الفصل الثالث
في خيار الفقد .
- واختلفوا في : المفقود الذي تجهل حياته أو موته في أرض الإسلام
فقال مالك يضرب لامرأته أجل أربع سنين من يوم ترفع أمرها إلى الحاكم ، فإذا انتهى الكشف عن حياته أو موته فجهل ذلك ضرب لها الحاكم الأجل ، فإذا انتهى اعتدت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا وحلت ، قال : وأما ماله فلا يورث حتى يأتي عليه من الزمان ما يعلم أن المفقود لا يعيش إلى مثله غالبا . فقيل : سبعون ، وقيل : ثمانون ، وقيل : تسعون ، وقيل : مائة فيمن غاب وهو دون هذه الأسنان ، وروي هذا القول عن ، وهو مروي أيضا عن عمر بن الخطاب عثمان وبه قال الليث .
وقال ، الشافعي وأبو حنيفة ، : لا تحل امرأة المفقود حتى يصح موته ، وقولهم مروي عن علي والثوري . وابن مسعود
[ ص: 436 ] والسبب في اختلافهم : معارضة استصحاب الحال للقياس :
وذلك أن استصحاب الحال يوجب أن لا تنحل عصمة إلا بموت أو طلاق حتى يدل الدليل على غير ذلك .
وأما القياس : فهو تشبيه الضرر اللاحق لها من غيبته بالإيلاء والعنة ، فيكون لها الخيار كما يكون في هذين .
والمفقودون عند المحصلين من أصحاب مالك أربعة : مفقود في أرض الإسلام وقع الخلاف فيه ، ومفقود في أرض الحرب ، ومفقود في حروب الإسلام ( أعني : فيما بينهم ) ، ومفقود في حروب الكفار . والخلاف عن مالك وعن أصحابه في الثلاثة الأصناف من المفقودين كثير :
فأما المفقود في بلاد الحرب : فحكمه عندهم حكم الأسير ، لا تتزوج امرأته ولا يقسم ماله حتى يصح موته ، ما خلا أشهب ، فإنه حكم له بحكم المفقود في أرض المسلمين .
وأما المفقود في حروب المسلمين : فقال : إن حكمه حكم المقتول دون تلوم . وقيل : يتلوم له بحسب بعد الموضع الذي كانت فيه المعركة وقربه ، وأقصى الأجل في ذلك سنة .
وأما المفقود في حروب الكفار : ففيه في المذهب أربعة أقوال : قيل : حكمه حكم الأسير ، وقيل : حكمه حكم المقتول بعد تلوم سنة ، إلا أن يكون بموضع لا يخفى أمره ، فيحكم له بحكم المفقود في حروب المسلمين وفتنهم . والقول الثالث : أن حكمه حكم المفقود في بلاد المسلمين . والرابع : حكمه حكم المقتول في زوجته ، وحكم المفقود في أرض المسلمين في ماله ( أعني : يعمر وحينئذ يورث ) .
وهذه الأقاويل كلها مبناها على تجويز النظر بحسب الأصلح في الشرع ، وهو الذي يعرف بالقياس المرسل ، وبين العلماء فيه اختلاف ( أعني : بين القائلين بالقياس ) .