الفصل الأول في معرفة
nindex.php?page=treesubj&link=33282_33278الأشياء التي لا يجوز فيها التفاضل ولا يجوز فيها النساء وتبيين علة ذلك
فنقول : أجمع العلماء على أن التفاضل والنساء مما لا يجوز واحد منهما في الصنف الواحد من الأصناف التي نص عليها في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت ، إلا ما حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وحديث
عبادة هو قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006545سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى " ، فهذا الحديث نص في منع التفاضل في الصنف الواحد من هذه الأعيان . وأما منع النسيئة فيها فثابت من غير ما حديث ، أشهرها حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006546قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " الذهب بالذهب ربا ، إلا هاء وهاء ، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء ، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء ، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء " . فتضمن حديث
عبادة منع التفاضل في الصنف الواحد ، وتضمن أيضا حديث
عبادة منع النساء في الصنفين من هذه ، وإباحة التفاضل ، وذلك في بعض الروايات الصحيحة ، وذلك أن فيها بعد ذكره منع التفاضل في تلك الستة " وبيعوا الذهب بالورق كيف شئتم يدا بيد ، والبر بالشعير كيف شئتم يدا بيد "
[ ص: 500 ] وهذا كله متفق عليه بين الفقهاء إلا البر بالشعير . واختلفوا فيما سوى هذه الستة المنصوص عليها ، فقال قوم منهم أهل الظاهر : إنما يمتنع التفاضل في صنف صنف من هذه الأصناف الستة فقط ، وأن ما عداها لا يمتنع الصنف الواحد ، منها التفاضل ، وقال هؤلاء أيضا : إن النساء ممتنع في هذه الستة أيضا فقط ، اتفقت الأصناف أو اختلفت ، وهذا أمر متفق عليه ( أعني : امتناع النساء فيها مع اختلاف الأصناف ) ، إلا ما حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية أنه قال : إذا اختلف الصنفان جاز التفاضل والنسيئة ما عدا الذهب والفضة . فهؤلاء جعلوا النهي المتعلق بأعيان هذه الستة من باب الخاص أريد به الخاص . وأما الجمهور من فقهاء الأمصار ، فإنهم اتفقوا على أنه من باب الخاص أريد به العام . واختلفوا في المعنى العام الذي وقع التنبيه عليه بهذه الأصناف ( أعني : في مفهوم علة التفاضل ومنع النساء فيها ) . فالذي استقر عليه حذاق المالكية أن سبب منع التفاضل : أما في الأربعة : فالصنف الواحد من المدخر المقتات ، وقد قيل الصنف الواحد المدخر ، وإن لم يكن مقتاتا ، ومن شرط الادخار عندهم أن يكون في الأكثر ، وقال بعض أصحابه : الربا في الصنف المدخر ، وإن كان نادر الادخار . وأما العلة عندهم في منع التفاضل في الذهب والفضة فهو الصنف الواحد أيضا مع كونهما رءوسا للأثمان وقيما للمتلفات ، وهذه العلة هي التي تعرف عندهم بالقاصرة ، لأنها غير موجودة عندهم في غير الذهب والفضة .
وأما علة منع النساء عند المالكية في الأربعة المنصوص عليها فهو الطعم والادخار دون اتفاق الصنف ، ولذلك إذا اختلفت أصنافها جاز عندهم التفاضل دون النسيئة ، ولذلك يجوز التفاضل عندهم في المطعومات التي ليست مدخرة ( أعني : في الصنف الواحد منها ) ، ولا يجوز النساء .
أما جواز التفاضل ، فلكونها ليست مدخرة ، وقد قيل إن الادخار شرط في تحريم التفاضل في الصنف الواحد . وأما منع النساء فيها فلكونها مطعومة مدخرة ، وقد قلنا إن الطعم بإطلاق علة لمنع النساء في المطعومات .
وأما الشافعية : فعلة منع التفاضل عندهم في هذه الأربعة هو الطعم فقط مع اتفاق الصنف الواحد . وأما علة النساء فالطعم دون اعتبار الصنف مثل قول
مالك .
