فصل [ بيع الربوي الرطب بجنسه من اليابس ] وأما اختلافهم في بيع الربوي الرطب بجنسه من اليابس مع وجود التماثل في القدر والتناجز ، فإن السبب في ذلك ما روى  مالك  ، عن   سعد بن أبي وقاص  أنه قال : "  سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن  شراء التمر بالرطب   ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أينقص الرطب إذا جف ؟ " فقالوا : نعم . فنهى عن ذلك     " ، فأخذ به أكثر العلماء وقال : لا يجوز بيع التمر بالرطب على حال  مالك  ،   والشافعي  ، وغيرهما . وقال  أبو حنيفة     : يجوز ذلك ، وخالفه في ذلك صاحباه  محمد بن الحسن  ،  وأبو يوسف     . وقال   الطحاوي  بقول  أبي حنيفة     . وسبب الخلاف معارضة ظاهر حديث  عبادة  وغيره له ، واختلافهم في تصحيحه ، وذلك أن حديث  عبادة  اشترط في الجواز فقط المماثلة ، والمساواة ، وهذا يقتضي بظاهره حال العقد لا حال المآل; فمن غلب ظواهر أحاديث الربويات رد هذا الحديث; ومن جعل هذا الحديث أصلا بنفسه قال : هو أمر زائد ومفسر لأحاديث الربويات .  
والحديث أيضا اختلف الناس في تصحيحه ، ولم يخرجه الشيخان . قال   الطحاوي     : خولف فيه  عبد الله  ، فرواه  يحيى بن كثير  عنه "  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة     " ، وقال : إن الذي يروي عنه هذا الحديث عن   سعد بن أبي وقاص  هو مجهول ، لكن جمهور الفقهاء صاروا إلى العمل به .  
وقال  مالك  في موطئه قياسا به على تعليل الحكم في هذا الحديث ، وكذلك كل رطب بيابس من نوعه حرام ( يعني : منع المماثلة ) كالعجين بالدقيق ، واللحم اليابس بالرطب ، وهو أحد قسمي المزابنة عند  مالك  المنهي عنها عنده ، والعرية عنده مستثناة من هذا الأصل ، وكذلك عند   الشافعي  ، والمزابنة المنهي عنها عند  أبي حنيفة  هي  بيع التمر على الأرض بالتمر في رءوس النخيل   لموضع الجهل بالمقدار الذي بينهما ( أعني : بوجود التساوي ) .  
وطرد   الشافعي  هذه العلة في الشيئين الرطبين ، فلم يجز بيع الرطب بالرطب ، ولا العجين بالعجين مع التماثل ، لأنه زعم أن التفاضل يوجد بينهما عند الجفاف . وخالفه في ذلك جل من قال بهذا الحديث .  
 [ ص: 508 ] وأما اختلافهم في بيع الجيد بالرديء في الأصناف الربوية ، فذلك يتصور بأن يباع منها صنف واحد وسط في الجودة بصنفين : أحدهما أجود من ذلك الصنف ، والآخر أردأ ، مثل أن يبيع مدين من تمر وسطا بمدين من تمر أحدهما أعلى من الوسط ، والآخر أدون منه ، فإن  مالكا  يرد هذا لأنه يهمه أن يكون إنما قصد أن يدفع مدين من الوسط في مد من الطيب ، فجعل معه الرديء ذريعة إلى تحليل ما لا يجب من ذلك ، ووافقه   الشافعي  في هذا ، ولكن التحريم عنده ليس هو فيما أحسب لهذه التهمة ، لأنه لا يعمل التهم ، ولكن يشبه أن يعتبر التفاضل في الصفة ، وذلك أنه متى لم تكن زيادة الطيب على الوسط مثل نقصان الرديء عن الوسط ، وإلا فليس هناك مساواة في الصفة .  
ومن هذا الباب اختلافهم في جواز بيع صنف من الربويات بصنف مثله وعرض ، أو دنانير ، أو دراهم إذا كان الصنف الذي يجعل معه العرض أقل من ذلك الصنف المفرد ، أو يكون مع كل واحد منهما عرض والصنفان مختلفان في القدر ، فالأول مثل أن يبيع كيلين من التمر بكيل من التمر ودرهم ، والثاني مثل أن يبيع كيلين من التمر وثوبا بثلاثة أكيال من التمر ودرهم ، فقال  مالك  ،   والشافعي  ، والليث : إن ذلك لا يجوز ، وقال  أبو حنيفة  ، والكوفيون : إن ذلك جائز . فسبب الخلاف هل ما يقابل العرض من الجنس الربوي ينبغي أن يكون مساويا له في القيمة أو يكفي في ذلك رضا البائع ؟  
فمن قال الاعتبار بمساواته في القيمة قال : لا يجوز لمكان الجهل بذلك ، لأنه إذا لم يكن العرض مساويا لفضل أحد الربويين على الثاني كان التفاضل ضرورة ، مثال ذلك : أنه إن باع كيلين من تمر بكيل وثوب فقد يجب أن تكون قيمة الثوب تساوي الكيل ، وإلا وقع التفاضل ضرورة . وأما  أبو حنيفة  فيكتفي في ذلك بأن يرضى به المتبايعان ،  ومالك  يعتبر أيضا في هذا سد الذريعة ، لأنه إنما جعل جاعل ذلك ذريعة إلى بيع الصنف الواحد متفاضلا فهذه مشهورات مسائلهم في هذا الجنس .  
				
						
						
