا متفق عليه بالجملة من علماء الإسلام ، وإن كانوا اختلفوا فيما هو شبهة تدرأ الحدود مما ليس بشبهة دارئة .  
وفي ذلك مسائل نذكر منها أشهرها .  
فمنها  الأمة يقع عليها الرجل وله فيها شرك   ، فقال  مالك     : يدرأ عنه الحد وإن ولدت ألحق الولد به وقومت عليه ، وبه قال  أبو حنيفة  ، وقال بعضهم يعزر ، وقال   أبو ثور     : عليه الحد كاملا إذا علم الحرمة .  
وحجة الجماعة قوله - عليه الصلاة والسلام - : "  ادرءوا الحدود بالشبهات     " والذين درءوا الحدود اختلفوا هل يلزمه من صداق المثل بقدر نصيبه أم لا يلزم ؟  
وسبب الخلاف : هل ذلك الذي يغلب منها حكمه على الجزء الذي لا يملك أم حكم الذي لا يملك يغلب على حكم الذي يملك ؟ فإن حكم ما ملك الحلية ، وحكم ما لم يملك الحرمية .  
ومنها اختلافهم في الرجل  المجاهد يطأ جارية من المغنم   ، فقال قوم : عليه الحد ، ودرأ قوم عنه الحد وهو أشبه .  
والسبب في هذه وفي التي قبلها واحد ، والله أعلم .  
ومنها  أن يحل رجل لرجل وطء خادمه   ، فقال  مالك     : يدرأ عنه الحد ، وقال غيره : يعزر ، وقال بعض الناس : بل هي هبة مقبوضة والرقبة تابعة للفرج .  
ومنها  الرجل يقع على جارية ابنه أو ابنته   ، فقال الجمهور : لا حد عليه لقوله - عليه الصلاة والسلام - لرجل خاطبه : "  أنت ومالك لأبيك     " ولقوله - عليه الصلاة والسلام - : "  لا يقاد الوالد بالولد     " ولإجماعهم على أنه لا يقطع فيما سرق من مال ولده ، ولذلك قالوا : تقوم عليه حملت أم لم تحمل ; لأنها قد حرمت على ابنه فكأنه استهلكها .      [ ص: 747 ] ومن الحجة لهم أيضا إجماعهم على أن الأب لو قتل ابن ابنه لم يكن للابن أن يقتص من أبيه ، وكذلك كل من كان الابن له وليا .  
ومنها  الرجل يطأ جارية زوجته   ، اختلف العلماء فيه على أربعة أقوال :  
1 - فقال  مالك  والجمهور : عليه الحد كاملا .  
2 - وقالت طائفة ليس عليه الحد وتقوم عليه فيغرمها لزوجته إن كانت طاوعته ، وإن كانت استكرهها قومت عليه وهي حرة ، وبه قال  أحمد  وإسحاق  ، وهو قول   ابن مسعود  ، والأول قول  عمر  ، ورواه  مالك  في الموطأ عنه .  
3 - وقال قوم : عليه مائة جلدة فقط سواء كان محصنا أم ثيبا .  
4 - وقال قوم : عليه التعزير .  
فعمدة من أوجب عليه الحد أنه وطئ دون ملك تام ولا شركة ملك ولا نكاح فوجب الحد .  
وعمدة من درأ الحد ما ثبت  أن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - قضى في رجل وطئ جارية امرأته أنه إن كان استكرهها فهي حرة وعليه مثلها لسيدتها ، وإن كانت طاوعته فهي له ، وعليه لسيدتها مثلها     .  
وأيضا فإن له شبهة في مالها بدليل قوله - عليه الصلاة والسلام - : "  تنكح المرأة لثلاث ، فذكر مالها     " ، ويقوى هذا المعنى على أصل من يرى أن المرأة محجور عليها من زوجها فيما فوق الثلث ، أو في الثلث فما فوقه ، وهو مذهب  مالك     .  
ومنها ما يراه  أبو حنيفة  من درء الحد عن واطئ المستأجرة ، والجمهور على خلاف ذلك ، وقوله في ذلك ضعيف ومرغوب عنه ، وكأنه رأى أن هذه المنفعة أشبهت سائر المنافع التي استأجرها عليها ، فدخلت الشبهة وأشبه نكاح المتعة .  
ومنها درء الحد عمن امتنع اختلف فيه أيضا .  
وبالجملة فالأنكحة الفاسدة داخلة في هذا الباب ، وأكثرها عند  مالك  تدرأ بالحد إلا ما انعقد منها على شخص مؤبد التحريم بالقرابة مثل الأم وما أشبه ذلك ، مما لا يعذر فيه بالجهل .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					