وأما الحنفية : فعلة منع التفاضل عندهم في الستة واحدة وهو الكيل ، أو الوزن مع اتفاق الصنف ، وعلة النساء فيها اختلاف الصنف ما عدا النحاس والذهب ، فإن الإجماع انعقد على أنه يجوز فيها النساء ، ووافق
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مالكا في علة منع التفاضل والنساء في الذهب والفضة ، ( أعني : أن كونهما رءوسا للأثمان وقيما للمتلفات هو عندهم علة منع النسيئة إذا اختلف الصنف ، فإذا اتفقا منع التفاضل ) ، والحنفية تعتبر في المكيل قدرا يتأتى فيه الكيل ، وسيأتي أحكام الدنانير والدراهم بما يخصها في كتاب الصرف ، وأما هاهنا فالمقصود هو تبيين مذاهب الفقهاء في علل الربا المطلق في هذه الأشياء ، وذكر عمدة دليل كل فريق منهم ، فنقول :
[ ص: 501 ] إن الذين قصروا صنف الربا على هذه الأصناف الستة فهم أحد صنفين : إما قوم نفوا القياس في الشرع ( أعني : استنباط العلل من الألفاظ ) ، وهم الظاهرية ، وإما قوم نفوا قياس الشبه ، وذلك أن جميع من ألحق المسكوت هاهنا بالمنطوق به ، فإنما ألحقه بقياس الشبه لا بقياس العلة ، إلا ما حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابن الماجشون أنه اعتبر في ذلك المالية ، وقال : علة منع الربا إنما هي حياطة الأموال ، يريد منع العين . وأما القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=12604أبو بكر الباقلاني فلما كان قياس الشبه عنده ضعيفا ، وكان قياس المعنى عنده أقوى منه اعتبر في هذا الموضع قياس المعنى ، إذ لم يتأت له قياس علة ، فألحق الزبيب فقط بهذه الأصناف الأربعة ، لأنه زعم أنه في معنى التمر ، ولكل واحد من هؤلاء ( أعني : من القائسين ) دليل في استنباط الشبه الذي اعتبره في إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به من هذه الأربعة : وأما الشافعية : فإنهم قالوا في تثبيت علتهم الشبهية : إن الحكم إذا علق باسم مشتق دل على أن ذلك المعنى الذي اشتق منه الاسم هو علة الحكم مثل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ، فلما علق الحكم بالاسم المشتق وهو السارق علم أن الحكم متعلق بنفس السرقة . قالوا : وإذا كان هذا هكذا ، وكان قد جاء من حديث
سعيد بن عبد الله أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006547كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الطعام بالطعام مثلا بمثل " . فمن البين أن الطعم هو الذي علق به الحكم .
وأما المالكية : فإنها زادت على الطعم إما صفة واحدة وهو الادخار على ما في الموطإ ، وإما صفتين وهو الادخار والاقتيات على ما اختاره البغداديون ، وتمسكت في استنباط هذه العلة بأنه لو كان المقصود هو الطعم وحده لاكتفى بالتنبيه على ذلك بالنص على واحد من تلك الأربعة أصناف المذكورة ، فلما ذكر منها عددا علم أنه قصد بكل واحد منها التنبيه على ما في معناه ، وهي كلها يجمعها الاقتيات والادخار . أما البر والشعير فنبه بهما على أصناف الحبوب المدخرة ، ونبه بالتمر على جميع أنواع الحلاوات المدخرة كالسكر ، والعسل ، والزبيب ، ونبه بالملح على جميع التوابل المدخرة لإصلاح الطعام ، وأيضا فإنهم قالوا : لما كان معقول المعنى في الربا إنما هو أن لا يغبن بعض الناس بعضا وأن تحفظ أموالهم ، فواجب أن يكون ذلك في أصول المعايش وهي الأقوات .
