المسألة الخامسة
[ هل الصفرة والكدرة حيض ]
اختلف الفقهاء في الصفرة والكدرة هل هي حيض أم لا ؟ فرأت جماعة أنها حيض في أيام الحيض ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ، وروي مثل ذلك عن مالك .
وفي المدونة عنه أن الصفرة والكدرة حيض في أيام الحيض ، وفي غير أيام الحيض رأت ذلك مع الدم أم لم تره .
وقال داود ، وأبو يوسف : إن الصفرة ، والكدرة لا تكون حيضة إلا بأثر الدم .
والسبب في اختلافهم مخالفة ظاهر حديث أم عطية لحديث عائشة ، وذلك أنه روي عن أم عطية أنها قالت : كنا لا نعد الصفرة ولا الكدرة بعد الغسل شيئا ، وروي عن عائشة أن النساء كن يبعثن إليها بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة والكدرة من دم الحيض يسألنها عن الصلاة ; فتقول : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء .
فمن رجح حديث عائشة جعل الصفرة ، والكدرة حيضا ، سواء ظهرت في أيام الحيض أو في غير أيامه مع الدم أو بلا دم ، فإن حكم الشيء الواحد في نفسه ليس يختلف ، ومن رام الجمع بين الحديثين قال : إن حديث أم عطية هو بعد انقطاع الدم ، وحديث عائشة في أثر انقطاعه ، أو إن حديث عائشة هو في أيام الحيض ، وحديث أم عطية في غير أيام الحيض .
وقد ذهب قوم إلى ظاهر حديث أم عطية ، ولم يروا الصفرة ، ولا الكدرة شيئا لا في أيام حيض ، ولا في غيرها ، ولا بأثر الدم ، ولا بعد انقطاعه ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " دم الحيض دم أسود يعرف " ، ولأن الصفرة [ ص: 50 ] والكدرة ليست بدم ، وإنما هي من سائر الرطوبات التي ترخيها الرحم ، وهو مذهب أبي محمد بن حزم .


