الركن الأول .  
في  محل المساقاة      .  
واختلفوا في محل المساقاة ، فقال  داود     : لا تكون المساقاة إلا في النخيل فقط .  
وقال   الشافعي     : في النخل ، والكرم فقط .  
وقال  مالك     : تجوز في كل أصل ثابت كالرمان ، والتين ، والزيتون وما أشبه ذلك من غير ضرورة ، وتكون في الأصول غير الثابتة كالمقاثئ ، والبطيخ مع عجز صاحبها عنها ، وكذلك الزرع ، ولا تجوز في شيء من البقول عند الجميع إلا  ابن دينار  ، فإنه أجازها فيه إذا نبتت قبل أن تستغل .  
فعمدة من قصره على النخل : أنها رخصة ، فوجب أن لا يتعدى بها محلها الذي جاءت فيه السنة .  
وأما  مالك  فرأى أنها رخصة ينقدح فيها سبب عام ، فوجب تعدية ذلك إلى الغير . وقد يقاس على الرخص عند قوم إذا فهم هنالك أسباب أعم من الأشياء التي علقت الرخص بالنص بها ، وقوم منعوا القياس على الرخص ، وأما  داود  فهو يمنع القياس على الجملة ، فالمساقاة على أصوله مطردة .  
وأما   الشافعي     : فإنما أجازها في الكرم من قبل أن الحكم في المساقاة هو بالخرص ، وقد جاء في حديث  عتاب بن أسيد  الحكم بالخرص في النخل ، والكرم ، وإن كان ذلك في الزكاة ، فكأنه قاس المساقاة في ذلك على الزكاة ، والحديث الذي ورد عن  عتاب بن أسيد  هو : "  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأمره أن يخرص العنب وتؤدى زكاته زبيبا ، كما تؤدى زكاة النخل تمرا     " . ودفع  داود  حديث  عتاب ابن أسيد     ; لأنه مرسل ، ولأنه انفرد به  عبد الرحمن بن إسحاق  ، وليس بالقوي .  
واختلفوا إذا كان مع النخل أرض بيضاء أو مع الثمار; هل يجوز أن تساقى الأرض مع النخل بجزء من النخل ، أو بجزء من النخل وبجزء مما يخرج من الأرض ؟  
فذهب إلى جواز ذلك طائفة ، وبه قال صاحبا  أبي حنيفة  ،  والليث  ،  وأحمد  ،   والثوري  ،   وابن أبي ليلى  ، وجماعة .  
وقال   الشافعي  ، وأهل الظاهر : لا تجوز المساقاة إلا في التمر فقط .  
وأما  مالك  ، فقال : إذا كانت الأرض تبعا للثمر ، وكان الثمر أكثر ذلك ، فلا بأس بدخولها في المساقاة اشترط جزءا خارجا منها ، أو لم يشترطه ، وحد ذلك الجزء بأن يكون الثلث فما دونه ( أعني : أن يكون مقدار كراء الأرض الثلث من الثمر فما دونه ) ، ولم يجز أن يشترط رب الأرض أن يزرع البياض لنفسه; لأنها زيادة ازدادها عليه .  
وقال   الشافعي     : ذلك جائز [ هكذا بالنسخ ، ولعله متناقض في النقل عن   الشافعي  ، فإنه نقل عنه أولا أنه لا يجوز إلا في الثمرة ، وهنا أنه تجوز المساقاة في الأرض والنخل معا فلعل له قولين ، تأمل ا هـ مصححه ] .  
وحجة من أجاز المساقاة عليهما جميعا ( أعني : على الأرض بجزء مما يخرج منها ) : حديث   ابن عمر  المتقدم .  
 [ ص: 596 ] وحجة من لم يجز ذلك ما روي من النهي عن كراء الأرض بما يخرج منها في حديث   رافع بن خديج  ، وقد تقدم ذلك . وقال   أحمد بن حنبل     : أحاديث رافع مضطربة الألفاظ ، وحديث   ابن عمر  أصح . وأما تحديد  مالك  ذلك بالثلث فضعيف ، وهو استحسان مبني على غير الأصول; لأن الأصول تقتضي أنه لا يفرق بين الجائز من غير الجائز بالقليل والكثير من الجنس الواحد . ومنها اختلافهم في المساقاة في البقل; فأجازها  مالك  ،   والشافعي  ، وأصحابه ،  ومحمد بن الحسن     .  
وقال  الليث     : لا تجوز المساقاة في البقل ، وإنما أجازها الجمهور; لأن العامل ، وإن كان ليس عليه فيها سقي فيبقى عليه أعمال أخر ، مثل الإبار ، وغير ذلك; وأما  الليث  فيرى السقي بالماء هو الفعل الذي تنعقد عليه المساقاة ، ولمكانه وردت الرخصة فيه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					