وأما الحنفية : فعمدتهم في اعتبار المكيل والموزون أنه - صلى الله عليه وسلم - لما علق التحليل باتفاق الصنف ، واتفاق القدر ، وعلق التحريم باتفاق الصنف واختلاف القدر في قوله صلى الله عليه وسلم لعامله
بخيبر من حديث
أبي سعيد ، وغيره : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006548إلا كيلا بكيل ، يدا بيد " ، رأوا أن التقدير ( أعني : الكيل ، أو الوزن ) هو المؤثر في الحكم كتأثير الصنف ، وربما احتجوا بأحاديث ليست مشهورة فيها تنبيه قوي على اعتبار الكيل ، أو الوزن . منها : أنهم رووا في بعض الأحاديث المتضمنة المسميات المنصوص عليها في حديث
عبادة زيادة ، وهي : " كذلك ما يكال ويوزن " ، وفي بعضها : " وكذلك المكيال والميزان " ، هذا نص لو صحت الأحاديث ، ولكن إذا تؤمل الأمر من طريق المعنى ظهر - والله أعلم - أن علتهم أولى العلل ، وذلك أنه يظهر من الشرع أن المقصود بتحريم الربا إنما هو لمكان الغبن الكثير الذي فيه ، وأن العدل في المعاملات إنما هو
[ ص: 502 ] مقاربة التساوي ، ولذلك لما عسر إدراك التساوي في الأشياء المختلفة الذوات جعل الدينار والدرهم لتقويمها ( أعني : تقديرها ) ، ولما كانت الأشياء المختلفة الذوات ( أعني : غير الموزونة والمكيلة ) العدل فيها إنما هو في وجود النسبة ( أعني : أن تكون نسبة قيمة أحد الشيئين إلى جنسه نسبة قيمة الشيء لآخر إلى جنسه ، مثال ذلك : أن العدل إذا باع إنسان فرسا بثياب هو أن تكون نسبة قيمة ذلك الفرس إلى الأفراس هي نسبة قيمة ذلك الثوب إلى الثياب ، فإن كان ذلك الفرس قيمته خمسون فيجب أن تكون تلك الثياب قيمتها خمسون ، فليكن مثلا الذي يساوي هذا القدر عددها هو عشرة أثواب ، فإذا اختلاف هذه المبيعات بعضها ببعض في العدد واجبة في المعاملة العدالة ، ( أعني : أن يكون عديل فرس عشرة أثواب في المثل ) .
وأما الأشياء المكيلة والموزونة : فلما كانت ليست تختلف كل الاختلاف ، وكانت منافعها متقاربة ولم تكن حاجة ضرورية لمن كان عنده منها صنف أن يستبدله بذلك الصنف بعينه إلا على جهة السرف ؛ كان العدل في هذا إنما هو بوجود التساوي في الكيل ، أو الوزن إذ كانت لا تتفاوت في المنافع ، وأيضا فإن منع التفاضل في هذه الأشياء يوجب أن لا يقع فيها تعامل لكون منافعها غير مختلفة ، والتعامل إنما يضطر إليه في المنافع المختلفة ، فإذا منع التفاضل في هذه الأشياء ( أعني المكيلة ، والموزونة ) علتان : إحداهما وجود العدل فيها ، والثانية منع المعاملة إذا كانت المعاملة بها من باب السرف . وأما الدينار والدرهم فعلة المنع فيها أظهر إذ كانت هذه ليس المقصود منها الربح ، وإنما المقصود بها تقدير الأشياء التي لها منافع ضرورية . روى
مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : أنه كان يعتبر في علة الربا في هذه الأصناف الكيل والطعم ، وهو معنى جيد لكون الطعم ضروريا في أقوات الناس ، فإنه يشبه أن يكون حفظ العين وحفظ السرف فيما هو قوت أهم منه فيما ليس هو قوتا . وقد روي عن بعض التابعين أنه اعتبر في الربا الأجناس التي تجب فيها الزكاة ، وعن بعضهم الانتفاع مطلقا ( أعني : المالية ) ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابن الماجشون .
