[ ص: 503 ] الفصل الثالث في معرفة  ما يجوز فيه الأمران جميعا      .  
وأما ما يجوز فيه الأمران جميعا ( أعني : التفاضل والنساء ، فما لم يكن ربويا عند   الشافعي     . وأما عند  مالك  فما لم يكن ربويا ولا كان صنفا واحدا متماثلا ، أو صنفا واحدا بإطلاق على مذهب  أبي حنيفة  ،  ومالك  يعتبر في الصنف المؤثر في التفاضل في الربويات ، وفي النساء في غير الربويات اتفاق المنافع ، واختلافها ، فإذا اختلفت جعلها صنفين ، وإن كان الاسم واحدا ،  وأبو حنيفة  يعتبر الاسم وكذلك   الشافعي  ، وإن كان   الشافعي  ليس الصنف عنده مؤثرا إلا في الربويات فقط ( أعني : أنه يمنع التفاضل فيه ) ، وليس هو عنده علة للنساء أصلا ، فهذا هو تحصيل مذاهب هؤلاء الفقهاء الثلاثة في هذه الفصول الثلاث . فأما الأشياء التي لا تجوز فيها النسيئة فإنها قسمان : منها ما لا يجوز فيها التفاضل وقد تقدم ذكرها ، ومنها ما يجوز فيها التفاضل .  
فأما الأشياء التي لا يجوز فيها التفاضل : فعلة امتناع النسيئة فيها هو الطعم عند  مالك  ، وعند   الشافعي  الطعم فقط ، وعند  أبي حنيفة  مطعومات الكيل والوزن ، فإذا اقترن بالطعم اتفاق الصنف حرم التفاضل عند   الشافعي  ، وإذا اقترن وصف ثالث وهو الادخار حرم التفاضل عند  مالك  ، وإذا اختلف الصنف جاز التفاضل وحرمت النسيئة .  
وأما الأشياء التي ليس يحرم التفاضل فيها عند  مالك  فإنها صنفان : إما مطعومة ، وإما غير مطعومة . فأما المطعومة فالنساء عنده لا يجوز فيها ، وعلة المنع الطعم; وأما غير المطعومة فإنه لا يجوز فيها النساء عنده فيما اتفقت منافعه مع التفاضل ، فلا يجوز عنده شاة واحدة بشاتين إلى أجل إلا أن تكون إحداهما حلوبة والأخرى أكولة ، هذا هو المشهور عنه; وقد قيل : إنه يعتبر اتفاق المنافع دون التفاضل فعلى هذا لا يجوز عنده شاة حلوبة بشاة حلوبة إلى أجل . فأما إذا اختلفت المنافع فالتفاضل والنسيئة عنده جائزان ، وإن كان الصنف واحدا; وقيل : يعتبر اتفاق الأسماء مع اتفاق المنافع ، والأشهر أن لا يعتبر; وقد قيل : يعتبر . وأما  أبو حنيفة     : فالمعتبر عنده في منع النساء ما عدا التي لا يجوز عنده فيها التفاضل هو اتفاق الصنف اتفقت المنافع ، أو اختلفت ، فلا يجوز عنده شاة بشاة ولا بشاتين نسيئة وإن اختلفت منافعها . وأما   الشافعي     : فكل ما لا يجوز التفاضل عنده في الصنف الواحد يجوز فيه النساء ، فيجيز شاة بشاتين نسيئة ونقدا ، وكذلك شاة بشاة ، ودليل   الشافعي  حديث   عمرو بن العاص     : "  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يأخذ في قلائص الصدقة البعير بالبعيرين إلى الصدقة     " ، قالوا : فهذا التفاضل في الجنس الواحد مع النساء . وأما الحنفية فاحتجت بحديث  الحسن  ، عن  سمرة     : "  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحيوان بالحيوان     " ، قالوا : وهذا يدل على تأثير الجنس على الانفراد في النسيئة . وأما  مالك  ، فعمدته في مراعاة منع النساء عند اتفاق الأغراض سد الذريعة ، وذلك أنه لا فائدة في ذلك إلا أن يكون من باب سلف يجر نفعا وهو يحرم ، وقد قيل عنه : إنه أصل بنفسه ، وقد قيل عن الكوفيين : إنه لا يجوز  بيع الحيوان بالحيوان نسيئة   اختلف الجنس ، أو اتفق على ظاهر حديث  سمرة  ، فكأن   الشافعي  ذهب مذهب الترجيح لحديث   عمرو بن العاص  ، والحنفية لحديث  سمرة  مع التأويل له ،      [ ص: 504 ] لأن ظاهره يقتضي أن لا يجوز الحيوان بالحيوان نسيئة اتفق الجنس أو اختلف ، وكأن  مالكا  ذهب مذهب الجمع ، فحمل حديث  سمرة  على اتفاق الأغراض ، وحديث   عمرو بن العاص  على اختلافها . وسماع  الحسن  من  سمرة  مختلف فيه ، ولكن صححه  الترمذي  ، ويشهد  لمالك  ما رواه  الترمذي  ، عن  جابر  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "  الحيوان اثنان بواحد ، لا يصلح النساء ولا بأس به يدا بيد     " ، وقال  ابن المنذر     : ثبت "  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشترى عبدا بعبدين أسودين ، واشترى جارية بسبعة أرؤس     " ، وعلى هذا الحديث يكون بيع الحيوان بالحيوان يشبه أن يكون أصلا بنفسه لا من قبل سد ذريعة .  
واختلفوا فيما لا يجوز بيعه نساء ، هل من شرطه التقابض في المجلس قبل الافتراق سائر الربويات بعد اتفاقهم في اشتراط ذلك في المصارفة لقوله عليه الصلاة والسلام : "  لا تبيعوا منها غائبا بناجز     " ، فمن شرط فيها التقابض في المجلس شبهها بالصرف ، ومن لم يشترط ذلك قال : إن القبض قبل التفرق ليس شرطا في البيوع إلا ما قام الدليل عليه ، ولما قام الدليل على الصرف فقط بقيت سائر الربويات على الأصل .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					