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=33282_33278الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا النَّسَاءُ وَتَبْيِينِ عِلَّةِ ذَلِكَ
فَنَقُولُ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّفَاضُلَ وَالنَّسَاءَ مِمَّا لَا يَجُوزُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنَ الْأَصْنَافِ الَّتِي نُصَّ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَحَدِيثُ
عُبَادَةَ هُوَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006545سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى " ، فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ . وَأَمَّا مَنْعُ النَّسِيئَةِ فِيهَا فَثَابِتٌ مِنْ غَيْرِ مَا حَدِيثٍ ، أَشْهَرُهَا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006546قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا ، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ " . فَتَضَمَّنَ حَدِيثُ
عُبَادَةَ مَنْعُ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ ، وَتَضَمَّنَ أَيْضًا حَدِيثُ
عُبَادَةَ مَنْعَ النَّسَاءِ فِي الصِّنْفَيْنِ مِنْ هَذِهِ ، وَإِبَاحَةَ التَّفَاضُلِ ، وَذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ فِيهَا بَعْدَ ذِكْرِهِ مَنْعَ التَّفَاضُلِ فِي تِلْكَ السِّتَّةِ " وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ ، وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ "
[ ص: 500 ] وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ إِلَّا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ . وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى هَذِهِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا ، فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ : إِنَّمَا يَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ فِي صِنْفٍ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ فَقَطْ ، وَأَنَّ مَا عَدَاهَا لَا يَمْتَنِعُ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ ، مِنْهَا التَّفَاضُلُ ، وَقَالَ هَؤُلَاءِ أَيْضًا : إِنَّ النَّسَاءَ مُمْتَنِعٌ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ أَيْضًا فَقَط ، اتَّفَقَتِ الْأَصْنَافُ أَوِ اخْتَلَفَتْ ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( أَعْنِي : امْتِنَاعَ النَّسَاءِ فِيهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْأَصْنَافِ ) ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ : إِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ جَازَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ . فَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَعْيَانِ هَذِهِ السِّتَّةِ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ . وَأَمَّا الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ . وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الْعَامِّ الَّذِي وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَصْنَافِ ( أَعْنِي : فِي مَفْهُومِ عِلَّةِ التَّفَاضُلِ وَمَنْعِ النَّسَاءِ فِيهَا ) . فَالَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حُذَّاقُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ سَبَبَ مَنْعِ التَّفَاضُلِ : أَمَّا فِي الْأَرْبَعَةِ : فَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ مِنَ الْمُدَّخَرِ الْمُقْتَاتِ ، وَقَدْ قِيلَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ الْمُدَّخَرُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَاتًا ، وَمِنْ شَرْطِ الِادِّخَارِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَكْثَرِ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : الرِّبَا فِي الصِّنْفِ الْمُدَّخَرِ ، وَإِنْ كَانَ نَادِرَ الِادِّخَارِ . وَأَمَّا الْعِلَّةُ عِنْدَهُمْ فِي مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهُوَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ أَيْضًا مَعَ كَوْنِهِمَا رُءُوسًا لِلْأَثْمَانِ وَقِيَمًا لِلْمُتْلَفَاتِ ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ الَّتِي تُعْرَفُ عِنْدَهُمْ بِالْقَاصِرَةِ ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ .
وَأَمَّا عِلَّةُ مَنْعِ النَّسَاءِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَهُوَ الطُّعْمُ وَالِادِّخَارُ دُونَ اتِّفَاقِ الصِّنْفِ ، وَلِذَلِكَ إِذَا اخْتَلَفَتْ أَصْنَافُهَا جَازَ عِنْدَهُمُ التَّفَاضُلُ دُونَ النَّسِيئَةِ ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ عِنْدَهُمْ فِي الْمَطْعُومَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مُدَّخَرَةً ( أَعْنِي : فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا ) ، وَلَا يَجُوزُ النَّسَاءُ .
أَمَّا جَوَازُ التَّفَاضُلِ ، فَلِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مُدَّخَرَةً ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الِادِّخَارَ شَرْطٌ فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ . وَأَمَّا مَنْعُ النَّسَاءِ فِيهَا فَلِكَوْنِهَا مَطْعُومَةً مُدَّخَرَةً ، وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ الطُّعْمَ بِإِطْلَاقٍ عِلَّةٌ لِمَنْعِ النَّسَاءِ فِي الْمَطْعُومَاتِ .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ : فَعِلَّةُ مَنْعِ التَّفَاضُلِ عِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ هُوَ الطُّعْمُ فَقَطْ مَعَ اتِّفَاقِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ . وَأَمَّا عِلَّةُ النَّسَاءِ فَالطُّعْمُ دُونَ اعْتِبَارِ الصِّنْفِ مِثْلُ قَوْلِ
مَالِكٍ .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ : فَعِلَّةُ مَنْعِ التَّفَاضُلِ عِنْدَهُمْ فِي السِّتَّةِ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْكَيْلُ ، أَوِ الْوَزْنُ مَعَ اتِّفَاقِ الصِّنْفِ ، وَعِلَّةُ النَّسَاءِ فِيهَا اخْتِلَافُ الصِّنْفِ مَا عَدَا النُّحَاسَ وَالذَّهَبَ ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا النَّسَاءُ ، وَوَافَقَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ مَالِكًا فِي عِلَّةِ مَنْعِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، ( أَعْنِي : أَنَّ كَوْنَهُمَا رُءُوسًا لِلْأَثْمَانِ وَقِيَمًا لِلْمُتْلَفَاتِ هُوَ عِنْدَهُمْ عِلَّةُ مَنْعِ النَّسِيئَةِ إِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفُ ، فَإِذَا اتَّفَقَا مُنِعَ التَّفَاضُلُ ) ، وَالْحَنَفِيَّةُ تَعْتَبِرُ فِي الْمَكِيلِ قَدْرًا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ ، وَسَيَأْتِي أَحْكَامُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِمَا يَخُصُّهَا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالْمَقْصُودُ هُوَ تَبْيِينُ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ فِي عِلَلِ الرِّبَا الْمُطْلَقِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَذِكْرُ عُمْدَةِ دَلِيلِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ، فَنَقُولُ :
[ ص: 501 ] إِنَّ الَّذِينَ قَصَرُوا صِنْفَ الرِّبَا عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ فَهُمْ أَحَدُ صِنْفَيْنِ : إِمَّا قَوْمٌ نَفَوُا الْقِيَاسَ فِي الشَّرْعِ ( أَعْنِي : اسْتِنْبَاطَ الْعِلَلِ مِنَ الْأَلْفَاظِ ) ، وَهُمُ الظَّاهِرِيَّةُ ، وَإِمَّا قَوْمٌ نَفَوْا قِيَاسَ الشَّبَهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ أَلْحَقَ الْمَسْكُوتَ هَاهُنَا بِالْمَنْطُوقِ بِهِ ، فَإِنَّمَا أَلْحَقَهُ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ لَا بِقِيَاسِ الْعِلَّةِ ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْمَالِيَّةَ ، وَقَالَ : عِلَّةُ مَنْعِ الرِّبَا إِنَّمَا هِيَ حِيَاطَةُ الْأَمْوَالِ ، يُرِيدُ مَنْعَ الْعَيْنِ . وَأَمَّا الْقَاضِي
nindex.php?page=showalam&ids=12604أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فَلَمَّا كَانَ قِيَاسُ الشَّبَهِ عِنْدَهُ ضَعِيفًا ، وَكَانَ قِيَاسُ الْمَعْنَى عِنْدَهُ أَقْوَى مِنْهُ اعْتَبَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قِيَاسَ الْمَعْنَى ، إِذْ لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ قِيَاسُ عِلَّةٍ ، فَأَلْحَقَ الزَّبِيبَ فَقَطْ بِهَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ ، لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّمْرِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ ( أَعْنِي : مِنَ الْقَائِسِينَ ) دَلِيلٌ فِي اسْتِنْبَاطِ الشَّبَهِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ فِي إِلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ : وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ : فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي تَثْبِيتِ عِلَّتِهِمُ الشِّبَهِيَّةِ : إِنَّ الْحُكْمَ إِذَا عُلِّقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي اشْتُقَّ مِنْهُ الِاسْمُ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) ، فَلَمَّا عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالِاسْمِ الْمُشْتَقِّ وَهُوَ السَّارِقُ عُلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ السَّرِقَةِ . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا ، وَكَانَ قَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ
سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006547كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : " الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ " . فَمِنَ الْبَيِّنِ أَنَّ الطُّعْمَ هُوَ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ : فَإِنَّهَا زَادَتْ عَلَى الطُّعْمِ إِمَّا صِفَةً وَاحِدَةً وَهُوَ الْادِّخَارُ عَلَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ ، وَإِمَّا صِفَتَيْنِ وَهُوَ الْادِّخَارُ وَالِاقْتِيَاتُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْبَغْدَادِيُّونَ ، وَتَمَسَّكْتُ فِي اسْتِنْبَاطِ هَذِهِ الْعِلَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الطُّعْمُ وَحْدَهُ لَاكْتَفَى بِالتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّصِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ الْمَذْكُورَةِ ، فَلَمَّا ذَكَرَ مِنْهَا عَدَدًا عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا التَّنْبِيهَ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ ، وَهِيَ كُلُّهَا يَجْمَعُهَا الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ . أَمَّا الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ فَنَبَّهَ بِهِمَا عَلَى أَصْنَافِ الْحُبُوبِ الْمُدَّخَرَةِ ، وَنَبَّهَ بِالتَّمْرِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَلَاوَاتِ الْمُدَّخَرَةِ كَالسُّكَّرِ ، وَالْعَسَلِ ، وَالزَّبِيبِ ، وَنَبَّهَ بِالْمِلْحِ عَلَى جَمِيعِ التَّوَابِلِ الْمُدَّخَرَةِ لِإِصْلَاحِ الطَّعَامِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ قَالُوا : لَمَّا كَانَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فِي الرِّبَا إِنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يَغْبِنَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا وَأَنْ تُحْفَظَ أَمْوَالُهُمْ ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْمَعَايِشِ وَهِيَ الْأَقْوَاتُ .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ : فَعُمْدَتُهُمْ فِي اعْتِبَارِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَلَّقَ التَّحْلِيلَ بِاتِّفَاقِ الصِّنْفِ ، وَاتِّفَاقِ الْقَدْرِ ، وَعَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِاتِّفَاقِ الصِّنْفِ وَاخْتِلَافِ الْقَدْرِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَامِلِهِ
بِخَيْبَرَ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ ، وَغَيْرِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006548إِلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ ، يَدًا بِيَدٍ " ، رَأَوْا أَنَّ التَّقْدِيرَ ( أَعْنِي : الْكَيْلَ ، أَوِ الْوَزْنَ ) هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ كَتَأْثِيرِ الصِّنْفِ ، وَرُبَّمَا احْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ لَيْسَتْ مَشْهُورَةً فِيهَا تَنْبِيهٌ قَوِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَيْلِ ، أَوِ الْوَزْنِ . مِنْهَا : أَنَّهُمْ رَوَوْا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ الْمُسَمَّيَاتِ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ
عُبَادَةَ زِيَادَةً ، وَهِيَ : " كَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ " ، وَفِي بَعْضِهَا : " وَكَذَلِكَ الْمِكْيَالُ وَالْمِيزَانُ " ، هَذَا نَصٌّ لَوْ صَحَّتِ الْأَحَادِيثُ ، وَلَكِنْ إِذَا تُؤُمِّلَ الْأَمْرُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى ظَهَرَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ عِلَّتَهُمْ أَوْلَى الْعِلَلِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنَ الشَّرْعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا إِنَّمَا هُوَ لِمَكَانِ الْغَبْنِ الْكَثِيرِ الَّذِي فِيهِ ، وَأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْمُعَامَلَاتِ إِنَّمَا هُوَ
[ ص: 502 ] مُقَارَبَةُ التَّسَاوِي ، وَلِذَلِكَ لَمَّا عَسُرَ إِدْرَاكُ التَّسَاوِي فِي الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ الذَّوَاتِ جُعِلَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ لِتَقْوِيمِهَا ( أَعْنِي : تَقْدِيرَهَا ) ، وَلَمَّا كَانَتِ الْأَشْيَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ الذَّوَاتِ ( أَعْنِي : غَيْرَ الْمَوْزُونَةِ وَالْمَكِيلَةِ ) الْعَدْلُ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ فِي وُجُودِ النِّسْبَةِ ( أَعْنِي : أَنْ تَكُونَ نِسْبَةُ قِيمَةِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ إِلَى جِنْسِهِ نِسْبَةَ قِيمَةِ الشَّيْءِ لِآخَرَ إِلَى جِنْسِهِ ، مِثَالُ ذَلِكَ : أَنَّ الْعَدْلَ إِذَا بَاعَ إِنْسَانٌ فَرَسًا بِثِيَابٍ هُوَ أَنْ تَكُونَ نِسْبَةُ قِيمَةِ ذَلِكَ الْفَرَسِ إِلَى الْأَفْرَاسِ هِيَ نِسْبَةُ قِيمَةِ ذَلِكَ الثَّوْبِ إِلَى الثِّيَابِ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفَرَسُ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الثِّيَابُ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ ، فَلْيَكُنْ مَثَلًا الَّذِي يُسَاوِي هَذَا الْقَدْرَ عَدَدُهَا هُوَ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ ، فَإِذًا اخْتِلَافُ هَذِهِ الْمَبِيعَاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فِي الْعَدَدِ وَاجِبَةٌ فِي الْمُعَامَلَةِ الْعَدَالَةُ ، ( أَعْنِي : أَنْ يَكُونَ عَدِيلُ فَرَسٍ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فِي الْمِثْلِ ) .
وَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الْمَكِيلَةُ وَالْمَوْزُونَةُ : فَلَمَّا كَانَتْ لَيْسَتْ تَخْتَلِفُ كُلَّ الِاخْتِلَافِ ، وَكَانَتْ مَنَافِعُهَا مُتَقَارِبَةً وَلَمْ تَكُنْ حَاجَةً ضَرُورِيَّةً لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا صِنْفٌ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ بِذَلِكَ الصِّنْفِ بِعَيْنِهِ إِلَّا عَلَى جِهَةِ السَّرَفِ ؛ كَانَ الْعَدْلُ فِي هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِوُجُودِ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ ، أَوِ الْوَزْنِ إِذْ كَانَتْ لَا تَتَفَاوَتُ فِي الْمَنَافِعِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْعَ التَّفَاضُلِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ فِيهَا تَعَامُلٌ لِكَوْنِ مَنَافِعِهَا غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ ، وَالتَّعَامُلُ إِنَّمَا يُضْطَرُّ إِلَيْهِ فِي الْمَنَافِعِ الْمُخْتَلِفَةِ ، فَإِذَا مُنِعَ التَّفَاضُلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ( أَعْنِي الْمَكِيلَةَ ، وَالْمَوْزُونَةَ ) عِلَّتَانِ : إِحْدَاهُمَا وُجُودُ الْعَدْلِ فِيهَا ، وَالثَّانِيَةُ مَنْعُ الْمُعَامَلَةِ إِذَا كَانَتِ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مِنْ بَابِ السَّرَفِ . وَأَمَّا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ فَعِلَّةُ الْمَنْعِ فِيهَا أَظْهَرُ إِذْ كَانَتْ هَذِهِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الرِّبْحُ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهَا تَقْدِيرُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَهَا مَنَافِعُ ضَرُورِيَّةٌ . رَوَى
مَالِكٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ : أَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْكَيْلَ وَالطُّعْمَ ، وَهُوَ مَعْنًى جَيِّدٌ لِكَوْنِ الطُّعْمِ ضَرُورِيًّا فِي أَقْوَاتِ النَّاسِ ، فَإِنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حِفْظُ الْعَيْنِ وَحِفْظُ السَّرَفِ فِيمَا هُوَ قُوتٌ أَهَمَّ مِنْهُ فِيمَا لَيْسَ هُوَ قُوتًا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الرِّبَا الْأَجْنَاسَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ ، وَعَنْ بَعْضِهِمُ الِانْتِفَاعَ مُطْلَقًا ( أَعْنِي : الْمَالِيَّةَ ) ، وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابْنِ الْمَاجِشُونِ .